مقالات

عن النشر والتفاعل في القضايا الحقوقية والإنسانية بقلم| عبدالرشيد الفقيه

بقلم| عبدالرشيد الفقيه

في مختلف مستوياته وأشكاله ، يتطلب التعامل (المؤسسي والفردي على حد سواء ) مع الضحايا والقضايا، حساسية عالية، تحتكم لقواعد مهنية وأخلاقية صارمة لا مساحة فيها للإرتجال والمزاجية والخفة، تتأسس على مبادئ وأسس على رأسها اللا ضرر والمصلحة الفضلى للضحية، والدقة والموضوعية والمسؤولية، ولا يمكن أن يحقق أي تعامل، من قبل المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام والناشطين على شبكات التواصل، الأثر الإيجابي المنشود لصالح أي ضحية أو قضية أو قيمة مالم يلتزم بتلك المبادئ والأسس والشروط.

في التفاعل مع القضايا الحقوقية والإنسانية المتعلقة بالنساء والأطفال والفئات الضعيفة ، بشكل خاص ، قد لا يتوقف عدم الإلتزام بتلك المبادئ والشروط، عند عدم تحقيق الأثر الإيجابي المنشود وحسب، بل يتعدى ذلك لإلحاق الضرر البالغ بالضحايا، ويزيد إلى معاناتهم أشكال إضافية من الأذى لا تقل في آثارها عن الإنتهاك الأصلي المُعلنة مناهضته.

في جميع القضايا الحقوقية والإنسانية ، ثم سلسلة طويلة من العمليات والتدخلات الملائمة لتحقيق صالح الضحايا والقضايا، ليس شرطاً ثابتاً أن يكون النشر والتداول أحدها، فضلاً عن أن يكون على رأسها ، وقد يكون النشر وفق خطة مناصرة لاحقاً لخطوات عمل فعالة ومدروسة أحد حلقات تلك السلسة، وفق ترتيب لخطوات وآليات عمل ، يختلف من قضية لأخرى ، ومن ضحية لأخرى ، ومن ظرف لآخر ، وفق تقدير متجرد ومسؤول ، مسنود بموافقة مستنيرة للضحايا ، للأجدى لتحقيق المصلحة الفضلى للضحية.

ومما يجدر إدراكه وامتثاله ، عند تعدد التقديرات وتضاربها ، بين الضحية ، وما يقابله من متفاعلين ، كيانات وأفراد ، أن تقدير الضحية واختياراته في كيفية العمل على قضيته ، واجب النفاذ ، مع حظر أي شكل من المصادرة والتغرير والإحتيال ، بزعم تحقق المصلحة في خيارات وتقديرات أُخر.

ومهما بلغت في عمقها وقوتها ونقاءها وجديتها ، لا تكفي الدوافع النبيلة والصادقة ، للإعفاء من المسؤولية تجاه أثر كل تفاعل وتعامل ، فردي أو مؤسسي ، مع القضايا الحقوقية والإنسانية ، حيث يصبح كل تفاعل ، مهما بدى ثانوياً أو تفاعلياً أو لاحقاً ، إلى فعل أصيل ومستقل في أثره المُضِر أو النافع ، متضافراً مع تفاعلات أخرى، أو منفرداً عنها ، وهو ما يفرض على كل مهتم بالتفاعل والتعامل مع ذلك النوع من القضايا ، التبصر والمعرفة والوعي واليقظة ، ليكون تفاعلاً مسؤولاً وخلاقاً ، لا تفاعلاً موظفاً ، دون وعي ، في مساق عبثي أو كيدي ، لصالح فرد أو جهة أو غير ذلك.

ومن الأسئلة اللازم إدراك إجاباتها وإثارتها واستحضارها قبل أي تفاعل مع أي قضية أو قصة :
هل ما هو متداول ومعروض للتفاعل يتأسس على موافقة مستنيرة لصاحب المصلحة/الضحية/الأسرة وفق تقدير دقيق ومتجرد ؟

ما مدى دقة وموضوعية وشمولية المعلومات والتوصيفات فيما هو معروض للتداول والتفاعل ؟
هل تستند تلك المعلومات والتوصيفات إلى مصادر حقيقية وذات صلة بالقصة؟
هل يساهم التفاعل في تحقيق مصلحة الضحية ولا يلحق أي ضرر إضافي به ؟
هل هذا التفاعل الذي سأشارك فيه هو التفاعل الصحيح من حيث ترتيبه في سُلم الخطوات اللازمة للعمل على أي قضية حقوقية أو إنسانية ؟ توقيته ؟ مكانه ؟ شكله ؟ ملائمته لنوع القضية ؟ ملائمته للضحية ومصلحته؟
هل هناك أي أبعاد غائبة أو مغيبة عن القضية قيد التداول ؟
إجمالاً ، ومن هذا الإختبار الصغير جداً ، والمهم جداً ، ومثله الكثير من الإختبارات الصغيرة والكبيرة ، يمكن القول بيقين أنه ما لم تتخلق أداءات جديدة في كل جانب وكل مجال ، تقوم على أسس ومعايير جديدة ، تختلف كلياً عن المعتاد من الأداءات غير الكفؤة في مجتمعاتنا ، فإن نقد أداءات البُنى والكيانات والأفراد القائمة ، مجرد تنطع فارغ ، بلا قيمة ولا معنى ولا أثر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى