بايدن بين سندان الكونغرس.. ومطرقة إيران بقلم/ عبدالله بوحبيب
بقلم/ عبدالله بو حبيب
لا أولوية تتقدم أميركياً على مواجهة جائحة كورونا أو “كوفيد ١٩”. قبل ان يُضبط هذا الوباء الأول من نوعه منذ قرن من الزمن، لن يُعطي جو بايدن الاهتمام اللازم للسياسة الخارجية. فما هي ملامح هذه السياسة خاصة في ملفي إيران واليمن؟
ان نهج جو بايدن في ادارة الامن القومي الاميركي هو غير نهج سلفيه باراك دونالد ترامب وباراك أوباما، لأسباب متعددة، أبرزها ان بايدن متمرس في هذا الحقل، وقد خدم ٣٦ عاما في مجلس الشيوخ عضواً في لجنتي الشؤون الخارجية والعدل، كما ترأس كلاً من هاتين اللجنتين عندما كان للحزب الديموقراطي اكثرية في مجلس الشيوخ. كذلك خدم بايدن ثمانية اعوام نائبا للرئيس اوباما وكان يتعاطى ايضا في الشؤون الخارجية. وفقا لذلك، إكتسب بايدن خبرة طويلة وعميقة في السياسة الدولية والشرق اوسطية لم تتوفر لسلفيه أوباما وترامب. فبينما كانت لاوباما خبرة قصيرة (اقل من اربعة اعوام)، في لجنة الشؤون الخارجية لمجلس الشيوخ وثماني سنوات من التماس مع الأمن القومي والعلاقات الدولية أثناء وجوده في البيت الأبيض، كان ترامب يعتمد على غريزته في ادارة سياسة اميركا الخارجية وليس على مستشاريه او على وزارة الخارجية، باستثناء قضايا الشرق الاوسط التي أوكلها إلى صهره جاريد كوشنر. وبالرغم من ان عدداً وفيراً من المسؤولين حالياً عن سياسة الامن القومي في البيت الابيض ووزارتي الخارجية والدفاع خدموا إبان ولايتي الرئيس اوباما، الا ان هناك ايضا من خدم في عهد الرئيس بيل كلينتون أو مع بايدن السيناتور في مجلس الشيوخ، وهناك عدد آخر من المحترفين ممن خدموا مع العديد من الادارات الاميركية. بكلام آخر، مسؤولو الامن القومي في ادارة جو بايدن هم خبراء في مناصبهم، إذ أن كلاً منهم خدم ما يزيد عن العشرين سنة في ملفه، ومنهم من قضى سنوات عمله كلها في ميدان الأمن القومي. لذلك، ثمة اعتقاد في واشنطن ان سياسة الولايات المتحدة لن تعود الى ما كانت عليه خلال ادارتي كلينتون او اوباما الديموقراطيتين. من ناحية اخرى، عاشت الولايات المتحدة لمدة اربع سنوات، وتحديداً منذ بداية العام ٢٠١٧، في ظلال مبدأ “أميركا أولاً”، فكانت النتيجة انسحابها إلى حد كبير عن المسرح الدولي وخلافات متزايدة مع الحلفاء والاصدقاء وتحالف مع قيادات سلطوية في عدد من بلدان العالم. كانت العلاقة مع اوروبا والدول الجارة لاميركا باردةً جدًا، وهناك خلافات جذرية مع الصين وروسيا بالرغم من صداقة الرئيسين ترامب وبوتين، وجرى تجاهل افريقيا وجنوب اميركا، وضَعُفَ وجود الولايات المتحدة ونفوذها في الشرق الاوسط بالرغم من الصداقة التي ربطت بين عائلة ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
تواجه إدارة الرئيس بايدن حالياً ازمتين رئيستين في منطقة الشرق الاوسط: العودة الى الاتفاق النووي مع ايران؛ إنهاء حرب اليمن مع حفظ ماء الوجه للمملكة العربية السعودية ورجلها محمد بن سلمان. المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية تنتظر قيام حكومة في تل ابيب بعد انتخابات الكنيسة غير الحاسمة والانتخابات الفلسطينية النيابية المقررة في أيار/ مايو المقبل. كذلك تهتم واشنطن بمساعدة العراق على لعب دور سياسي واقتصادي في الساحة العربية. الاهتمام بأزمتي لبنان وسوريا متروك حالياً بعناية دبلوماسيي دائرة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية وزملائهم في البيت الابيض، مع اعطاء فرنسا، او بالتحديد الرئيس إيمانويل ماكرون، التأييد الكامل لمبادرته في لبنان. بالنسبة لأزمتي الاتفاق النووي مع ايران ووقف الحرب اليمنية، تجد ادارة بايدن نفسها بين السندان الداخلي والمطرقة الايرانية. في الداخل الاميركي وبالتحديد في واشنطن العاصمة، ليس لايران أصدقاء ولا اتصالات مع الدوائر السياسية في واشنطن. ليس هناك من يدافع او حتى يتهاون مع وجهة النظر الايرانيه في الكونغرس او في الاعلام ومراكز الأبحاث والتفكير الممولة بمعظمها من دول الخليج واصدقاء اسرائيل في العاصمة الاميركية، كما ذكر الرئيس باراك اوباما في كتاب مذكراته. من هنا كانت رؤية بايدن ومعاونيه أن أي خطأ او فشل في العلاقة مع ايران، مهما كان صغيراً، يضع الادارة في مأزق كبير. لذلك تبغى واشنطن علاقة متوازية مع ايران للعودة الى الاتفاق النووي. التقدم خطوة خطوة وصولاً الى وقف العقوبات التي فرضها ترامب بعد انسحاب اميركا من معاهدة عام ٢٠١٥ بين ايران ومجموعة 5+1، وذلك مقابل عودة إيرانية كاملة الى الإتفاق. كذلك، يجدر التنويه إلى ان واشنطن تخشى عودة المتطرفين الى الحكم في ايران في انتخابات حزيران/ يونيو القادم، ولذلك تخطط بحذر لعودة العلاقة مع ايران الى ما كانت عليه في اواخر عهد أوباما.
من ناحية اخرى، وبرغم تفهم ادارة بايدن لعدم ثقة طهران بالولايات المتحدة التي لم تحترم المعاهدة المنوه عنها، وهي معاهدة دولية اقرت باجماع الاعضاء الـ 15 في مجلس الأمن الدولي، فان طهران تعتبر اميركا بلداً معادياً لنظامها، ولذلك ينظر الايرانيون بقلق إلى دور بعض مراكز القوى في الادارات الاميركية، وهو دور رافض لاي اتفاق او معاهدة مع ايران وصولاً إلى العمل بعزم لإلغائها عندما تسمح الظروف بذلك. انعدام الثقة جعل ايران تصر على الغاء كل العقوبات التي فرضتها ادارة ترامب قبل عودتها إلى الإتفاق وتنفيذ كامل بنوده.
والاهم من كل ذلك، ان ادارة بايدن تقر ضمنيا ان العقوبات التي فرضها ترامب على ايران بعد انسحابه من الاتفاق النووي، لم تفضِ الى انهيار الاقتصاد الايراني، كما توقع ترامب الذي تبنى خطة الضغوط القصوى. ربما يعرف المسؤولون الأميركيون ان العقوبات الاحادية، وان اضرت بايران لكنها لم تتسبب بانهيارها، وليس لها نفس تاثير العقوبات الدولية التي فرضها مجلس الامن على ايران إبتداءً من عام ٢٠٠٦ في عهد الرئيس جورج بوش الابن، وقد لعبت وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس دورا مهما في اقناع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن بفرض العقوبات الدولية. ومن المعلوم ان روسيا والصين لم تشتركا في عقوبات ترامب على ايران، كما أن الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وألمانيا وبريطانيا)، وان خففت من تعاطيها مع ايران، الا انها لم تماش ترامب في قراره. ان اتفاق التبادل التجاري الأخير بين الصين وإيران كما العلاقة التجارية للاخيرة مع روسيا وتركيا، ابطل عملياً مفعول عقوبات ترامب على طهران.
بالنسبة الى حرب اليمن، هناك ضغوط من الكونغرس ووسائل الاعلام المختلفة من اجل ان تتوقف السعودية عن التدخل في الشؤون اليمنية وأن تترك اليمنيين وشأنهم. وكان بايدن قد تبنى هذا الموقف اثناء حملته الانتخابية واوقف فور تسلمه زمام الرئاسة الدعم العسكري للسعودية والامارات التي يحارب جيشها في جنوب اليمن. حالياً، يبدو لواشنطن ان السعودية على استعداد لوقف الحرب وترك القيادات اليمنية تتدبر امورها للوصول الي إتفاق حول مستقبل اليمن، اكثر بلدان العالم فقرا. لكن القيادة الحوثية لم تقبل بعد بالاقتراح الاميركي بوقف اطلاق النار. ويعتقد البعض ان الحوثيين، وهم على اهبة الانتصار في المعركة القادمة في مدينة مأرب، يريدون ان يحققوا نصرا على السعودية وحلفائها اليمنيين قبل ان يوافقوا على هدنة طويلة الأجل. ويعتقد البعض الآخر ان ايران وراء الرفض الحوثي وهي تستعمل الورقة اليمنية لتقوية موقفها في الحوار القائم للعودة الى الاتفاق بشان برنامج ايران النووي.
باختصار، تواجه إدارة بايدن لتحقيق هدفيها بالعودة لاتفاق عام ٢٠١٥ النووي، ووقف الحرب في اليمن، ضغوطا قوية من الكونغرس الاميركي لعدم التساهل مع ايران والسعودية، وتصميما ايرانيا في ان تدفع اميركا ثمن انسحابها من الاتفاق النووي ودعمها السعودية في حربها على اليمن. ولذلك، تسير الادارة الاميركية في معالجة هاتين المشكلتين بدقة وحذر، فتطول الامور ويصعب الوصول الى الحلول المرتجاة.