تعز: حكاية وجع لا حدود لها.. فشل في العيش الكريم!
تعز – محمد الكمالي
يكابد الرجل الستيني محمد قاسم منصور فارع، معاناة مرض الفشل الكلوي منذ العام 2011، عندما ألم به في أواخر شهر مايو.
فارع الذي كان وقتها يعمل في حمل الأحجار ويتقاضى أجرته اليومية الزهيدة؛ بقي مقاومًا للمرض، ورغم الألم ظل يتلقى الدعم من أسرته كما يقول، ويذهب إلى مركز الغسيل الكلوي في هيئة مستشفى الثورة العام الذي يبعد عن منزله حوالي كيلو متر واحد. منزله الذي يقع في حي الحوض.
في نهار العاشر من أبريل من العام 2015، بدأ أزيز الرصاص يقترب من مكان إقامته في منطقة الحوض بين الأطراف المتنازعة؛ بعد أن دكت مقاتلات التحالف الحربية قبل ذلك مبنى القصر الجمهوري وما حوله، تحديدًا في 26 مارس/ آذار 2015.
“كان كل شيء ممهدًا للنزوح القسري، شاء أحدهم ذلك أم أبى”، هكذا يقول محمد فارع بغصة، وهو يحكي تلك اللحظات، ويضيف: “لقد كان الطريق سانحًا حينها لنفعل ذلك، أي لننزح، لأنه بعدها بوقت قصير أغلقت تلك الطريق نهائيًّا، وباتت تعز تعرف الحصار منذ حينها”.
اتجه فارع نحو قريته (بني علي) في مديرية مذيخرة التابعة لمحافظة إب، هناك يملك منزلًا يتقاسمه رفقة أشقائه كتركة من أبيهم.
ظن فارع المتعب أن الأمور ستأخذ وقتها البسيط، ثم تعود بأسرع ما يمكن، لكن الوقت يطول والوجع لا يهدأ، لقد فقد عمله في تعز واتجه إلى الريف ليحظى هو وعائلته ببعض الأمان فقط، ولأنه يتعين عليه إجراء جلستين لعمل الغسيل الكلوي في الأسبوع الواحد فقد ترك وراءه زوجته وخمسة من الأبناء بعد مدة قصيرة ليعود مرة أخرى إلى مدينة تعز من أجل استمرارية العلاج.
التعايش مع المعاناة
لا يملك فارع أي معيل له داخل المدينة، ولأن مسافة السفر من قريته إلى وسط مدينة تعز يتطلب لها أكثر من سبع ساعات؛ بسبب إغلاق منافذها منذ خمس سنوات فقد قرر البقاء طوال العام داخلها على أن يكون اللقاء عند كل عيد من العام كله.
بجانب مركز الغسيل الكلوي وسط هيئة مستشفى الثورة العام في مدينة تعز، ينام فارع في العراء، يملك بطانية واحدة تقيه قساوة البرد وبقايا كرتون مصنوع من الورق، لا يجد الرجل الكهل عمل يمكنه من كسب المال كما أنه لا قدرة له في العمل من الأساس، بات يتلقى المساعدات العينية من فاعلي الخير.
يقول فارع إنه لا يخشى على نفسه كثيرًا كما هي المشاعر التي تعتريه عند تذكر عائلته التي في الريف، لكن الجيد في الأمر أن أشقاءه هناك يقومون بالواجب ويقدمون العون لهم، وهو ما يشعره بالارتياح.
حكاية وجع
ليت الأمر يقتصر على ذلك فقط، فالمخاطر الأمنية التي تتربص بالرجل لا يحتسب لها، لا تعد هيئة مستشفى الثورة في تعز بشكل عام، مكانًا آمنًا، رغم كونها مكانًا صحيًّا يجب تحييده من أي هجمات أو اعتداءات يضلع فيها أطراف الحرب.
في الثامن عشر من أبريل 2021 عند حوالي الساعة الـ05:00 فجرًا، تعرض المستشفى لاعتداء من قبل جماعات مسلحة تابعة لقوات حكومة هادي، بحسب خيوط.
اقتحموا المكان وأطلقوا وابلًا من الرصاص، كان ذلك إثر مواجهات تلك الجماعات مع لجنة أمنية رسمية تتبع أيضًا قوات الحكومة المعترف بها دوليًّا، وقد كان فارع في منتصف المعمعة.
حكاية فارع واحدة لعشرات المرضى من الفشل الكلوي الذين يفترشون باحات هيئة مستشفى الثورة بوجع لا حدود له.