رمضان في صنعاء كتب/ خالد الضبيبي
كتب/ خالد الضبيبي
في حارة شعبية في مدينة صنعاء، يقطن الحاج أحمد في دكان صغير، قادما من المناطق الوسطى، مع ابناءه العشرة، تراهم يرتصون كأعواد ثقاب في المساء؛ عندما يهجعون للنوم، وقبل أن تشرق الشمس على جبال صنعاء؛ معلنة قدوم يوم جديد، تراهم يتقافزون وأحدا تلو الآخر نحو عربياتهم، من أجل بدء نهار جديد من العمل.
الحاج أحمد بائع متجول منذ زمن بعيد، يعمل في كل شيء الخضروات والفواكه والذرة والبطاطا، والملابس والأكلات، بحسب موسم الصنف والفاكهة، ونوع الطلب، والموسم، كان لديه عربية واحدة، قبل أن يمتلك مجموعة من العربيات يسرح بها ابناءه، ثم يتقاعد هو كي يشرف عليهم، من أجل أن ويوفر لهم البضائع و الوجبات الغذائية المتواضعة.
صنعاء كأي مدينة عربية يتواجد بها كمية كبيرة من الباعة المتجولين، القادمين من القرى، من أجل العمل في المواد الاستهلاكية البسيطة، أو أكلات الشارع، ورغم توفر مولات كثيرة ومحلات كبيرة توفر كل الاحتياجات إلا أن هؤلاء يجدون فرص عمل تقيهم ذل الحاجة وبؤس السؤال.
ورغم نزوح نسبة كبيرة إلى دول الجوار، من أجل طلب الرزق، إلا أنه ما يزال هنا نسبة لابأس بها، تجد أرصفة الشوارع المزدحمة ملاذا لها و مساحة للعمل، تشاهد ذلك وأنت تتنقل بين الشوارع، فتجدهم يفترشون أرصفة الشوارع أو يطوفون بالعربيات المتجولة أرجاء المدينة، ومثل أغلب دول العالم أكل الشارع متوفر في صنعاء، عربيات البطاط والفول والشاي والاكلات السريعة، والكباب والطعمية والبيض، تتواجد في كل زقاق وركن من المدينة. إلى جانب الحرف اليدوية وبيع الملابس والأحذية التقليدية والأشياء الصغيرة الرخيصة نوعا ما، وبعض الملبوسات الشعبية، والملابس المستخدمة والجديدة. اعمال بسيطة، تتوفر طوال العام تقريبًا، بشكلها المتنوع، والمتناغم مع دورة الحياة، ومستوى دخل الفرد المتفاوت في مدينة صنعاء.
في كل عام يشكل شهر رمضان الموسم الأهم لأهلي صنعاء، وكل القاطنين فيها، والقادمين من المحافظات الآخرى؛ كونه شهر روحاني، يكتسب ميزة خاصة في مجال الأعمال، فنرى الموسم الرمضاني يبدأ من قبل رمضان من خلال توفير المواد الاستهلاكية الخاصة، من أطعمة و أدوات منزلية وتمور، وما أن يدخل شهر رمضان حتى يبدأ مؤسم خاص من أنواع المأكولات والأشربة والأطعمة مثل السمبوسة والطعمية و التمر والحلويات مثل القطائف و الرواني والشعوبية والمشروبات مثل الزبيب والليمون والشعير، وكذلك تباع الملوج واللحوح الذي يشكل وجبه مهمة من وجبات رمضان في اليمن، وتقريبا تتوفر هذه الأعمال في بسطات أو محلات من بعد صلاة الظهر حتى أذان المغرب، ثم تتحول الشوارع والمحلات إلى بيع الأكلات السريعة، وكل أنواع الملابس والأحذية والملابس التقليدية، والخارجية، والثياب والعطور والمسابح، وتستمر الحركة بهذا الشكل، طوال شهر رمضان.
تعد الأعمال الموسمية التي تظهر في المواسم عادة من عادات مدينة صنعاء، واليمن بكل، حيث جرت العادة من زمن بعيد على أن تكون أعياد رمضان والحج مواسم مواسم لشراء الملابس الجديدة، فنرى أعمال تزدهر في هذه المواسم، وبسبب ذلك تركز المحلات على انزال بضائعها الجديدة، في هذه الفترات من العام، بسبب تكثيف الطلب،و لأن شهر رمضان شهر خير والقدرة الشرائية تتوفر لدى الجميع، لهذا نرى المحلات ترتدي حلة جديدة في كل موسم من هه المواسم، وتكثر التخفيضات على الملابس القديمة.
يوجد في صنعاء مولات جديدة توفر كل شيء، مع ذلك يوجد أسواق شعبية تتركز فيها الأعمال البسيطة والتي يفترش أرصفتها الباعة المتجولين، ويطوف في أزقتها الباعة، بشكل كبير، ويزورها المتبضعين طوال الشهر الكريم، مثل سوق الملح، وشارع جمال، وشارع هائل، وشارع المقالح، وأسواق كثيرة تنتشر في المدينة، ورغم أن المولات الكبيرة ومحلات السوبر ماركت تركز على أن تقدم كل شيء، وبأسعار مناسبة، الا أن هذه الشوارع توفر بضائع متنوعة مختلفة، تجذب الرواد القادمين إليها لذا نراها تزدحم طوال شهر رمضان، بالمتسوقين القادمين من القرى المجاورة، أو حتى من محافظات أخرى.
خلال فترة الحرب في اليمن تأثرت بعض السلع، وشحت من الأسواق بسبب تعنت اطراف الحرب والحصار، وكأي دولة تؤثر الحرب على اقتصادها تأثرت الأعمال البسيطة، حتى أن بعض أصحاب المشاريع الصغيرة قد التهمت الحرب تجارتهم المتواضعة، بسبب الحصار وجباية الضرائب، وبسبب ارتفاع سعر صرف العملة الصعبة مقابل الريال اليمني، ورغم ذلك ظل اليمني يقاوم، ويصر على التواجد في المواسم بقدر الامكان، نرى ذلك يتجلى في أشياء كثيرة ما تزال تقاوم ..وتحضر بشكل مختلف حيث يجد لها اليمني حلول من السوق المحلية، فنشطت الاعمال اليدوية، والخياطة، والطبخ المنزلي، ونشط سوق المأكولات المصنوعة في معامل خاصة، ونرى ذلك واضح في كل زاوية وفي كل شارع وفي كل دكان.
يقول الحاج أحمد أنه يستبدل الأشياء الخارجية التي كان يشتريها بأي سلعة أخرى تؤدي نفس الغرض، ولو كانت أقل جودة، وهكذا يفعل أغلب الباعة المتجولين فالسلع التي تختفي يحاول الباعة إيجاد بديلا لها من السوق المحلية، و يشتريها المستهلك بسبب سعرها المناسبة ولأنها المتوفرة في الوقت الراهن.