مقالات

ريادة الأعمال وإنقاذ الأوطان بقلم| محمد محمود

بقلم| محمد محمود

تمرّ غالبية دولنا العربية بأزمات اقتصادية متتالية، تنعكس على مستوى معيشة مواطنيها وإجمالي الدخل القومي فيها، ما يدفعها إلى السقوط في فخ الاستدانة بفوائدها المركّبة التي تبتلع عوائد أيّ طفرة اقتصادية أو نجاح يتمّ تحقيقه.

من المؤكّد أنّ الدول النفطية ليست بمنأى عن ذلك الخطر الداهم. ووفقاً لمركز أبحاث الطاقة العالمي “Crystol Energy”، فإنَّ أمام السعودية والكويت، على سبيل المثال، ما يقارب 90 عاماً لينفد مخزونهما النفطي (1)، إلا أن المعضلة لا تكمن في ذلك، بل في تزايد الإقبال العالمي على المصادر البديلة للطاقة، والتي تنافس بشدّة مصادر الطاقة المعتادة المتسبّبة بزيادة الاحتباس الحراري؛ ذلك الخطر الذي يهدد كوكب الأرض بضراوة.

لذا، من المتوقّع أن تبلغ ذروة الطلب العالمي على البترول في العام 2040 (2). وبعدها، يبدأ الانخفاض التدريجي لذلك الطلب، ما سيؤثر بعنف في اقتصاد تلك الدول، وتتبعه موجات من الركود وتباطؤ معدلات النمو، قد يعقبها كساد وانكماش في العديد من اقتصادات المنطقة العربية (3). إذاً، ما الحل؟ كيف يمكن إنقاذ بلادنا العربية من تلك الأخطار الاقتصادية الجسيمة؟

يبدو تغيير النسق الاقتصادي الحالي ضرورة لا غنى عنها، بدايةً من تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على المخزون النفطي، وصولاً إلى استحداث نمط جديد يضخّ الحيوية في شرايين الاقتصادات العربية.

هذا النسق المنقذ هو “ريادة الأعمال”. ولكي ندرك أهمية هذا الرافد لإنعاش الحالة الاقتصادية في أوطاننا، علينا أن نعلم أن مشروعات رواد الأعمال تسهم في اقتصاد قطبَي العالم بشكل لا مثيل له، إذ تستحوذ في أميركا على أكثر من 50% من إجمالي اقتصادها القومي، بينما تصل تلك النسبة إلى 60% في الصين (4). وإذا استقصينا ذلك الأمر في العديد من الدول الأخرى، مثل اليابان وهونغ كونغ وألمانيا والهند، فسنجد بجلاء أنّ ريادة الأعمال هي المرتكز وحجر الزاوية لكل تلك الاقتصادات القوية.

مما سبق، يتضح أنَّ على المجتمعات العربية أن تدعم بقوّة نشر ثقافة ريادة الأعمال بين الشباب، ولا سيَّما أن المنطقة العربية تتمتع بأعلى نسبة من الشباب في العالم (5)، ما يؤهّلها لاستثمار تلك الطاقات البشرية الهائلة لإطلاق المئات، بل الآلاف، من المشاريع الناشئة العربية الرائدة التي تتسع عباءتها لتصل إلى المستوى العالمي، وما يتبع ذلك من خفض لمستويات البطالة، وتسارع في معدلات النمو، وتباطؤ في معدلات التضخم.

ومن المحتمل أن يؤهل ذلك الوطن العربي، ولا سيما مصر والإمارات والسعودية، ليصبح مركزاً إقليمياً، ثم عالمياً، لاستقطاب رؤوس الأعمال وصناديق رأس المال المخاطر. ولنا في دولة مثل الهند أسوة؛ فخلال عام واحد، ارتفع إجمالي قيمة الدعم المادي الذي حصلت عليه المشروعات الريادية الناشئة من 550 مليون دولار في العام 2018 إلى نحو 14.5 مليار دولار في العام 2019 (6).

دعونا نلقِ نظرة سريعة على حال ريادة الأعمال في الوطن العربي حالياً:

– تحتلّ الإمارات المركز الأول في جذب رواد الأعمال والمشاريع الناشئة، تليها مصر، وهما تحتضنان معاً قرابة 60% من المشاريع الناشئة في الوطن العربي (7).

– ارتفع إجمالي التمويل الذي حصلت عليه المشاريع الناشئة في الوطن العربي من 67 مليون دولار إلى 526 مليون دولار في العام 2018، ثم انخفض من جديد في العام 2019 إلى نحو 371 مليوناً ((8، ما يؤكد ضرورة تبني الحكومات والأنظمة المختلفة نهجاً ثابتاً ومخططاً له بعناية، لتعزيز قطاع ريادة الأعمال والمشاريع الناشئة بشكل يحدث ديمومة وثباتاً في النمو.

– وفقاً لمؤشّر ريادة الأعمال العالمي الَّذي يوضح مدى استعداد اقتصاد الدولة لاحتضان المشاريع الناشئة ودعمها، فقد احتلَّت الإمارات المركز الأول بـ3.6 درجات من أصل 5 درجات، تلتها قطر 3.4، ثم السعودية 3.2، ثم البحرين 3.1، ثم عمان 3.

والملاحظ أنَّ مصر تحتلّ المرتبة التاسعة من أصل 13 دولة عربية شملتها الدراسة (8)، على الرغم من أنها تضمّ وحدها أكثر من ثلث المشاريع الناشئة، الأمر الذي يشير بوضوح إلى أن دعم المشاريع الناشئة وتيسير الإجراءات وتوفير البنية التحية اللازمة قد يجعل مصر مركزاً إقليمياً لريادة الأعمال خلال سنوات معدودة.

ومن الجدير بالذكر أنّ العديد من المشاريع العربية الناشئة نجح في جذب صناديق الاستثمار ورجال الأعمال، من أصحاب الملاءة المالية المرتفعة، من مختلف أنحاء العالم، ولا سيّما أميركا وأوروبا. ولعلّ من أبرز عمليات الاستحواذ على المشاريع الناشئة التي تمت خلال الفترة الماضية (9):

– استحواذ “أوبر” على “كريم” في صفقة بلغت قيمتها 3.1 مليار دولار.

– استحواذ العملاق “أمازون” على سوق “دوت كوم” بمبلغ 650 مليون دولار.

– استحواذ شركة “ديليفري هيرو” على شركة “كاريدج” الكويتية المتخصّصة في توصيل طلبات الطّعام والوجبات بمبلغ 200 مليون دولار.

– استحواذ محرّك البحث الشهير “ياهو” على منصّة “مكتوب” في صفقةٍ بلغت حينها 85 مليون دولار.

تلك النماذج الناجحة وغيرها تعطي بارقة أمل، وتؤكد أن الشباب العربي – رغم ما تعانيه أوطانه من صعوبات وأزمات – قادر على الإبداع وتولي المسؤولية وإنشاء مشاريع ناشئة متميزة، تمثل فرصاً واعدة تتنافس عليها كبرى الشركات في العالم، لكن لا مناص أيضاً من الاعتراف بعدم نجاح مشروع ناشئ عربي حتى الآن في منافسة أيٍّ من عمالقة وادي السيليكون.

ويبدو أنَّ الأمر ما زال بعيداً، لأن الوصول إلى تلك المرحلة يتطلَّب أكثر بكثير من تميز فردي وشغف وإصرار ومثابرة. إنه يتطلب دعماً تقنياً ولوجستياً وتشريعياً واسع المجال، يعزز فرص نجاح رواد الأعمال العرب، ويمنحهم – على الأقل – الحد الأدنى اللازم لمقارعة تلك الشركات الأميركية الناشئة، المنطلقة بسرعة الصاروخ، والتي نجحت في تشكيل الحاضر الذي نحياه اليوم، فهل ستتضافر الجهود العربية على مستوى الحكومات والشعوب لتوفير البيئة المناسبة للشركات العربية الناشئة، حتى تشارك في صناعة المستقبل، أو أننا سنكتفي باستهلاك ما يصنعه الآخرون ومشاهدته، بينما ننتظر المزيد من الأزمات التي تعصف بوطننا العربي الحبيب؟

هذا ما تجيب عن السنوات القليلة القادمة بإذن الله.

(1) https://www.crystolenergy.com/kuwait-oil-time-to-catch-up/

(2) https://theprint.in/world/era-of-gul-oil-empire-coming-to-end/385568/

(3) https://www.forbes.com/sites/dominicdudley/2020/02/06/gulf-run-out-of-money-oil/?sh=37677a5c16fd

(4) https://www.nlb.gov.sg/biblio/200172190

(5) https://www.youthpolicy.org/mappings/regionalyouthscenes/mena/facts/

(6) https://okcredit.in/blog/startups-and-indian-economy/

(7) https://www.statista.com/statistics/798957/mena-start-up-hq-by-country/

(8) https://www.consultancy-me.com/news/2858/mena-entrepreneurship-on-the-rise-as-startup-scene-matures

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى