ارتفاع معدّل جرائم قتل النساء في اليمن.. قتل وحب!
صنعاء – طارق الظليمي
عندما انتهت من إخراج وثيقة شخصية طالَ انتظارها، كانت سعاد علي (اسم مستعار ) ذات السبعة عشر عاما تستعدّ لنقل ملكية ممتلكاتها التي سجّلتها مِن قبلُ باسم زوجها، لكن أحلامها سرعان ما تبدّدت بعدما أطلق زوجها النار عليها وأرداها قتيلة، ليكشف عن صورة تجسّد حجم معاناة النساء في اليمن التي صنفها المنتدى الاقتصادي العالمي “أسوأ بلد لامرأة”، بفعل الحرب المستمرّة منذ أكثر من ست سنوات.
قذفت هذه الحرب بنحو 2,6 مليون امرأة إلى خطر العنف القائم على النوع الاجتماعي، بينما هناك 52 ألف امرأة معرّضة للعنف الجنسي، بما فيها الاغتصاب، بحسب تقارير حديثة لصندوق الأمم المتحدة للسكان.
تقول أم سعاد علي: “بعد استخراجها للبطاقة الشخصية وقبل مقتلها بثلاثة أيام، طالبت سعاد زوجها بنقل ملكية المنزل والحافلة (هايس- 16 راكبا)، وقد كانت تكتب كل شيء باسمه لعدم امتلاكها وثيقة إثبات هوية، وكان زوجها يرفض نقل الملكية إليها”.
اعتداءات وحب
تضيف الأم والبكاء على وجهها: “زوجها لم يبلغنا أنها ماتت إلا وسعاد في ثلاجة الموتى، وقد كانت تتعرّض لفصول من المعاناة والضرب منه، حتى أسقطت طفلها الثاني وهي في شهرها الثامن، نتيجة لضرب مبرح لقيته بنتي من زوجها”.
تتابع: “في إحدى المرات شجَّ رأسها بآلة صلبة، نُقلت على إثرها إلى أحد المشافي السعودية، وفرضت السلطات الأمنية وقتها أن يطلقها ويدفع لها 7 آلاف ريال سعودي، لكن سعاد رفضت، وطالبت البقاء مع زوجها متنازلة عن القضية”.
لم يمضِ وقت طويل على سعاد منذ عودتها إلى اليمن قادمة من السعودية التي كانت تعمل فيها. كانت قد تعرّفت على زوجها باسم (اسم مستعار) ذي الثمانية والعشرين عاما قبل نحو أربع سنوات، فتقدم لأهلها طالبا الزواج، وكان عمرها حينها 13 عاما.
وفي الخامس من مارس الماضي قُتلت سعاد وهي أم لطفلة في منزلها شمال العاصمة صنعاء. احتُجز زوجها في السجن الاحتياطي على الفور، بينما لا يزال جثمانها في ثلاجة إحدى المستشفيات الحكومية، وقد كشف تقرير الطبيب الشرعي أن سبب الوفاة مضاعفات بمقذوف ناري على الصدر، إذ أطلق من مسافة قريبة جدا.
لا تختلف كثيرا عما سبق عايدة سعيد (اسم مستعار ) ذات الأربعين عاما وأم لأربعة أبناء، فقد قُتلت على يد شقيقها في شهر يناير الماضي عندما أصرّت على الزواج بشخص يرفضه إخوانها. يقول ابن عائدة: “أخوالي برروا سبب رفضهم لهذا الشخص بسوء سمعته وأن لديه سوابق في السرقات، فضلا عن تعاطيه للخمر بشكل مفرط”. ويضيف: “نحن تحرّينا وسألنا عن هذا الشخص، لكن سمعته كانت طيبة وكان شخصا محترما، ولم نعلم دوافع أخوالي لرفضهم له”.
قتلٌ لمنع الزواج
يتابع الابن: “كان جدي موافقا على زواجها، فاتفق مع الرجل المتقدّم أن يعقد له في اليوم الثاني، لكن اثنين من أشقائها ذهبا مساء اليوم السابق إلى المنزل وأطلق أحدهم النار عليها، ولا يزال جثمان أمي في ثلاجة المشفى، ولا يزال الجاني فارّا من وجه العدالة”.
إلى جوار سعاد وعائدة، هناك عشرات النساء اللواتي يواجهن أشكالا من العنف الأُسري في بلد مضطرب، كما هو حال نادية ذات الثمانية عشر عاما؛ فقد فقدَت إحدى رجليها على يد زوجها وهي لا تزال في الشهر الثاني لزواجها، على خلفية تخوّفه من إفشاء سرّ ضعفه الجنسي لأهلها.
لم يدخل عليها
تقول نادية: “هدّدني زوجي بأنّي إذا ذهبتُ إلى منزل أهلي فسوف يقتلني. ظننتُ أنه يمزح، لكنه صوب النار مباشرا على رجلي، ولم أكن أنوي الذهاب إلى منزل عائلتي أو أخبرهم أنه لم يدخل عليّ بسبب ضعفه الجنسي”.
وتضيف: “عندما وصلت للمشفى قرّر الأطباء بتر رجلي على الفور، وأنا لا أزال عروسة لم يمرّ على زواجي إلا خمسون يوما”. تعاني حاليا نادية من حالة نفسية سيئة نظرا لما تعرضت له من عنف.
وثّقت دراسة حديثة أصدرها مركز الجزيرة العربية للدراسات مطلع العام الجاري 37 حالة للعنف الجنسي على أيدي الجماعات المسلحة في جنوب اليمن خلال فترة 2016-2019، بينما تحقّق في 20 واقعة اغتصاب، وحالتين لمحاولة اغتصاب. ويمثل النساء في اليمن نحو 49,6% من عدد سكانها، وفقاً للإسقاط السكاني لعام 2011.
للعنف أنواع
يرتفع معدل الاعتداءات على النساء مع تآكل منظومة الحماية بفعل الحرب المستمرة، وتشهد اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم بحسب توصيف الأمم المتحدة، كما تتنوع هذه الاعتداءات بين العنف الجسدي والنفسي والجنسي واللفظي والتحرش والاغتصاب والحرمان من الموارد.
يعمل اتحاد نساء اليمن على الحدّ من العنف الواقع على أساس النوع الاجتماعي أو الجنس من خلال مختلف البرامج المدعومة من بعض المنظمات الدولية وعلى توفير خدمات متنوعة للنساء المُعنّفات، وتقديم الدعم النفسي والصحي والقانوني والإيواء الآمن والتدريب والتأهيل، وفق فالنتينا مهدي مشرف حالات العنف في مدينة عدن عن اتحاد نساء اليمن.
تقول مهدي: “إن الاتحاد شكّل لجانا مجتمعية وشبكات في المديريات بعدن لتقديم الدعم، بالإضافة إلى عقد جلسات توعية بخطورة العنف، كما شبّك مع منظمات المجتمع المدني وتبادل المنفعة في توفير مختلف الخدمات للنساء المعنفات والناجيات من العنف”.
ويستقبل اتحاد نساء اليمن من جميع محافظات عشرات الحالات التي تتعرض لعُنف على أساس النوع الاجتماعي، بينما تصله البلاغات عن طريق جهاز البحث الجنائي في عدن وصنعاء، ويقدّم المساعدة العلاجية للضحايا، بحسب مصدر في مكتب الاتحاد فرع عدن.
ويضيف: “هذا الاتحاد يبدأ في تقديم الإسعاف الأولي والإمداد بالدواء والغذاء للمصابة في المستشفيات التي ينقلون اليها”، في حين يؤكد مصدرٌ (فضّل عدم ذكر اسمه): “أغلب حالات العنف بالاعتداء عن طريق السلاح المسجلة لدينا -من محافظات ثلاث: ذمار وصنعاء وعمران”.
مسؤولية متكاملة
ينعكس خطر انتشار السلاح سلبا على توفير بيئة غير آمنة للنساء، وهو ما يزيد من العنف القائم على نوع الجنس، وسط غياب تام للقانون وغياب لدور المؤسسات في التعامل المسؤول للحد من الانتشار الأوسع، بحسب مها عوض الخبيرة في النوع الاجتماعي.
تضيف مها عوض -وهي أيضا رئيسة مؤسسة وجود للأمن الإنساني-: “أُطلقت البيانات والنداءات بشأن جرائم انتهاك الحق في الحياة الذي يُرتكب في قتل النساء والفتيات من قبل أفراد الأسرة الذكور، سواء الأب أم الأخ أم الزوج، لكن التجاوب منعدم من السلطات المعنية”.
وتشير إلى أن عدم تتوفر خدمات العناية الواجبة لحماية الضحايا يؤثر سلبا على مطالب الحماية للنساء والفتيات مع استمرار الجرائم المرتكبة على أرض الواقع، وتحمل الثقافة المجتمعية مسؤولية عرقلة آليات الحماية لوضعها امرأة لمصادرت حقها في الحياة تحت ملكية الذكور.
وتعدّ عوض أن التغيير الحقيقي والفاعل في التصدي ومكافحة هذه الجرائم يتمثّل في تضافر جهود الحماية القانونية والاجتماعية والمؤسسية ضمن منظومة متكاملة، والتركيز على البرامج الهادفة للتوعية على كافة المستويات وإشراك رجال الدين.
ويدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان 46 مساحة آمنة للنساء والفتيات، لتقديم الدعم النفسي للنساء، في حين هناك 29 مساحة آمنة في اليمن، و4 مراكز نفسية متخصّصة في محافظات عدن وصنعاء وحضرموت، مهدّدة بالإغلاق نتيجة نقص التمويل، وسيحرم من خدمات الاستجابة للعنف القائم على النوع الاجتماعي 350 امرأة، و40 ألفا من النساء اللواتي يحتجن للرعاية النفسية.
وقد قُتل في هذا النزاع أكثر من 500 امرأة وأصيبت 800 امرأة أخرى، فضلا عن ارتكاب أطراف الحرب لما يقارب من 4 آلاف حالة انتهاك، وفق تقارير حقوقية محلية ودولية.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر الذي ينفذه مركز الإعلام الثقافي CMC.