هل يعرف طفلك كيف يتصرّف في حالة الطّوارئ؟ بقلم| منة أبو خضرة
بقلم| منة أبو خضرة
مع طفرة المناهج الدولية التي طغت على مدارس الوطن العربي خلال العقد الماضي، أصبح هناك العديد من الوسائل التعليمية المنقولة من اللغة الإنجليزية إلى العربية، والتي يمكن بلا شك استخدامها مع أطفالنا.
ثناء تصفّحي الأخبار في شبكات التواصل الاجتماعي، لفت نظري فيديو رائع لمكالمة مسجلة على خط خدمة الطوارئ في بريطانيا. كانت المكالمة لطفل لا يتعدى عمره 8 سنوات. كان يتصل بالطوارئ لأن والدته سقطت عن الدرج، ولم تكن تتحرك أو تتحدث إليه، وهو وضع مفزع بالنسبة إلى طفل صغير في مثل هذا العمر، ولكن على العكس، أثار انتباهي هدوؤه الشديد وحكمته، وتصرفه الذي يكبر سنه بكثير، وكأنه بالفعل تلقى تدريباً على كيفية التصرف في مثل هذه المواقف، فقد كان يصف الأمر لخدمة الطوارئ بمنتهى الهدوء، كما أنه كان ينفّذ ما يطلبونه منه بدقة متناهية وهدوء شديد.
لم يثر الطفل وحده انتباهي في هذا الفيديو، بل لفتت انتباهي أيضاً تصرفات العامل في خدمة الطوارئ وحديثه الدقيق إليه بشكل يتماشى مع عمره، فقد حاول الحفاظ على هدوء الطفل، ثم أخبره بأنه سيطلب منه عدة مهام. وفي حال لم يفهم أياً منها، عليه فقط أن يطلب منه تكرار الجملة.
ومن الواضح أيضاً أن هذا العامل تلقّى تدريباً على كيفية التعامل مع الأطفال في حال اتصالهم؛ فتجده في الجزء الثاني من المكالمة يتحدث مع الطفل عن أشياء عامة، مثل نوع الكلب الموجود في المنزل، حتى يحرف انتباهه عن الخوف والفزع.
بعد أن انتهيت من مشاهدة الفيديو، التفت إلى ابنتي البالغة من العمر 9 سنوات، وسألتها: هل تعرفين رقم الطوارئ الذي يجب الاتصال به في حال التعرض للخطر؟ هل حدثكم المعلم في المدرسة عن هذا الأمر سابقاً؟ فأجابتني: “ما المقصود برقم الطوارئ؟”، فهل هناك فجوة في التطرق إلى مثل هذه الموضوعات في مناهجنا الدراسية في الوطن العربي؟
انطلاقاً من أهمية هذا الموضوع، باعتباره أحد أهم الموضوعات التوعوية التي يجب أن يتعلمها الأطفال في المدارس، أو على الأقل في المنزل، بحثت عن الأمر في شبكة الإنترنت لأجد آلاف الأنشطة التعليمية التي تهدف إلى توعية الطفل بكيفية التصرف في حالات الطوارئ.
كيف تتناول المناهج التعليمية الغربية هذا الموضوع؟
تولي المناهج الدراسية البريطانية اهتماماً ملحوظاً بالدروس الأخلاقية التي تهدف إلى توعية الطفل بجوانب الحياة المختلفة بشكل عام، بعيداً عن الموضوعات الدراسية التقليدية التي تهدف إلى تعليم الطفل اللغات أو العلوم أو التاريخ والجغرافيا وخلافه.
ويعتبر موقع توينكل التعليمي البريطاني – وهو أحد أكبر المواقع التعليمية التي تعتمد عليها المدارس البريطانية في تصميم المناهج الدراسية – موسوعة شاملة للأنشطة التعليمية المتنوعة التي تحتوي مئات الآلاف من الوسائل التعليمية التي تتناول هذا الموضوع أيضاً. ومن ضمن الدروس التعليمية التي يتم تدريسها للصف الأول الابتدائي، التدرب على أرقام الطوارئ المختلفة.
تماشياً مع النهج الَّذي تطبّقه المدارس البريطانية، والذي يعتمد على المناقشة بدلاً من التلقين، لا بدّ من أن يفهم الطفل المقصود بالطوارئ أولاً، قبل أن نعلّمه كيف يتصرف في وضع طارئ، فربما يعتقد الطفل أن ذلك يعني الحالات الطارئة الضخمة، مثل الحرائق أو السرقات، ولكن – وبناء على درس “هل هذه حالة طوارئ؟” الذي يتم تدريسه للصف الأول الابتدائي طبقاً للمنهج البريطاني – لا بدّ من أن يتعلم الطفل أن كل وضع غير معتاد يشعره بعدم الارتياح هو وضع طارئ، مع الأخذ في الاعتبار اختلاف الجهة التي يلجأ إليها في الحالات المختلفة.
إضافة إلى ذلك، لا بد من التركيز على أنواع خدمات الطوارئ المختلفة لتوسيع مدارك الطفل؛ فهناك الحرائق التي تتولى أمرها خدمة الإطفاء، وهناك الجرائم التي يتولى أمرها رجال الشرطة، وهناك الحوادث المَرَضِية الخطيرة التي نتّصل أثناء وقوعها بالإسعاف لإنقاذ المرضى.
في الجانب الآخر، لا بدَّ من توعية الطفل بحالات أخرى طارئة ينبغي أن يطلب فيها المساعدة، كما يحدث عندما يضلّ طريقه مثلاً أو يتعرض لحالة من حالات التحرش.
ووفقاً لموقع “Kids Health“، وهو أحد المواقع الأميركية التي تقدم العديد من النصائح الرائعة عن كيفية الاعتناء بصحة الطفل النفسية والبدنية، لا بد أن تكون هناك صفحة خاصة بالأطفال في مواقع الحكومة الرسمية، تتناول كيفية التواصل مع الطوارئ خطوة بخطوة، فقد اختلفت الأمور، وتطورت الأجهزة الإلكترونية، ويستطيع الأطفال الآن البحث بنفسهم عن المعلومات التي يرغبون في الطلاع عليها، من خلال الهاتف المحمول والأجهزة الذكية. وفي حالة الطوارئ، ربما يجدر بهذه المواقع كتابة الموضوع بشكل مبسّط في خطوات يسهل على الأطفال استيعابها.
كلمة السرّ: البعد عن الترهيب وتناول الأمر بشكل ممتع ومسلٍّ
تتناول المناهج الغربية عموماً، والبريطانية بشكل خاص، هذه الموضوعات السلوكية بشكل محبب وبسيط، فالهدف من الأمر في الأساس هو توعية الطفل لا تخويفه. وللوصول إلى درجة الثبات الانفعالي التي عبَّر عنها الطفل في الفيديو السابق، لا بد من تناول الأمر بطريقة تفاعلية مسلّية لضمان استيعابه. لذا، بدلاً من تناول الأمر بشكل مباشر، يتم إيصال المعلومة بعدة طرق منها:
1- التعليم عن طريق اللعب
أحد الأنشطة التعليمية المتبعة هو تصميم هاتف من الأكواب بغرض اللعب، ثم تمثيل كيفية الاتصال بشخص ما من خلال هذا الهاتف المصنوع يدوياً. من الممكن أن يتظاهر أحد الأطفال بالإغماء، وأن يتظاهر طفل ثانٍ بأنه يتصل بالهاتف، ويتظاهر طفل ثالث بأنه موظف الطوارئ. في هذه الحالة، يتم إيصال المعلومة في إطار تفاعلي مسلٍّ.
وهناك العديد من الأفكار وأوراق اللعب التي يمكن الحصول عليها مجاناً من مواقع الإنترنت، لتنفيذ أنشطة مشابهة، أي أنها وسيلة سهلة وفي متناول الجميع.
2- الأنشطة الفنية
إذا كنتَ أباً لطفل دون العاشرة، فلا شك في أنك ستتفاعل مع هذه السطور، فمن الصعب جداً السيطرة على تركيز الطفل لأكثر من 10 دقائق من الشرح المتواصل. لذا، يتم اللجوء غالباً إلى الأنشطة الفنية التي تكسر الملل وتحافظ على درجة التركيز والانتباه لمدة طويلة، فبدلاً من تلقين الطفل المعلومة بشكل مباشر، يمكن تناولها في إطار نشاط فني، مثل تلوين أوراق عن الوظائف المختلفة الخاصة بخدمات الطوارئ، مع الحديث عن كل نوع منها على حدةٍ، أو قصّ ولصق صور عن أنواع الغرباء الَّذين يمكن الثقة بهم وطلب المساعدة منهم، أو العكس، وهو نشاط رائع مطبّق في المدارس الدولية في وطننا العربي.
3- بطاقات المناقشة
تعتبر هذه الطريقة المعروفة باسم “Social Situation Cards” إحدى أنجح الوسائل التعليمية في ما يتعلق بسلوكيات الطفل، إذ يتمّ شرح الأمر في سياق قصّة قصيرة لشخصية خارجية، وهو الأسلوب المتّبع في العديد من المناهج الغربية. مثلاً، يتم طرح موقف على الأطفال من خلال بطاقات مصورة: “ضلَّت ليلى الطريق أثناء تواجدها في المركز التجاري، إذ نظرت حولها فجأة، ولم تجد أمها أو أباها، فكيف تتصرف؟”، ثم يطلق المعلم أو ولي الأمر العنان للطفل، ليعبر عن رأيه في التصرف الأمثل، على أن يتم تصحيح المعلومة في النهاية. وبهذا الشكل، ندفع الطفل إلى استيعاب الموقع والتعامل معه في إطار قصصي مسلٍّ يدفعه إلى التّفكير المنطقيّ لحلّ المشكلة.
هل لدينا وسائل تعليمية مناسبة لمناهجنا الدراسية في الوطن العربي؟
مع طفرة المناهج الدولية التي طغت على مدارس الوطن العربي خلال العقد الماضي، حيث انتشرت المدارس التي تتبع المناهج البريطانية والأميركية والكندية وغيرها، أصبح هناك العديد من الوسائل التعليمية المنقولة من اللغات الأجنبية إلى العربية، والتي يمكن بلا شك استخدامها مع أطفالنا العرب بشكل يتماشى مع عمرهم ومستوى إدراكهم.
ومن الوسائل التعليمية الرائعة التي تم نقلها إلى العربية، الدليل الذي قدمته منظمة “Save the Children” البريطانية عن شبكة “Child Help Line”، والذي تم تطبيقه كمشروع قراءة في المدارس الدولية البريطانية. يوجه هذا الدليل المعلمين إلى النقاط الأساسية التي يجب تعليمها للأطفال في حالة التعرض للطوارئ من ناحية التعامل النفسي والمعنوي أولاً، والإجراءات المتبعة ثانياً.
إضافةً إلى ذلك، تمَّ نقل العديد من الوسائل التعليمية المتعلقة بهذا الموضوع من اللغة الإنجليزية إلى العربية، لعل أبرزها كتاب “كيف أتصرف في حالات الطوارئ؟” الذي تم نشره في شبكات التواصل الاجتماعي مؤخراً مجاناً بمناسبة اليوم العالمي للأطفال المفقودين، والذي وافق الخامس والعشرين من شهر أيار/مايو.
يهدف هذا الكتاب إلى تقديم معلومات أساسيّة للطفل عن كيفية التصرف في حال تعرضه لحالة من حالات الطوارئ على اختلافها، وذلك بشكل مبسط، مثل كيفية تذكّر عنوان المنزل ورقم الهاتف الخاص بولي الأمر، مع تنبيهه إلى الشّخص الذي يستطيع مشاركة هذه البيانات معه في حال التعرض لمواقف طارئة، والأشخاص الذين لا يجب مشاركة هذه البيانات معهم على الإطلاق.