اليمني في السعودية: رحلة على حدّ السكاكين.. وأمواس الحلاقة بقلم| زيد أبو الحسام
بقلم| زيد أبو الحسام
تقول نكتة يمنية إن مصريًّا اشتبك مع سعودي فجاءت جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وألقت القبض على أبو يمن.. ولقد قلصوا نفوذ هذه الهيئة بما يحدث اليوم من تغيير في المواقف لإثبات توجهات ليبرالية ضمن ما يسمى برنامج التحول لولي العهد السعودي محمد بن سلمان..
لكن النكتة على أيّ حال تعكسُ حجم إحساس المغتربين اليمنيين بالغبن في مهجرهم وهم يرون السعودية تأريخيًّا قد بُنِيت على ظهور وأكتاف اليمنيين وسط ظروف مزاجية متقلبة دونما حماية قانونية كما حدث في سَعوَدَة العمالة وفرضها على الوافد دونما عمل حقيقي لابن البلد.. ولا يكفي لإنصاف المغتربين اليمنيين تفاصيل برنامج التحول الخاص في أحد جوانبه التغييرية لمسار نظام الكفالة الذي طالما اعترضت عليه منظمات حقوقية كما هو حال منظمة هيومن رايتس ووتش التي علقت وطالبت بمعالجة كل عنصر من العناصر التي جرى الإعلان عنها والترويج لها بحماسة مفرطة.. لأنّ قرار المعالجة أبقى على سيئات نظام الكفيل بتمييز ظالم تجاه خمس مهن، هي السائق الخاص والحارس والعمالة المنزلية والراعي والبستاني، ثم إن أبناء الجار اليمني اللصيق جغرافيًّا وتشابكًا قبليًّا لم يجدوا ما يأملوه بذات وضوح تعرض بلدهم اليمن للقصف والتدمير من الجارة الغنية وما يزال..
توضيحًا لصورة إلغاء نظام الكفيل وفقًا لما رافقه من الترويج فإنه يسمح بانتقال العامل عند انتهاء عقد عمله دونما حاجة لموافقة صاحب العمل والاكتفاء بإشعاره إلكترونيًّا بشرط أن يكون قد قضى 12 شهرًا في عمله، وعليه طلب نقل الخدمة قبل 90 يومًا من الانتقال أو الرغبة في إنهاء العلاقة.
وكان نظام الكفالة تحوَّل إلى تجارة وإلى سيطرة غير إنسانية على مدخرات وافدين يكون الواحد قد جمعها ربما منذ عشرات السنين..
وما عاناه المغتربون اليمنيون من نظام الكفيل وتوطين أو سَعوَدَة العمالة من القسوة الشديدة ألجأ كثيرين إلى الاعتماد المفرط على عنصر الثقة فظهر من حَوَّل أحلامهم إلى كوابيس من الإنكار والسطو على قاعدة (القانون لا يحمي المغفلين) فيما ليس المغفل إلا راكبًا اضطراريًّا للصعب والمعقد من حياة تتغلب فيها جينات الخيانة وعدم احترام الثقة.
يقولُ أحد المغتربين اليمنيين الذي سجل على جواز سفره ختم (خروج نهائي)
لم يعد الاغتراب وعدًا شاقًّا مع الأحلام الموعودة، وإنما صار مكابدة ليس لها من حدود.
ويقول:
اغتربت وبسبب الحرب على اليمن ووقوع منزلي في مناطق تماس وقصف عملت على إحضار زوجتي وأولادنا الثلاثة للإقامة معي بخلفية أن دخلي يكفي لإقامتهم في الغربة بدون قلق، وإذا بالتغيير في قوانين تجفيف جيوب الوافدين يصل حد الدفع على كلّ مرافق 300 ريال سعودي شهريًّا، وصار عليّ أن أدفع 1200 ريال سعودي كل شهر، ما يعني أن أدفع ما يصل إلى 14400 ريال سعودي كل سنة، وهي حسبة عجيبة أجبرتني على إعادتهم إلى الوطن قبل أن أعود أنا أيضًا تحت ضغوط مشابهة تتحول معها إلى مجرد دافع بلا حدود، وإلّا أخذتك حملات أخذ العاطل بالباطل..
وهناك يستغلون كل فرصة للجباية المحسوبة بالمليارات في عملية موازنة بين حسابات المكسب والخسارة التي يرونها في تعويض مغادرة الأسر بأنماط حياتها الاستهلاكية وانخفاض حركة العقارات عن طريق الضغط على من يحاول التمسك بخيار الغربة ثم يقرر العودة في نهاية المطاف.
بواضح الكلام، لم يعد في الأمر شيئًا من الأخوة في العسرة أو شراكة الجيران، ولو في هامش الفتات، وكيف يتحقق شيء من ذلك وقد كشفت الأيام عن كل موقف غير ودي.. ويحدث هذا واليمن سوق لمنتجاتهم، فضلاً عمّا ينفق في الرحلات ذات الطابع الديني التطوعي.. أما ما يرافق ذلك من صناعة أزمات إنسانية خارج قواعد أيّ وعي استراتيجي بين الأخوة فحدّث ولا حرج..
و مما يضاعف أوجاع المغترب اليمني في السعودية تنامي نظريات (الدعممة) للسفارات والقنصليات المتعافبة والجهات الحكومية اليمنية المغتربة هي الأخرى هناك، والباحثة عن أي فرصة لاستنزاف ما تبقى في عروق المغتربين من حياة..
رسوم استخراج جوازات سفر أو تجديدها من تحت الطاولة تكلف أضعاف قيمته الرسمية وأضعاف أضعاف قيمته في اليمن..
ومن يعود من المغتربين بسيارته لا بد أن يدفع في المنفذ اليمني جباية رسوم الخروج ورسوم تأمين دونما جدية في التأمين على أي شيء.. قسوة من الجارِ وقسوة من أهل الدار حتى صح القول بأن غربة اليمنيين في بعض الجوار تحولَّت إلى معاناة لا تنقطع، وأوجاع يصح فيها القول.. إنها غربة اليمنيين على حدّ السكاكين… وأمواس الحلاقة.