الكهرباء التجارية في تعز تتاجر بالحق العام.. والغضب الشعبي يتفاقم
حيروت – تعز
تعيش محافظة تعز تحت رحمة الكهرباء التجارية، والتي بات الحصول عليها حكرًا على الميسورين والمحال والمؤسسات التجارية والصناعية المختلفة، الخدمة التي حلت بديلة عن كهرباء الدولة المختفية منذ أكثر من ست سنوات تاريخ بداية الحرب في المدينة وحصارها.
تم تدمير المنظومة المحلية، وتهالكت نسبة كبيرة من الشبكة الرئيسية، والمتبقي منها أصبح عرضة لأكبر جدل قانوني بعد تأجير مؤسسة الكهرباء هذه الشبكة للشركات الخاصة دون ضوابط تحفظ للأخيرة الإشراف على آلية توزيع وتسعير الكهرباء، إضافة إلى تقدير الحمولة؛ حتى يضمن المستفيد حصة كافية وقدرة عالية تتناسب وحجم الاستهلاك.
صيف حار ومتطلبات مضاعفة للحصول على الطاقة الكهربائية من قبل المواطنين في تعز، دفع ملاك الشركات الخاصة لرفع تعرفة سعر الكيلو الواحد إلى 450 ريالًا، وهي أكبر قيمة على مستوى اليمن، هذا الأمر فتح الباب على مصراعيه أمام المستهلكين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي لكشف خبايا شركات الكهرباء الخاصة وتعاملها مع المؤسسة الحكومية والسلطة المحلية، إذ أظهرت وثائق نشرها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة تقريرًا ذكر فيه أن صافي الأرباح لشركات الكهرباء الخاصة خلال عامين بلغ أكثر من ستة مليارات ريال، وهو رقم مهول بالمقارنة مع رداءة الخدمة المقدمة والتي تعجز عن تشغيل أجهزة متوسطة، فضلًا عن الكبيرة، كما يقول جمهور المستهلكين.
تهرب من المواجهة
مع تزايد النشاط الشعبي الرافض لممارسات الشركات الخاصة لتوليد الكهرباء، يخرج ملاك الأخيرة بمبررات لا تلقى قبولًا لدى الغاضبين لما آلت إليه أوضاع الكهرباء الخاصة.
توفيق الزوقري، مسؤول عن إحدى شركات الكهرباء الخاصة، عارض الانتقادات الموجهة لهم بحسب خيوط، ملقيًا باللوم على السلطة المحلية ومؤسسة الكهرباء التابعة لها، اللتين تطلبان نسبًا كبيرة مع كل ضغط شعبي على القطاع الخاص، مرجعًا سبب ارتفاع أسعار تعرفة الكهرباء إلى ارتفاع الديزل ووصول العشرين لترًا لـ13 ألف ريال، وهو ما ساهم في زيادة الضغط على المستهلك الذي يشعر أنه يتعرض للابتزاز.
محللون قالوا إنه في أسوأ الحالات -وهو افتراض- في حال بلغ سعر اللتر الديزل سبع مئة ريال، فلن تزيد تعرفة الكهرباء عن 270 ريالًا، وهو ما يعني أن ثمة أيادٍ عابثة بمصلحة المواطن والمدينة، مشيرين إلى ضرورة مقاطعة الشركات الخاصة والضغط على السلطات لإيجاد حلول مستدامة لتوفير التيار الكهربائي الحكومي، أسوة بالمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا.
هدر لحقول الدولة
زادت الانتقادات الموجهة لمؤسسة الكهرباء لحد إصدار فتاوى قانونية ترفض تعاقدها مع شركات الكهرباء الخاصة، ومنحها الحق في تسخير الشبكة الوطنية لصالحها مقابل رسوم تعطى للجهات الحكومية.
يتحدث المحامي، عمر الحميري، عن الجوانب القانونية لهذه العقود، قائلًا:” نعلم أن الوضع متأثر بجميع مؤسسات الدولة العاملة في تعز؛ كونها أكثر المحافظات تعرضًا لتبعات الحرب والحصار، لكن مؤسسة الكهرباء صنعت مشاكل بدلًا من وضع الحلول حينما أبرمت عقودًا مع شركات الكهرباء الخاصة لتأجير الشبكة العامة بطرق مخالفة للقانون، في حين أن هذا الأمر من مهام الوزارة.
ويشدد الحميري على ضرورة أن تتضمن العقود شروطًا وقيودًا تمنع الشركات الخاصة من ابتزاز المستهلكين، وتحفظ المصلحة العامة، بحيث تكفل الدولة حقوق الناس، لكن للأسف مؤسسة الكهرباء ارتكبت خطأ فادحًا وبذلك تكون شريكة في ابتزاز المواطن إلى جانب القطاع الخاص”.
ويكشف عن فتوى قانونية صادرة من مكتب الشؤون القانونية بالمحافظة، تقضي ببطلان عقود التأجير، مؤكدًا أن المؤسسة ذاتها تعلم أن لا صلاحيات لها في هذا الجانب، منوّهًا أن ما يجب فعله حاليًّا هو سحب العقود والتوجه إلى الوزارة، ووضع صيغة جديدة لشراء الطاقة من أصحاب المولدات الخاصة وبيعها للمواطن من قبل المؤسسة العامة للكهرباء، هذا هو المسلك السليم والقانوني”.
الضرورات تبيح المحظورات
تحضر مؤسسة الكهرباء بتعز كواجهة رئيسية عند الحديث عن الكهرباء التجاري؛ كونها الجهة الشريكة بإعطاء القطاع الخاص صلاحية إدارة هذا الجانب الحيوي مستندين على إرثٍ حكومي أزيح جانبًا في فترة الحرب.
مدير عام المؤسسة العامة للكهرباء بتعز، المهندس عارف عبدالحميد، يرجع سبب انقطاع الكهرباء الحكومية في تعز منذُ ست سنوات إلى توقف المحطات الرئيسية التي تولد الكهرباء، وتهالك الشبكة الوطنية بسبب الحرب، والنهب من قبل عصابات مسلحة.
إذ لم يكن من خيار متاح وفق حديث عبدالحميد، سوى السعي لإعادة التيار الكهربائي، لكن حالت عديد التحديات في إعادته كعدم توفر الدعم لإصلاح الشبكة وتوفير المولدات اللازمة التي باستطاعتها تغذية المدينة.
وعلى الرغم تم مواصلة العمل، وإعداد دراسة تم عرضها على الجهات العليا المعنية في هذا الشأن، والذين لم يعيروها أي اهتمام وفق مدير عام مؤسسة كهرباء تعز.
وتابع حديثه: “هذا المستوى المحبط من التجاهل، دفعنا للبحث عن حلول بديلة، وهي التعاقد مع الشركات التجارية الخاصة، ووصلنا لتفاهمات حتى تؤجر الشبكة العامة لصالح المؤسسة، بدلًا من استخدامها بشكل عبثي، بعدما وصل الأمر للصدام بالأسلحة مع ملاك الشركات الخاصة، إذ كان العقد مقابل إعطاء رسوم للمؤسسة، مع التزام القطاع الخاص بصيانة دورية للشبكة.
وفيما يتعلق باللائحة المنظِّمة للشراكة مع كهرباء القطاع الخاص، قال المهندس عارف: “كنا رفعنا بطلب للوزارة بإصدار لائحة منظمة حتى نضمن حق المؤسسة والمستهلك، وقوبلت بالرفض”، مضيفًا: “وبالتالي أخذنا على عاتقنا إصدار لائحة تنظيمية لحقت العقد لتأجير المولدات للقطاع الخاص وبيع الكهرباء للمواطنين، بعد الاعتداءات التي طالت خطوط الكهرباء الحكومية وقابلها تهاون من قبل الجهات الأمنية”.
امتصاص لغضب المستهلكين
نقاشات متواصلة تجري بين السلطة المحلية في تعز مع ملاك شركات الكهرباء الخاصة؛ سعيًا للخروج بنتائج تمتص غضب الشارع الذي بات ينادي بمطالب تتجاوز توفير الكهرباء مع تردي معظم الخدمات العامة في المحافظة.
المهندس مهيب الحكيمي، رئيس اللجنة الخاصة بدراسة الطرق المتاحة لتوليد الطاقة الكهربائية بتعز، قال إن الديزل هو المتحكم بالأسعار، وهناك اختلاف بين أسعار الاستهلاك المنزلي والاستهلاك التجاري في حالة قامت الدولة بدعم مادة الديزل، ووصول المحطة الحكومية المقدرة بثلاثين ميجاوات”.
وفيما يتعلق بعوائق وصول المحطة الكهربائية المخصصة لتعز، أوضح الحكيمي أن المتغيرات السياسية هي من تعيق وصولها، وأن فترة صدور التوجيه بها كبيرة، وكافية لوصولها وتشغيلها.
وفيما يتعلق بمبالغات شركات الكهرباء التي يطرحها الشارع، قال مهيب الحكيمي: “إن الخلل في العقود التي أبرمت دون توضيح ما هو لك وما عليك ودون لائحة تنظيمية، ولا مسوغ قانوني لها حيث رفضها الجميع من وزارة الكهرباء حتى المحافظ، ويبدو أن مدير الكهرباء اجتهد دون الرجوع للمعنيين”.
وفي خلاصة ما أقرته الجهات المعنية، شدد الوكيل الحكيمي على الأخذ بالتوصيات التي حددتها الدراسة، وعلى الجميع في المقابل الالتزام بها، منوّهًا إلى أن هناك مناقصة ستعرض قريبًا سيخضع تحديد السعر فيها بناءً على سعر الديزل.
350 ريالًا للكيلو الواحد، انتزعته السلطة المحلية من الشركات الخاصة، مبلغ نظر إليه كثيرون أنه لن يحل المشكلة ما لم يتراجع إلى النصف على أقل تقدير، مع المطالبة بالخروج بنتائج فورية لتعامل الدولة مع القطاع الخاص وإنهاء العقود غير القانونية، التي كانت وما زالت السبب الرئيس في امتهان المستهلك وابتزازه في الخدمة الأكثر طلبًا واحتياجًا من قبله.