الأخبارتقارير وتحليلاتمحليات

كورونا في اليمن: مواجهة غير متكافئة

حيروت

تخيّم على اليمن، البلد العربي شديد الفقر، أوضاع وسيناريوهات مرعبة، جراء تفشي فيروس كوفيد-19 بين السكان، في ظل انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية، واستمرار الصراع المسلح، وسقوط مئات الضحايا كل يوم من دون معرفة ما إذا كان القاتل هو الوباء…

قبل الإعلان الرسمي عن انتشار كوفيد-19 في اليمن، كانت منظمة الصحة العالمية قد قدرت أن نصف السكان، البالغ عددهم 30 مليون نسمة، قد يصابون بالفيروس، ويمكن أن يموت بسبب ذلك، قرابة نصف مليون شخص.

وكان نصيب الصحة من الإنفاق العام يتراوح بين 3 و4 في المئة من الميزانية العامة للبلاد، خلال السنوات الأخيرة من حكم علي عبد الله صالح. وتعاني أغلب المراكز الصحية من نقص في تجهيزاتها وفي مواردها المالية وكوادرها الفنية والطبية، إضافةً إلى محدودية انتشار الخدمات الصحية، وبالأخص في الأرياف، بحسب السفير.

استجابة ضعيفة
لا يوجد أي ضمانات صحية للناس الذين يصابون بالفيروس، ولو على مستوى الخدمات البسيطة، أو حتى على مستوى كشف الحقيقة وإعلان عدد الضحايا. فهناك فجوة واسعة بين عدد الوفيات فعلياً، وبين عدد من يتم إرجاع سبب وفاتهم إلى الإصابة بالفيروس.

دفع البلد الفقير الواقع جنوب شبه الجزيرة العربية، كلفة باهظة خلال سنوات الحرب التي ابتدأت في منتصف آذار/ مارس 2015. لكن الكلفة الأكبر لا تزال تُدفع اليوم، كما يتضح في فشل معركة مواجهة تفشي كوفيد-19.

وصل عدد المصابين بالوباء حتى 7 نيسان/ أبريل 2021 إلى ما قدر بـ5233 شخصاً، توفي منهم، 1022شخصاً (1)، وتزايدت مؤخراً أعداد الإصابات في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة هادي. لكنه ينتشر أيضاً في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، حيث الكتلة السكانية الأكبر في البلاد، إلا أن السلطة القائمة هناك لا تعلن عن عدد الإصابات والوفيات.

والملفت هو نسبة الوفيات مقارنةً بأعداد المصابين المعلنة. فحتى 23 آب/ أغسطس 2020، بلغ عدد المصابين 1911 حالةً مؤكدة، منها 553 حالة وفاة، ما يعني أن معدل الوفيات يصل إلى حوالى 27 في المئة من الإصابات، أي خمسة أضعاف المتوسط العالمي. فتكون اليمن صاحبة أعلى معدل وفيات على مستوى العالم. يعود هذا التفاوت، بدرجة رئيسية، إلى أن إجراء فحوصات لمن يشتبه بإصابتهم، غالباً ما تتم عندما يكون المرض قد وصل إلى مستوى متقدم. ما يعني أن عدد الإصابات هي أضعاف الأرقام المعلنة. والوفيات، كما يتضح من المقابر، ومن سيل التعازي على شبكات التواصل الاجتماعي، كبير للغاية. لكن بسبب قلة مراكز العزل وضعف الخدمات الصحية وقلة الفحوصات، وأيضاً عدم ثقة الناس بالخدمات الصحية، وترداد الكثير من الشائعات حولها، يفضل معظم الناس مصارعة المرض في المنزل قبل خضوعهم للفحص.

انهيار النظام الصحي وقشة كوفيد-19
عشية الإعلان عن اكتشاف أول حالة إصابة بفيروس كوفيد-19، في 10 نيسان/ أبريل 2020، كان نظام الرعاية الصحية في اليمن قد سبق له أن “انهار فعلياً”، حسب وصف “ينس لايركه”، المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. وقد أظهر تقييم “الهيرامز” (2) أن 2477 مرفقاً صحياً، أو 49 في المئة من إجمالي 5056 مرفقاً صحياً في جميع أنحاء البلاد غير شغّال أو شغّال بشكل جزئي بسبب الأضرار أو النقص في الكادر أو نقص الأدوية والمواد الطبية أو إمكانية الوصول المحدودة إلى المرافق بسبب الأوضاع الأمنية. كما لا تمتلك أغلب المستشفيات في اليمن أنظمة تَخلّص من النفايات الصحية.

ثلثا المديريات (203 مديريات من أصل 333 مديرية) تعد ضمن الأشد احتياجاً للخدمات الصحية، وهي تتوزع على 22 محافظةً، ويتفاوت مستوى شدة الاحتياج من محافظة إلى أخرى. وترك عدد من موظفي الصحة مراكز عملهم بسبب الخوف من الهجمات على المرافق الصحية. كما تعذّر إيصال الإمدادات الطبية العاجلة للجرحى والمرضى في المستشفيات بسبب نقاط التفتيش التي أقامتها فصائل مسلحة مختلفة.

وغادرت الكوادر الطبية عاليةُ التخصص مثل أخصائيي وحدة العناية المركزة والأطباء النفسيين وأطقم التمريض الأجنبية. وبحسب تصريح ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن، فقد تم إجلاء نحو 95 في المئة من الكوادر الصحـية الأجنبية، منذ بداية الحرب، ما تسبب في تراجع خدمات عدد من المستشفيات، ولا يزال القليل منها يكافح في ظل استمرار نقص الأدوية والإمدادات الصحية الحيوية والانقطاع المتكرّر للكهرباء وشحّ الوقود.

ومنذ أيلول/ سبتمبر 2016، شهدت الميزانية المخصصة للقطاع الصحي انخفاضاً كبيراً، ما ترك المرافق الصحية بدون تمويل لتغطية النفقات التشغيلية، وأيضاً قُطعت رواتب العاملين الصحيين. ولا تزال رواتب العاملين في القطاع الصحي في مناطق سيطرة جماعة الحوثي مقطوعةً إلى اليوم، بينما في مناطق سيطرة الحكومة الرسمية، وعلى الرغم من استمرارها، إلا أنها فقدت قرابة ثلاثة أرباع قيمتها، في ظل انخفاض حاد في قيمة الريال اليمني.

وقد تم إجراء تقييم للاحتياجات الصحية كجزء من عملية النظرة العامة للاحتياجات الإنسانية بناءً على نتائج تقييم “نظام رصد توافر الموارد الصحية” من ضمن خطة “HERAMS” التي قدرت أن 19.7 مليون شخص (من أصل عدد السكان وهو 30 مليون نسمة) بحاجة إلى خدمات الرعاية الصحية، وأن 14 مليون بحاجة ماسة لهذه الخدمات. ويعود ارتفاع الاحتياج للخدمات الصحية خلال سنوات الحرب، إلى تزايد عدد جرحى الحرب، وأيضاً إلى تواجد عدد كبير من التجمعات السكانية النازحة، حيث يوجد 3.34 مليون نازح، ومن ضمنهم أكثر من مليون يعيشون في ظل “ظروف خطرة”. كما يوجد 270 ألف لاجئ، وطالب لجوء معظمهم من أبناء القرن الأفريقي (3) .

وهناك انتشار الكثير من الأمراض والأوبئة التي كانت قد انقرضت. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 قالت منظمة الصحة العالمية إنها تلقت من فرق الرصد الميداني في اليمن أكثر من 78 ألف بلاغ عن 28 مرضاً وبائياً فتاكاً مثل “الكوليرا وحمى الضنك والنزفية الفيروسية والحصبة والسعال الديكي وشلل الأطفال”(4) . وهناك سوء التغذية، حيث يعاني ما يقارب من 15.9 مليون شخص (53 بالمئة من إجمالي عدد السكان) من انعدام الأمن الغذائي الحاد رغم المساعدات الإنسانية القائمة. ويساهم سوء التغذية في انخفاض مستويات المناعة.

كثير من العيادات والمستشفيات أصبحت ترفض استقبال المرضى، خصوصاً أولئك الذين يعانون من أعراض تتشابه مع أعراض كوفيد-19. وقد بررت بعض المستشفيات ذلك بافتقار الموظفين والأطباء للمعدات الوقائية. ووصل الأمر أن أغلقت بعض المستشفيات أبوابها لأيام، بعد إصابة بعض كوادرها الصحية بالفيروس، وهو ما حدث مثلاً مع مستشفى الروضة الخاص في مدينة تعز. كما أن الناس أصبحت ترفض الذهاب إلى المستشفيات خوفاً من التقاط العدوى (5) .

أما الأطباء في المستشفيات التي فتحت مراكز مخصصة لعلاج المصابين بكوفيد-19، فقد ظل الأمر بالنسبة لهم يتراوح ما بين الرغبة في خوض المعركة بروح قتالية، وبين قلقهم في ظل عدم وجود معدات وقائية كافية والخوف من نقل الفيروس إلى أهاليهم.

ويعاني اليمن بشكل عام من محدودية عدد العمالة الصحية الماهرة. علاوةً على أن البلاد تعمل بنصف طاقتها من المشافي والمراكز الصحية، فلا يوجد في اليمن ما يكفي من العاملين الصحيين المؤهلين. 53 في المئة من المرافق التشغيلية ليس لديها أطباء مقيمين، و45 في المئة يفتقرون إلى المتخصصين. وهناك ما يقدر بعامل صحي واحد لكل ألف شخص في اليمن.

لا يتواجد الأطباء في 18 في المئة من المديريات في جميع أنحاء البلد، ولم يستلم غالبية موظفي قطاع الصحة مرتباتهم خلال السنتين الماضيتين. هذا بالإضافة إلى العدد – غير الكافي أصلاً – من الممرضين والقابلات الذين يعانون من مستوى تعليم ضعيف، وغير القادرين على سد العجز في الموارد البشرية للقطاع الصحي (6) .

أدى ذلك كله إلى وفاة عشرات الأطباء اليمنيين، ووصل عدد المتوفين في القطاع الصحي، جراء إصابتهم بـ كوفيد-19 إلى 84 طبيباً وعاملاً صحياً منذ بدء انتشار الجائحة، وفقاً لبيان صادر عن نقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين في 7 نيسان/ أبريل2021 . نحو 50 من هؤلاء الأطباء كانوا قد توفوا خلال الموجة الأولى من كورونا (كوفيد-19)، التي امتدت من نيسان/ أبريل، وحتى أيلول/ سبتمبر من العام 2020. وكما لم يستفد اليمن من تأخر وصول الفيروس لنحو ثلاثة أشهر، فهو لم يستفد من مرور عام كامل، ولو على مستوى توفير أدوات الوقاية والحماية للأطباء والعاملين في القطاع الصحي الذين يمثلون حائط الصد الأول.

فشل مبكر
أُعلن عن “خطة التأهب والاستجابة الوطنية COVID-19” في العاشر من نيسان/ أبريل 2020، بالتزامن مع الإعلان عن أول إصابة بكوفيد-19 في اليمن. وكما هو موضح في تعريف هذه الخطة، فهي “وثيقة استراتيجية أعدتها كل من السلطات اليمنية في صنعاء وعدن بدعم من منظمة الصحة العالمية، ووكالات الأمم المتحدة الأخرى والصناديق والبرامج والشركاء العاملين في اليمن بمساهمة من الجهات المانحة”. شملت الوثيقة، “الطلبات والاحتياجات والقدرات والإجراءات التي تم تحديدها من قبل السلطات في صنعاء وعدن” وهدفت إلى “ضمان قدرة اليمن على اكتشاف وفحص وعزل ومعالجة أي شخص معرض للإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)”.

قدمت الوثيقة ثمانية محاور أساسية للخطة الوطنية، وقالت إنها استندت على منهجية منظمة الصحة العالمية. وهذه المحاور هي: التنسيق والتخطيط والرصد على المستوى القطري، الإبلاغ عن المخاطر وإشراك المجتمع، فرق الترصد والاستجابة السريعة والتحقق من الحالات، نقاط الدخول، المختبرات الوطنية، التحكم والوقاية من العدوى (IPC)، إدارة الحالات، الدعم التشغيلي واللوجستي.

جاءت هذه الخطة في إطار مساعٍ أممية، بذلت من أجل التوصل إلى هدنة بين جماعة الحوثي من جهة، وبين الحكومة الرسمية و”التحالف العربي” من جهة أخرى. لكن هذه المساعي لم تنجح. وكما فشلت الهدنة، فشلت مساعي توحيد القطاع الصحي ومعها تنسيق الإجراءات بين صنعاء وعدن لمواجهة كورونا. وهكذا أصبح على كل طرف أن يتدبر أمره في المناطق التي يسيطر عليها: الحكومة الرسمية في عدن والجنوب ومحافظتي تعز ومأرب، والحوثي في صنعاء وباقي محافظات الشمال الواقعة تحت سيطرته.

أزمات وقتال وأوبئة على خارطة اليمن
حتى أواخر أيار/ مايو 2020، وفي ذروة الوباء، كان هناك مركزٌ واحد في العاصمة المؤقتة عدن، مخصص لعلاج مرضى كوفيد-19، بينما كان عدد المتوفين كل يوم بالعشرات. وهو المركز الوحيد في جنوب اليمن بكامله الذي يضم، إلى جانب عدن، ست محافظات. أقيم المركز في “مستشفى الأمل”، بدعم من منظمة “أطباء بلا حدود”، بينما أغلقت معظم المستشفيات الخاصة والعامة أبوابها أمام المرضى الذين يعانون من أعراض الوباء. ومن 30 نيسان/ أبريل، إلى 17 أيار/ مايو 2020 استقبل هذا المركز 173 مريضاً، مات منهم 68 شخصاً معظمهم من الذكور، وأعمارهم ما بين 40 و 60 عاماً.

أما في في محافظة حضرموت، فقد ظل مؤشر عدد الإصابات يتصاعد خلال الموجة الأولى، الأمر الذي دفع السلطة المحلية إلى تجهيز “مستشفى الحياة العام”، كمركز عزل بتمويل ذاتي. اشتمل المركز على غرف العناية وأسرة للرقود وتوفير 6 أجهزة أشعة، و10 أجهزة مختبر.

وبالنسبة لمحافظة تعز، ولمواجهة الوباء في المناطق التي ظلت تحت سيطرة حكومة هادي، فقد أنشئ مركز عزل وحيد في “المستشفى الجمهوري”، بالاعتماد على الإمكانيات الذاتية ودعم المنظمات. وتعز هي المحافظة اليمنية الأكثر سكاناً (4 ملايين نسمة)، وجزءٌ منها لا يزال تحت سيطرة الحوثيين. وجود مركز واحد في داخل مدينة تعز خلال الموجة الأولى من الوباء، لم يساعد كثيراً من عانوا من أعراض كوفيد-19 للحصول على الخدمات الصحية، بالذات منهم القاطنون في الأرياف. وكونه المركز الوحيد فقد ظل مزدحماً على الدوام، وفي حالة سيئة. وسجل في الموجة الأولى من انتشار كوفيد-19، إصابة ما يزيد عن 25 شخصاً من أفراد الطواقم الطبية.

أما محافظة مأرب حيث ظل القتال متواصلاً، فقد تم تسجيل أول حالة إصابة في 6 أيار/ مايو 2020، وظلت الإجراءات التي اتخذت لمواجهة الوباء متواضعةً. مستشفيات مأرب كانت لا تزال تواجه صعوبة في تقديم الرعاية الصحية لجرحى الحرب ومصابي الأمراض المزمنة. اتخذت السلطات في مأرب عدداً من الإجراءات الاحترازية، وعلقت الأنشطة العامة، وفرضت حظر تجوال ليلي. لكن الخطر ظل أكبر من القدرة على محاصرته. ففي مأرب يوجد 134 مخيماً للنازحين من سائر اليمن بسبب الحرب، إضافةً إلى المهاجرين الأفارقة الذين يأتون إليها للعبور نحو دول الخليج، ولكنهم يعلقون في اليمن. وكانت مفوضية اللاجئين قد حذرت من أن هؤلاء هم “الأكثر عرضةً للخطر جراء فيروس كورونا”.

*مراجع

[1] – بحسب آخر إحصائيات “لجنة الطوارئ العليا لمكافحة وباء كورونا في اليمن” التي أنشأتها الحكومة الرسمية
https://www.facebook.com/YSNECCOVID/.
[2] – خطة التأهب والاستجابة الوطنية COVID-19. وثيقة استراتيجية أعدتها كل من السلطات اليمنية في صنعاء وعدن بدعم من منظمة الصحة العالمية، ووكالات الأمم المتحدة الأخرى والصناديق والبرامج والشركاء العاملين في اليمن، بمساهمة من الجهات المانحة. صدرت في 10 نيسان/ ابريل 2020.
[3] – تداعيات كورونا في اليمن.. حرب فوق الحرب) ورقة بحثية نشرت على موقع مركز أبعاد للدراسات والبحوث. بتاريخ 2020-04-20. https://abaadstudies.org/news-59836.html
[4] – “جيش اليمن الأبيض بلا سلاح لحماية نفسه”… تقرير صحافي نشر على منصة “فري ميديا”. https://bit.ly/33NLwuz
[5] -“كوفيد-19 قضى على ما تبقى من النظام الصحي في اليمن”، تقرير نشر على موقع “أطباء بلا حدود” بتاريخ 10 حزيران /يونيو 2020. https://www.msf.org/ar
[6] – HEALTH WORKFORCE REQUIREMENTS FOR UNIVERSAL HEALTH COVERAGE AND THE SUSTAINABLE DEVELOPMENT GOALS

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى