خلفية الطموح الإماراتي للسيطرة على جزيرة ميون بقلم| وفاء العم
بقلم| وفاء العم
أثار ما كشفته وكالة “أسوشيتد برس” عن قيام الإمارات ببناء قاعدة عسكرية جوية في جزيرة ميون اليمنية الكثير من التساؤلات حول الأهداف والغايات من السيطرة على هذه الجزيرة الاستراتيجية الواقعة في قلب مضيق باب المندب.
هذا الخبر لا تكمن أهميّته في معادلات الصراع الدائر في اليمن فحسب، فهو يحمل أيضاً أبعاداً إقليمية وعالمية، بسبب موقع هذه الجزيرة الكائن في قلب الشريان الحيوي للملاحة البحرية العالمية.
وبالنظر إلى تاريخ هذه الجزيرة، فقد جرت محاولات عدة للسيطرة عليها من قبل العديد من القوى الاستعمارية في المنطقة، كالبرتغاليين والعثمانيين والبريطانيين.
وكان لـ”إسرائيل” أيضاً محاولات لفرض السيطرة على الجزيرة بعد حرب أكتوبر في العام 1973، بعد أن فرضت مصر حصاراً بحرياً على “إسرائيل” آنذاك، من خلال إغلاق مضيق باب المندب في وجه الملاحة الإسرائيلية بالتنسيق مع اليمن، وعبر هذه الجزيرة، غير أن كل محاولات السيطرة عليها باءت بالفشل.
إن وجود الجزيرة في مضيق باب المندب، الشريان الحيوي الرابط بين البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن جنوباً، هو مكمن سرها الاستراتيجي. والأهم أنها تبعد عن ميناء عدن الذي تفرض أبو ظبي السيطرة عليه 180 كيلومتراً تقريباً.
كما أن موقع جزيرة ميون يجعلها تسيطر على طريق التجارة الرئيسي بين الشرق والغرب. هي عملياً بوابة قناة السويس، ويعدّ تدفق الملاحة منها وإليها مرهوناً بسلامة الملاحة في باب المندب.
إن سيطرة الإمارات على هذه الجزيرة أو بناء قاعدة عسكرية فيها، يجعلها عاملاً من عوامل التحكم في مضيق باب المندب، إذ يبدو أن هذه القاعدة تأتي تعويضاً لانسحابها من جزيرة سقطرى؛ ففي العام 2018، كانت الإمارات قد أرسلت قواتها إلى هذه الجزيرة من دون التنسيق مع حكومة أحمد عبيد بن دغر آنذاك، ما أثار حفيظتها.
وقد ذهب ابن دغر إلى الجزيرة، ومعه عدد من الوزراء والمسؤولين، ورفض مغادرتها قبل رحيل القوات الإماراتية منها، ما أدى إلى تدخل السعودية. وجرى حينها الاتفاق على إحلال قوات سعودية فيها بدلاً من القوات الإماراتية.
إن سيطرة أبو ظبي على ميناء عدن، وبناء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون، وطموحاتها في راس مسندم كممر مائي حيوي في مضيق هرمز، يمكن قراءته كله في إطار استراتيجية الإمارات للسيطرة على الموانئ والمنافذ البحرية في شبه الجزيرة العريبة، ضمن أهدافها الاستراتيجية للتحول إلى بوابة رئيسية ضمن مشروع “الحزام والطريق” الصيني، إذ تولي الصين أهمية خاصة للشرق الأوسط، لما يمثل من نقطة تقاطع بين القارات الثلاث؛ أوروبا وأفريقيا وآسيا.
وإذا ما علمنا أن معظم التجارة الصينية يمرّ عبر البوسفور والدردنيل وباب المندب ومضيق هرمز، وأن 40% من واردات الصين من النفط والغاز الطبيعي تتم عبر هذه المنطقة، يمكن فهم العناصر المحركة لأبو ظبي للسيطرة على هذه الموانئ والممرات، سواء في مضيق هرمز أو باب المندب، وخصوصاً أن البضائع التجارية المنقولة بحراً من الصين إلى أوروبا تتم غالباً عبرهما.
عموماً، طموح الإمارات لا يتوقف عند السيطرة على الموانئ البحرية في شبه الجزيرة العربية، بل الاندفاع نحو الموانئ الأخرى في منطقة الشرق الأوسط، مثل ميناء درقة في ليبيا وميناء جنجن في الجزائر.
وقد أنشأت منطقة اقتصادية في داكار في السنغال، وقامت ببناء ميناء في مدينة عصب الإريترية، وأنشأت فيها قاعدة عسكرية بموجب عقد لمدة 30 عاماً، وذلك بعد إعلان انسحابها من الحرب على اليمن.
إنها شبكة من الموانئ والقواعد العسكرية من الخليج إلى أفريقيا، يتجلى فيها الطموح الإماراتي لبناء شبكة ممتدة تجعل منها واحدة من أهم إمبراطوريات الموانئ الحديثة في الشرق الأوسط وأكبرها، وصاحبة النفوذ الاقتصادي، والشريك الاقتصادي الرئيس مع “التنين” الصيني في صناعة مستقبل مشروع “الحزام والطريق”.