الأخبارتقارير وتحليلاتمحليات

إبادة للشجر وانتهاك للبيئة في تعز.. الحصار يفرض الاحتطاب بدلاً عن المشتقات النفطية

حيروت – تعز

يشهد اليمن منذ اندلاع الصراع عام 2015، أزمات متتالية ومتراكمة في مختلف القطاعات المختلفة، والتي كان لها تأثير كبير على حياة المواطنين ومعاناتهم.

أزمة الوقود الخانقة والمستمرة، التي يعيشها اليمنيون، أجبرتهم على اللجوء لجلب الحطب واستخدامه بدلًا عن مادتي الديزل والغاز، للاستمرار في الحياة.

وهو ما جعل البيئة النباتية تواجه خطرًا بسبب ظاهرة التحطيب التي لجأ إليها المواطنون، في قطع الأشجار واستخدامها بدلًا عن الغاز، أو بيعها، نظرًا لإقبال أصحاب الأفران على شرائها بعد أن شهدت المشتقات النفطية انعدامًا في السوق وزيادة في الأسعار.

بديل عن الديزل
تعد جذوع الأشجار (الحطب) من المواد المحترقة، إذ يستخدم نسبة كبيرة من أصحاب الأفران بتعز، الحطب كوقود لتشغيلها اليومي، بدلًا عن المواد النفطية كالديزل والغاز، بعد أن شهدت ارتفاعًا كبيرًا في أسعارها.

ويقول صاحب مخبز الخير الكائن في منطقة بيرباشا بتعز، شعيب الشرعبي، إنه لجأ إلى استخدام الحطب في تشغيل مخبزه، بعد أن كاد يتوقف عن تشغيله نتيجة ارتفاع سعر مادة الديزل، وانعدامه غالبًا.

ويضيف الشرعبي، أنه في الفترة الأخيرة اشترى حطبًا حمولة سيارة شاص بـ100 ألف ريال يمني (قرابة 120 دولارًا أمريكيًا)، مع ما وصفه بـ”الارتفاع الجنوني” لسعر الحطب. مشيرًا إلى أن الحمولة يستخدمها في مخبزه بـ7 أيام، لكنه أفضل حالًا من مادة الديزل التي بلغ سعر الليتر منها 1000 ريال، في الأيام الأخيرة.

وارتفعت أسعار بيع الحطب في مدينة تعز بنسبة 40%، نتيجة لزيادة الطلب عليه من قبل المواطنين ومحلات الأفران، والحصار المفروض من قبل الحوثيين على مداخل المدينة. وبحسب شعيب فإنه في حال استخدم الديزل لتشغيل مخبزه، سيحتاج 60 لترًا في اليوم الواحد.

أسواق لبيع الحطب

لم تقتصر تجارة الحطب على أصحاب محلات الأفران فقط، بل شملت المغاسل الكبيرة، ومحلات الحلويات، والمطاعم، حتى أصبح هناك أماكن محددة لبيع وشراء الحطب.

“في البداية كنت أدخل الحطب من الريف إلى المدينة، وأبيعه على محلات الأفران، ولاحظت أن هناك إقبالًا كبيرًا من المحلات لشراء الحطب واستعماله بدلًا عن الديزل والغاز، حينها فكرت أن أفتح لي مشروعًا في تجارة جذوع الأشجار”؛ يقول بسام حاتم، أحد العاملين في تجارة الحطب بتعز، والذي بدأ العمل في هذا المجال قبل 3 أعوام، إذ يقوم بعرض بضاعته -الحطب- على الخط الرئيسي في منطقة الضباب جنوبي غرب المدينة.

ويضيف حاتم أنه يشتري الجذوع من المواطن، ويعرضها على الشارع، ويتم بيعها لأصحاب المخابز (الأفران) بحسب الكمية المطلوبة مع التوصيل، أو يأتي أحدهم ويشتري نوع الحطب الذي يريده.

وفي المناطق القريبة كالضباب ومديرية جبل حبشي، يقول حاتم بأنه يشتري الأشجار قبل تقطيعها، وبحسب حجمها يتم تحديد سعرها، وبعض الأشجار يتجاوز سعر إحداها 100 ألف ريال، مشيرًا إلى أن البعض يبيع شجرته عبر مراحل -أجزاء من الشجرة- حسب احتياجاته، أو ربما لتعلقه بها بعد أن قضيا معًا سنوات.

ويشير إلى أنه يوفر الحطب بشكل مستمر تسهيلًا لأصحاب المخابز من جهة، ومساعدة للمواطن بإيجاد مكان يبيع فيه حطبه من جهة أخرى.

وتعليقًا على الكمية التي يقوم ببيعها، يقول حاتم: “يصل عدد حملات الحطب في السيارة الشاص التي أبيعها خلال الشهر الواحد، نحو 20 حملة”.

فيما محمد العيسائي (٤٥ سنة)، أحد المواطنين بتعز، يقول إنه أقدم على قطع ما يمتلك من أشجار في أحد مدرجاته بمنطقة جبل حبشي، وبيعها، لعدم حاجته إليها كما يظن، في ظل تدني وضعه المعيشي. ويضيف أنه لم يتوقع أن يقطع الأشجار التي قام بتربيتها وحمايتها منذ أكثر من 20 عامًا، بحسب المشاهد.

احتطاب جائر
هناك عدة عوامل جعلت المواطن يقطع الأشجار من جذوعها لبيعها، أهمها الظروف المعيشية التي يمر بها نتيجة استمرار الحرب، والتدهور الاقتصادي الذي أدى إلى ارتفاع المواد الاستهلاكية الأساسية، وزيادة معدل البطالة في المجتمع.

ونتيجة لعدم توفر الغاز المسال (المنزلي) وارتفاع قيمته، لجأ المواطن إلى الاحتطاب، والبعض قطعوا الأشجار للاستفادة من ثمنها في ظل الوضع المعيشي المتردي، كما يقول مدير مكتب الزراعة والري بتعز، عبدالسلام ناجي.

ويضيف ناجي أن الأشجار التي تم قطعها في المناطق التي تشهد الاحتطاب الجائر، بلغت نسبة 5%، قابلة للزيادة. والأشجار التي تُقطع، هي التي تسبب ضررًا في الأراضي الزراعية، وتنافس المحصول، مثل أشجار السول والسيسبان، أو تتكاثر بشكل متسارع وغير منتظم، مثل اللوسيانا، مؤكدًا أن مكتب الزراعة بالمحافظة مع عدم قلع الأشجار إلا للضرورة، وأن المكتب في تواصل مع المجالس المحلية في المديريات لمنع الاحتطاب أو القلع.

وتكمن أهمية الأشجار في تنظيف وتلطيف الهواء، وتلقيح الجو، والمحافظة على الرطوبة، ومد الإنسان بالأوكسجين اللازم للحياة، وامتصاصها لثاني أوكسيد الكربون الضار، والذي له دور في ظاهرة الاحتباس الحراري.

وبحسب دراسة للهيئة العامة لحماية البيئة، فإن مساحات الغابات في اليمن تقدر بنحو 1.5 مليون هكتار، وتبلغ مساحة المراعي والتكامل الزراعي الحرجي 22.6 مليون هكتار، تمثل مجتمِعةً مصدرًا مهمًا لتغطية الاحتياجات الغذائية للثروة الحيوانية وحياة السكان.

ويؤدي الاحتطاب الجائر إلى آثار صحية سيئة، وتلوث البيئة، وفقدانها الجمالية، فضلًا عن تصحر الأرض في المناطق التي يزداد فيها الاحتطاب، إذ تعد مناطق الوازعية والكدحة وجبل حبشي وبني شيبة ودُبع، من أكثر مناطق تعز التي تشهد احتطابًا جائرًا ومتواصلًا منذ سنوات.

ويقول مدير الصحة البيئية بتعز، جميل الشجاع، إن “الاحتطاب الجائر يؤدي إلى تصحر الأرض، لأن الأشجار تعمل على تثبيت التربة من الرياح والأمطار الغزيرة، وقطعها يُفقد الأرض غطاءها الترابي الذي يحفظ التربة”.

ويطالب الشجاع بتكثيف غرس الأشجار في أرصفة المدينة وفي المدارس والأماكن العامة، لحفظ البيئة من التلوث، وحمايتها في الأرياف.

ويرى معنيون في حماية البيئة أن توافر الأدوات الحديثة كالمناشير الآلية، وسَّع دوائر الاحتطاب الجائر واجتثاث الأشجار بأنواعها، دون مراعاة الآثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية المترتبة على ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى