قطاع التعليم في تعز.. عندما تتحول المدارس إلى متارس!
حيروت – تعز
ركامٌ دُفنت معه أحلام أسرٍ ظلت تراقب فلذات أكبادها وهي تنتقل من فصلٍ لآخر، ومعه كاد يذهب التفاؤل بقادمٍ ينهي مأساة مدارس تعز المتضررة من الحرب. منذُ مارس/ آذار 2015، بدأ تضرر المدارس، بالقصف الجوي والمعارك الميدانية بمختلف الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة. طحن القصف الجوي والبري مئات المدارس الحكومية، وتوقف التعليم في مرافق كان لها شهرةً واسعة بين السكان المحليين، وفي محافظةٍ توصف بأنها أكبر كثافة سكانية في البلاد، ومواطنوها الأكثر انخراطًا في التعليم.
مثلت المدارس الحكومية الملاذ الآمن لأطراف الصراع لاتخاذها مكانًا للقيادة وتخزين السلاح ومراكز تدريبية وسجونًا في بعض الأحيان. هذه الحالة جعلت المدارس أكثر عرضةً للدمار بفعل القصف الذي طالها، إما بالغارات الجوية أو المواجهات البرية، وجميعها كانت عوامل متآزرة إلى جانب استخدامها لأغراض غير التعليم، في قلة فرص الحصول على البنية التحتية الكافية لاستيعاب الطلبة. وهكذا حُرموا من حقهم الأصيل في الحصول على تعليمٍ مجاني يحد من الانتشار الكبير لمدارس القطاع الخاص التي تملأ المدينة ومراكز مديريات الريف.
أخطار تتهدد الطلبة والمعلمين
المدارس التي تهدمت كليًّا أو جزئيًّا تراوح مكانها، مع إهمال السلطات المحلية لترميم الأضرار، خاصة أن بقاءها على حال الدمار الجزئي يعرض الطلبة والكادر التدريسي والإداري لأخطارٍ تتهدد حياتهم في أي لحظة. دفعت الحاجة المجتمع إلى تقبل الوضع الاستثنائي الذي تعشيه تعز، لكن هذا لا يعني أن تظل هذه المسائل بعيدة عن الاهتمام الرسمي والمجتمعي، لانتشال هذه المؤسسات التعليمية من بؤس الدمار إلى واقع تصحيحي يتنفس الجميع معها خير المبادرة للترميم والعمل.
أرقام تحكي هول الدمار
أوردت السلطة المحلية، ممثلة بمكتب التربية والتعليم، أن عدد المدارس المتضررة من النزاع “47 مدرسة دمرت كليًّا بفعل القصف الجوي، وعشرات المدارس تضررت جزئيًّا من الاشتباكات الدائرة، وهناك مدارس تستخدم لأغراض إنسانية كمراكز للأسر النازحة التي تقطعت بها السبل ولم تجد بديلًا يواري عوزها سوى هذه المدارس، وهنا لا بدّ من تقدير الوضع الذي تمر به البلاد خاصة في هذه الناحية الحساسة التي ينبغي أن يتكاتف الجميع من أجل التخفيف من عبء القطاع التعليمي .” بحسب خيوط.
هناك تسع مدارس من غير المتضررة في الوقت الراهن خارج إطار الخدمة التعليمية في تعز. المواطنون يشكون من عسكرة مؤسسات التعليم، وتحمل أعباء رسوم المدارس الخاصة، التي باتوا مجبرين على تسجيل أبنائهم فيها، خاصة في ظل إغلاق أبواب المنشآت التعليمية الحكومية، كمدرسة سبأ (المقر الحالي لمحور تعز)، ومدرسة عمر المختار، ومدرسة بلال، ومدرسة الصمود للمكفوفين، ومدرسة النور، ومكتب إدارة التربية في مديرية القاهرة؛ إحدى المديريات الثلاث التي تتكون منها المدينة، وأخيرًا مكتب التربية والتعليم بالمحافظة نفسه. كل هذه المنشآت التعليمية مغلقة بسبب التواجد العسكري فيها.
أحلامٌ في مواجهة الحرب
المواطن حسين علي، الذي يسكن بالقرب من مدرسة عمر المختار، يصف تجربته الأولى في اختيار مدرسة لطفله. يقول “كنت أنوي أن أذهب بطفلي إلى المدرسة وأفرح به وهو في السنة الأولى من التعليم. كل شيء تغير؛ لا المدرسة باتت موجودة ولا الظروف الأمنية ملائمة، فالقذائف ما زالت تتساقط إلى الأحياء السكنية بين الفينة والأخرى، ومعها تحصد أبرياء في عمر الزهور”. صحيح أن الحرب وتبعاتها جعلت من هذه الأحلام المشروعة والبسيطة أحلامًا وردية، إلا أن إيمان الناس قائم في أنه يجب تذليل الصعوبات التي اكتنفت العملية التعليمية طوال الفترة الماضية حتى الآن.
الحال لا يختلف كثيرًا عند آخرين تقطعت بهم سُبل البحث عن مدارس حكومية قريبة لمساكنهم وتلتزم بالحد الأدنى لمعايير جودة التعليم، عسى أن يجد أبناؤهم تحصيلًا علميًّا أفضل، وهو ما بات أمنيات ملحّة لكل سكان المدينة.
المدارس الحكومية وشكاوى الإهمال
المواطن رائف نبيل، يتحدث لـ”خيوط” بألم لما وصل إليه حال التعليم في تعز؛ “إلى جانب إغلاق كثير من المدارس الحكومية، بات تدهور العملية التعليمية في البعض الآخر يزداد قتامة؛ نتيجة الإهمال من قيادات التعليم، سواء في المدارس أو متابعة مكاتب التربية في المديريات ومكتب التربية بالمحافظة”. هذا الأمر يتطلب إعادة النظر فيه بتكرار وفاعلية، حتى لا يتخرج جيل بأكمله لا يعي أبجديات أساسية تؤهله لدخول الجامعة، وبالتالي يبقى بين مطرقة إهمال الجهات المختصة وسندان قسوة البحث عن أعمال، مفتقدًا لركن التعليم.
قصور في أداء المعلمين وتسرب للطلبة من المدارس، تعطيل شبه كامل لأداء سير العملية التعليمية بعد توقف قسري بسبب جائحة كورونا، ما الذي سينتج عن كل هذا في محصلة الطلبة لعامين في ظل أزمة صحية كبرى وحرب مستمرة؟
حلول لمشكلة استخدام المدارس
يعتقد الصحفي عابد الراشدي أن المشكلة ليست في تحويل المدارس إلى ثكنات عسكرية، فهذا واقع لا مفر منه وقد فرضته الحرب، خصوصًا إذا كانت تلك المدارس قريبة من خطوط التماس.
ويرى الراشدي أن جوهر المشكلة هنا هو عدم قيام تلك الجهات بإخلاء المدارس أو توفير أماكن بديلة تضمن استمرارية التعليم.
قصف واستخدام المدارس عسكريًّا من أسوأ ما خلفته الحرب الدائرة في البلاد منذُ ستة أعوام. فمع استعادة قطاعات حكومية كثيرة لعافيتها نتيجة عملية تطبيع الحياة التي تتبناها السلطات المحلية، تقف منشآت التعليم شاخصة في انتظار لفتة مسؤولة لانتشالها من عثرتها، سواء ببدء عمليات الترميم والبناء أو إخلاء المدارس من مستخدميها حتى يعود جميع الطلبة إليها دون أي معوقات أو مخاطر. فهل تجد مطالب الناس طريقًا سالكًا لمسامع صانعي القرار!