“تحقيق”: قواعد عسكرية أجنبية بينها أمريكية وبريطانية على مطار الغيضة
حيروت – متابعات
سوء التقديرات وحسابات السياسة تركت محافظة بحجم المهرة، شرق اليمن، وموقعها مسرحًا للتجاذبات والأطماع الإقليمية والدولية، وكانت بوابة اليمن الشرقية.
وبالرغم من بعدها من ساحة الصراع بين الحوثيين وقوات حكومة هادي، إلا أنه قد تمت عسكرتها خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بوتيرة عالية.
البداية من التجنيس
حين زار معد التحقيق المهرة في العام 2013، اكتشف أن الدول الخليجية السعودية والإمارات تمارسان استقطابًا محمومًا في أوساط المواطنين بالمهرة، وتنفذ حملات تجنيس انتقائية أوساط القبائل المهرية.
وكان العديد من الأصدقاء يظهرون بطائقهم السعودية أو الإماراتية في معرض تباهٍ، فسرت الحرب القائمة منذ 6 سنوات ماذا كان وراؤه، غير أن السلطات اليمنية حينها لم تحرك أي رد فعل حيال ذلك التجنيس الانتقائي.
مطار الغيضة الدولي
حتى نهاية العام 2017، كان مطار الغيضة خاليًا من أي تواجد عسكري لقوات التحالف السعودي الأمريكي، وحينها ظهر المطار في صور الأقمار الصناعية كما كان عليه حين هبط معد التحقيق فيه، عام 2013.
مطار فسيح تبلغ مساحته 5.65 كيلومترًا طولًا، و2.20 كيلومترًا عرضًا، فيما تبلغ مساحة مدرج الهبوط 45م في 2700م، وفقًا لبيانات الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد، التي تقول أيضًا إن قدرته الاستيعابية تبلغ 600 ألف راكب سنويًا.
لكن المطار الذي يحمل رمز الإيكاو: OYGD ورمز الأياتا: AAY، كان يستقبل رحلتين في الأسبوع ذهابًا وإيابًا، ولا شيء غير ذلك، لمحافظة لم يتجاوز عدد سكانها عام 2004، 100 ألف نسمة، وقدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في 2017، عدد سكان المحافظة بحوالي 150 ألف نسمة.
التحالف السعودي الإماراتي أغلق المطارات اليمنية
في مارس 2015، أوقف التحالف كافة الرحلات الجوية المدنية إلى المطارات اليمنية، بما في ذلك مطار الغيضة، وتسبب الإجراء بمنع عودة آلاف اليمنيين من رحلاتهم الخارجية، قبل أن يعاود السماح بعودة العالقين إلى مطار صنعاء في مايو 2015، وبشرط التفتيش في مطار بيشة السعودي لكل الرحلات ذهابًا أو إيابًا.
ظل مطار الغيضة مغلقًا، ولم يعد بمقدور طيران “اليمنية” تسيير الرحلات الجوية بين المدن اليمنية، وفي يوليو 2020 تم تشغيل جسر جوي لنقل العالقين من أبناء محافظة سقطرى من مطار الغيضة إلى مطار سقطرى، وما عدا ذلك لم يسمح التحالف العربي بتشغيل المطار لغير طائراته العسكرية.
ووفقًا لما قاله رئيس لجنة الاعتصام في منفذ شحن البري بالمهرة حميد زعنبوت، لا توجد أية رحلات مدنية إلى المطار منذ 2017، عدا بعض الرحلات التي يتم تسييرها من قبل التحالف وبطلبه، مثل رحلة الجبواني والأسر التي من سقطرى، والرحلة الأخيرة لوصول عبدالله بن عيسى من سقطرى، بحسب “المشاهد”.
تتبع معد التحقيق الرحلات المدنية في مطار الغيضة، خلال العام الماضي، على موقعي “flightaware” و”flightradar24″ المتخصصين في تتبع رحلات الطيران عبر العالم على مدار الساعة، ولم يجد أية رحلة إلى المطار أو منه.
من مطار مدني إلى قاعدة عسكرية
في نوفمبر 2017، وصلت قوات سعودية إلى مطار الغيضة، برفقة 21 ضابطًا من أبناء المهرة، تم تدريبهم في السعودية، تحت مبرر مكافحة التهريب، عبر سواحل المحافظة، ولكن قوات الأمن المكلفة بحراسة المطار منعتهم من السيطرة على المطار، واشتبكت معهم، ودعمت قبائل المهرة موقف قوات الأمن في حينها.
وقعت سلطات وقبائل المهرة في فخ شروط القبول بالتواجد السعودي، والتي كان أبرزها عدم تحويل مطار الغيضة إلى قاعدة عسكرية، وضرورة التنسيق بين القوات السعودية والسلطة المحلية، فلم تلتزم القوات السعودية بالاتفاق، بل سعت للسيطرة على المطار.
لاحقًا، قاد وكيل محافظة المهرة لشؤون الصحراء سابقًا، علي سالم الحريزي، موجة من الاحتجاجات، وأسس مع مجموعة من مشائخ المحافظة لجنة اعتصام المهرة لمناهضة التواجد العسكري السعودي في المطار والمحافظة، وكادت أن تجنح تلك الاحتجاجات إلى العنف في يونيو 2019، حين استخدمت القوات السعودية طيران الأباتشي لقصف المحتجين في مديرية شحن.
وجد معد التحقيق أن القوات السعودية، ووفقًا لما تظهره صور الأقمار الصناعية عبر “جوجل إيرث”، قامت بتحويل مطار الغيضة إلى قاعدة عسكرة كبيرة تضم أربع ثكنات عسكرية في مربع واحد، إضافة إلى موقعين آخرين إلى الشرق والجنوب الشرقي من الثكنات. تظهر صور الأقمار الصناعية عبر “جوجل” أن الموقع الجنوب الشرقي في المطار يتم تشييده بالخرسانة، وليس مثل بقية الثكنات التي تستخدم فيها الحاويات أو البيوت الجاهزة.
قوات أمريكية وبريطانية في مطار الغيضة
تتردد معلومات عن وجود معسكر للقوات الأمريكية، وآخر للقوات البريطانية، في مطار الغيضة، لكن معد التحقيق لم يجد ما يميز ثكنة عن غيرها في الصور الجوية للثكنات العسكرية في المطار، عدا الموقع الذي يتم بناؤه باستخدام الخرسانة، جنوب شرق المطار.
ورصد معد التحقيق تغريدات لوكيل محافظة المهرة لقطاع الشباب بدر كلشات، على صفحته في مواقع التدوين المصغر “تويتر”، قال في إحداها يوم 30 نوفمبر 2020: “30 نوفمبر 2020 ذكرى طرد بريطانيا، في يومنا هذا يزور السفير الأمريكي لدى اليمن القوات الأمريكية والبريطانية المتواجدة في مطار الغيضة م/ المهرة، هم يحكمون ونحن نصفق ونحتفل بأعياد الاستقلال”.
المحافظ السابق للمهرة راجح باكريت، أكد في تصريح خاص أن هناك قواعد أمريكية وبريطانية في مطار الغيضة، مبرراً: “نعم موجودة بتنسيق سعودي”.
في الأيام الأخيرة من ولاية الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترمب قام سفير أمريكا لدى اليمن، كرستوفر هنزل في 30 نوفمبر 2020، وهو ذكرى جلاء آخر جندي بريطاني من جنوب اليمن، بزيارة إلى المهرة وأثنى على جهود مكافحة التهريب.
تطوير أم تعطيل للمطار؟
في 18 يناير 2020، قال البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، على صفحته الرسمية الموثقة على منصة التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “يكمل البرنامج المراحل النهائية لتأهيل مطار الغيضة بمحافظة المهرة تمهيدًا لبدء استقبال الرحلات الداخلية والدولية بقدرة استيعابية أكبر وبنية تحتية متطورة وخدمات ومرافق تخدم المسافرين”.
في 13 مايو 2020، أعلن البرنامج السعودي أن مطار الغيضة جاهز لاستقبال وتوديع الرحلات. وذكر البرنامج، عبر الإنفو جرافيك، المشاريع التي قال إنه نفذها في تطوير مطار الغيضة، والتي شملت ترميم المباني، الصالات والوحدات، وتجهيز أنظمة الملاحة والاتصالات والسلامة، وتنفيذ إجراءات واختبارات الفحص الجوي، وتأهيل المدرج وأبراج المراقبة، وإنشاء مواقف للسيارات تتسع لـ 700 سيارة، وتوفير الإضاءة وأجهزة الأمتعة، حسب المنشور.
المحافظ السابق للمهرة، والذي أثار الجدل طويلًا لعلاقته الواسعة بالجانب السعودي، راجح سعيد باكريت، قال في تصريح خاص “المطار جاهز، وحتى عملية الترميم لم يكن لها داع، هو أصلًا جاهز لكن الهدف من الترميم سرقة مبالغ خيالية من المشروع، وأنا رفضت أوقع استلامًا لأي مشروع من الإعمار السعودي، لأنهم كانوا يبالغون بالأسعار بشكل خيالي”.
وأضاف: “عدم تشغيل المطار سببه التحالف، ورفعنا عدة مذكرات إلى قيادة التحالف من أجل التشغيل، لكنهم يتعذرون بعدم جاهزية المطار”.
لكن المطار تحول إلى مقر لعمليات التحالف الإماراتي السعودي، ومركز للتدخل في كل صغيرة وكبيرة بأرض المهرة.
تتواجد فيه غرفة عمليات تشرف على جميع المعسكرات، تضم معدات عسكرية خفيفة ومتوسطة وثقيلة ومركبات مدرعة ومروحيات أباتشي وبطاريات صواريخ، وسجونًا أخفت عشرات المناهضين، ومعسكر تدريب.
*فاروق الكمالي