جمهورية في خاصرة المَلَكيات بقلم/ موسى السادة
بقلم/ موسى السادة
في ربيع عام 1963، شنّ سلاح الجوّ المصري ضربات على كلٍّ مِن جازان وخميس مشيط وأبها. كانت هذه الضربات ردّاً على زحفٍ «للملكيّين» هدّد مواقع للقوات الجمهورية اليمنية، إذ سبقها بأشهر، وبالتحديد في شهر كانون الأول/ ديسمبر 1968، هجوم واسع لتلك القوات، مدعومة من القوات المصرية، نحو الجوف وعبرها إلى مأرب واستعادة السيطرة عليها، بعد أن حَوّلتها قوات حميد الدين، بالتحالُف مع العديد من القبائل، إلى نقطة انطلاقة نحو صنعاء، وذلك بعد أسابيع من إعلان عبد الله السلال ثورة الـ26 من أيلول/ سبتمبر وسيطرته على العاصمة.
انتهت الحرب بانتصار القوات الجمهورية، وفشَل الملكيين ومِن خلفهم السعوديين والبريطانيين (مع دعم إسرائيلي). ولعلّ هذا النصر يُعدّ أحد أهمّ إنجازات عبد الناصر الاستراتيجية، إذ نتَج منه قيامُ جمهورية في خاصرة الجزيرة العربية التي تهيمن عليها الملكيات، وبشكل جعل من نجاح النموذج الجمهوري خطراً كبيراً على النُخب القبلية الحاكمة في الخليج. المفارقة هنا هي أن الدعاية السياسية ضدّ ناصر والناصرية، والتي تستمرّ وتُموَّل خليجياً إلى يومنا الحالي، وتنتشر في أوساط الشباب العربي سواء ذوي الهوى «الإخواني» أم «الليبراليين»، تَسِم حرب اليمن بـ«فيتنام عبد الناصر»، في تكرارٍ ببّغائي للوسَم الذي ابتدعه – دون غيره – سفير كيان العدو في الولايات المتحدة.
من القصور الحاصل اليوم – بل لعلّه تقصير منّا – في فهم الوضع اليمني، هو تبيان السياق التاريخي للعدوان السعودي على اليمن، خصوصاً مع هيمنة السردية الخليجية والغربية التي تنزع هذا السياق، وتُدرج الحرب، بشكل استغلالي، في إطار ما يُطلَق عليه مقارعة النفوذ الإيراني في المنطقة. والحقيقة أن العدوان، بمختلف أطرافه، ليس سوى الشكل التاريخي المعاصر لعملية إعادة إنتاجٍ لديناميكيات الأزمة نفسها التي تواجهها الجمهورية اليمنية الوليدة منذ الستينيات، بل وما قبل ذلك. فما تعانيه هذه الأرض وشعبها اليوم على اتصال مباشر مع البنية الاجتماعية والسياسية التي أَسّس لها الاستعمار البريطاني لدى احتلاله عدن في منتصف القرن التاسع عشر. وعليه، يلاحَظ التشابُه المهول بين عدوان اليوم وحرب الأمس، سواءً في الانقسام الشعبي اليمني «الشمالي/ الجنوبي» أو حتى في التباينات الداخلية في كلّ من «الشمال والجنوب»، وهو ما ينعكس مباشرة على شكل خريطة السيطرة العسكرية الحالية. والأهمّ، وهو المفصل الحاكم في تاريخ اليمن منذ الثلاثينيات، محاولة السعوديين فرض هيمنتهم على هذه الجمهورية، وبالدعم الاستعماري نفسه، البريطاني، ومن ثمّ الأميركي.
يُحيلنا هذا الواقع إلى نقطتَين رئيسيتَين: الأولى تتعلّق بسؤال الدولة الوطنية العربية والخلل البنيوي فيها والذي يعيد إنتاج نفسه باستمرار؛ والثانية، وهي بديهية ضائعة عربياً، مفادها أنه لا يمكن حلّ هذا الخلل بشكل موضعي وفقاً لكل بلد عربي، فحتى عبد الناصر وجد نفسه مضطراً للتراجُع عن المبدأ الذي أعلنه من أن السلاح العربي لن يَسفك الدم العربي. فكغيرنا من جميع الأمم والتجارب التحريرية، لا يمكن تحييد مواجهة أدوات فرض الهيمنة والمتعاونين معها، على اعتبار أن محض وجودهم مرتبط بالدعم الغربي. وعليه، يكون تفكيك ساحات الصراع، وتأطير الأزمات العربية ضمن الحدود المرسومة، خطيئة استراتيجية كبرى. فحين تتحدّث الأدبيّات القومية العالمية، والعربية على وجه الخصوص، عن نقطة المصير المشترك للأمّة، فهي لا تنطلق هنا من رومانسيات الحلم العربي، بقدر ما هي حتمية تتعلّق بمصائر كلّ بقعنا الجغرافية.
من هذا المنطلق، يجب أن تفهم علاقتك كعربي مع حرب اليمن، من دون اصطفافات الهويّات الثانوية، سواء طائفية أو عرقية أو قبلية. فموقفك اليوم، وبغضّ النظر عن الشكل التاريخي الحالي للصراع، ينطلق من أولويات حاكمة، وهي منطلقات اصطفاف حرب عقد الستينيات نفسها. فالمسألة هنا تتعلّق برفض الهيمنة السعودية – الأميركية على اليمن، وإعادة إنتاج أدوات ديمومة إضعاف اليمن ذاتها، عبر تكوين شبكة زبائنية قبَلية تُموّلها أموال النفط. هذه الشبكة القائمة على استغلال البنية الهرمية للقبيلة – شراء الشيخ يقتضي شراء مَن دونه – هي عماد ما يُسمّى «الجيش الوطني» اليوم، إلى جانب قوات حزب «الإصلاح» والمجاميع السلفية وبقية المُحشّدين بالأدبيات الطائفية الوهابية. ومن منظور تاريخي، تُمثّل هذه السياسات تكراراً مطابقاً لسياسة حرب 62، وحشد القبائل لدعم العائلة الملكية المتوكّلية. ولعلّه من المهمّ الإشارة هنا إلى أن السردية التي تقوم على فكرة أن حركة «أنصار الله» تحاول إعادة «حكم الهاشميين»، بحجم انطلاقها من قصور في فهم ومراقبة الخطاب السياسي للحركة ومحاولتها تأكيد قيم الجمهورية والهوية اليمنية (من تخليد الذكرى المئوية لمجزرة تنومة، إلى كشف ملابسات اغتيال الرئيس الحمدي، وصولاً إلى خطاب حشدها الشعبي بشكل عام)، فهي تنطلق من رغبوية الأطراف الآخرين التابعين للسعودية، ممّا يفسّر هزيمتهم، فهم لا يقاتلون الطرف الكائن أمامهم بموضوعية، بل يقاتلون مَن يريدون أن يكون.
قوّتكم في ضعف اليمن
في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ناقشَت جامعة عدن رسالة دكتوراه لباحثة يمنية شابة تحت عنوان «سياسة السعودية تجاه اليمن 1934 – 1990». لفتت الدكتورة رجاء الكازمي، كغيرها من الباحثين الذين ناقشوا دراستها، الانتباه إلى أن الخوض في دراسة كهذه في اليمن أمر غير مسبوق، ما يعكس السطوة التاريخية وحظْر السلطة السابقة أيّ تطرُّق للدور السعودي في اليمن. يُذكّرنا ذلك بقول يُنسب إلى الملك عبد العزيز مخاطِباً أبناءه بأن قوّتكم تكمن في ضعف اليمن، أو أن «عزّ السعودية في ذلّ اليمن». وبغضّ النظر عن صحّة القول من عدمه، فإن سياسة السعودية تجاه اليمن من حرب الثلاثينيات ومعاهدة الطائف (ضمّ مناطق عسير وجيزان ونجران للحكم السعودي) وإلى اليوم، قائمة على هذا المبدأ. ولعلّ في فهم الديناميكيات السعودية الداخلية، خصوصاً مسألة الهوية، ما يُسلّط الضوء على هذه المقاربة.
تتّخذ الهوية السعودية هيئة جوهرية تتمحور حول المركز، في مقابل أطراف تتبنّى أشكالاً عدّة سواء مناطقية أو قبلية أو مذهبية. ومن ناحية تاريخية، لعبت الوهابية دور «البعد الإسلامي» للهوية بشكل يكون عابراً للحالة القبَلية على وجه الخصوص. إلّا أن هذا الشرخ يُنتج، وبشكل تعيه العائلة المالكة، عمليات شدّ وجذب حول مسألة الانتماء هويّاتياً للسعودية. يتمظهر هذا الشدّ والجذب على هيئة تنميطات اجتماعية وخطاب عنصري ضدّ الأطراف، وبالتحديد المحافظات الجنوبية، وهي التي تتذيّل سلّم التنمية الاقتصادية، حيث يعيش سكّانها في منطقة رمادية بين كونهم «سعوديين» أو ينتمون إلى اليمن. وللتوضيح أكثر، فإن لديناميكية هوية المنتمين إلى تلك المحافظات اتجاهين: فمن جهة يعانون من عنصرية طبقية، فيوسَمون بـ«يمنيين» – وكأنها معرّة -، أو «صفر سبعة» في إشارة إلى رقم فتح الاتصال الهاتفي لمناطقهم مقابل صفر واحد للرياض واثنين وثلاثة لجدة والمنطقة الشرقية. وعلى سبيل المثال، واجَه قائد المنتخب السعودي، سامي الجابر، عنصرية وتشكيكاً في وطنيّته لكون أمّه يمنية. وعليه، حاول إثبات سعوديّته عبر سرد تاريخ أسرته وعلاقتها بالمؤسّس عبد العزيز آل سعود. ومن جهة أخرى، يتبنّى العديد من سكّان جنوب المملكة هذه العنصرية بشكل مبطن، وبالمضمون الطبقي نفسه، ولكن باتجاه اليمنيين. فهؤلاء السكّان، وبحالة نسبية مقارنة باليمنيين، «سعوديون»، وبناءً على ذلك، ينتمون إلى سياق طبقي مترفّع عن حالة اليمنيين وكدّهم للعيش وعملهم في جميع المهن التي يتعفّف عنها المواطن الخليجي. هذه الديناميكية مهمّة جدّاً في فهم السكّان على ضفتّي الحدود بين اليمن والسعودية، وبالتحديد أثر الحرب الحالية ونتائجها.
مَكّنتني زيارة المحافظات الجنوبية خلال الأشهر الأولى من العدوان، من رؤية التجسُّد المادّي لتلك الديناميكيات. فالمسألة لا تنحصر في التصاهُر الاجتماعي والثقافي التاريخي بين الضفّتَين وعمليات التجارة والزيارات المتبادلة (مثّلت صعدة، مثلاً، محطّاً لزيارة السعوديين لتخزين «القات» والهروب من عدم قانونيّته في بلادهم)، بل إن الخزّان البشري للقوى الأمنية والجيش السعودي يكمن في هذه المناطق، ولذا فإن جُلّ ضحايا الحرب من الجنود السعوديين هم أيضاً منها، بالإضافة إلى كونها أكثر المناطق تمازجاً مع اليمنيين. وعليه، تتجلّى مظاهر خوض حرب بشكل يغيب عن باقي المناطق – إذا ما استثنينا مظاهر الوطنية الفاقعة والانتصار والحزم والعزم -، فترى إعلانات مجالس العزاء، بالإضافة إلى إعلانات برامج دعم عوائل «الشهداء» وأطفالهم عبر امتيازات في فرص التوظيف والقبول الجامعي، بل إنه وخلال احتفالات «اليوم الوطني» لعام 2019، أخذت الاحتفالات طابعاً عسكرياً بتنظيم عرض عسكري في أبها، ومن الجدير مقارنة ذلك مع الطابع المهرجاني البعيد عن ذكر الحرب في باقي المناطق، وبالتحديد في العاصمة الرياض.
أثناء الزيارة، وفي أحد المتاجر، استرقْت السمع إلى محادثة بين أحد الزبائن وصاحب المحل، يسأل فيها الأوّل الثاني عن فلان، وهو العامل اليمني في المتجر، ليجيب صاحب المتجر بصوت حزين بأنه «مات، ذهب ليقاتل مع الحوثي وسمعت أنه قُتل». فبشكل تاريخي ما، الحرب هي يمنية – يمنية، بين أدنى سلّم الهرمية السعودية وعنصريتها من جنود ينتمون إلى قبائل الجنوب يبحثون عن قوتهم وتسديد ديونهم – يظهرون في فيديوهات في كلّ مرّة يطلبون المساعدة المادية – وبين إخوانهم اليمنيين. ولعلّ الشيء بالشيء يُذكر، ففي تغطية أحد أشهر الحسابات الخبرية الأمنية لأحد محافل تكريم أطفال الجنود الضحايا، قام المُصوّر بتجاوُز إحدى الطفلات لاسمرار بشرتها، ما أثار ضجّة حول موضوع العنصرية العرقية في السعودية.
مسألة أن الخزان البشري لجنود قوات الجيوش الخليجية يعتمد على متذيّلي الهرمية المجتمعية، ليس حكراً على السعودية. فمشاهد العزاء وإعلاناتها نفسها عاينتُها فترةَ إقامتي في الشارقة، حيث إن الكثير من الضحايا الإماراتيين ينتمون إلى آل البلوشي، وهم أحفاد باكستانيون جلَبهم الاستعمار البريطاني إلى الخليج خلال القرن التاسع عشر – وهذا لا يُقلّل من عروبتهم اليوم ولو بمثقال ذرّة – لتشكيل قوات عسكرية منهم، وهم يمثّلون حالياً أغلب البنية العسكرية للإمارات وعُمان. وللمفارقة أيضاً، فإن الطيّارين السعوديين والإماراتيين ينتمون إلى أعلى الهرمية الاجتماعية، ولذا، فالأسير الطيّار السعودي قيمته في عملية التبادل تُعادل العشرات من غيره – عرَض اليمنيون تبادُله مقابل المعتقلين الفلسطينيين في السعودية -. كما أن الشيخ الإماراتي المصاب الوحيد، وهو أحد أحفاد زايد آل نهيان، كان قد أصيب أثناء سقوط طائرته في شبوة، واستغلّ الإماراتيون الحادث في الترويج «للمساواة الاجتماعية» في المجهود الحربي للعدوان.
الأثر الاجتماعي للحرب: جرح الذات السعودية
أحد الأساتذة الجامعيين البريطانيين، وهو مارك ثومسون، كان يعمل في جامعة الملك فهد في الظهران، وله مؤلَّف اليوم تحت عنوان: «أن تكون شابّاً سعودياً». ثومسون، الذي تَكثر صوره وابتساماته المستفزّة على وسائل التواصل في ظلّ «الرؤية» والتجديد – كغيره من البيض القاطنين في السعودية -، يعمل في «مركز الملك فيصل للدراسات»، الذي يُمثّل نموذج السلطة السعودية لمراكز الدراسات (Think Tank)، حيث يتمّ توظيف الأكاديميين الغربيين وإغراقهم بالأموال – كما أخبرني مارك بنفسه -.
جمعتْني لقاءات عديدة مع مارك في داخل السعودية، ومن المهمّ القول إنه من الحماقة الاجتماع بمثل هذه الشخصيات من دون افتراض علاقتهم المباشرة مع السفارة البريطانية، وتالياً الاستخبارات الإنكليزية. وهذا بالتحديد سبب أهمية اللقاء معه، فإلى جانب أسئلته عن «الشباب السعودي»، فهو يعطي خلفية عن بيئة الدبلوماسيين الغربيين ومعلوماتهم عن تجاذبات الحكم السعودية، خصوصاً فترةَ تهيئة محمد بن سلمان لإقصاء ابن عمّه من ولاية العهد. ففي تلك الفترة، ووفقاً لمارك، كانت الدبلوماسية الغربية في جلساتها الخاصة تُطلِق على صراع الأميرَين «لعبة الأثواب» نسبةً إلى مسلسل «لعبة العروش» الشهير. الأمر الآخر، وهو الأهمّ، نقلُه أن ابن سلمان، حين لقائه موظّفي السفارة البريطانية، كان يرفض الحديث عن وضع اليمن، ويتعمّد تجاوُزه، وكأنه هاجس يريد الهروب من مواجهته. فما آلت إليه الأمور في اليمن يقضّ مضاجع السعوديين بشكل – بسبب عتوّهم – لم يتوقّعوه.
لأسباب ذاتية متعلّقة بالوضع السعودي والوفرة المادّية وبنية توزيع المناصب الحسّاسة مناطقياً، لن تكون ارتدادات حرب اليمن داخلياً متناسِبة مع حجمها الحقيقي. ففي حين تميل الجيوش تاريخياً بعد الهزائم إلى لوم البنية السياسية وعليه الانقلاب على السلطة، ففي مَلكية كالسعودية الأمر مغاير تماماً. إلّا أن أهمية ارتدادات الحرب اليمنية تكمن في التنكيل بالغرور والتكبُّر الكامنَين في «الهوية السعودية»، والآثار التي سينتجها ذلك. فمِن منظور سعودي، كيف لليمني الفقير والحافي أن يقف في وجه «آلتنا» العسكرية الحديثة، وبل وبالتحديد مسألة التطوُّر النوعي اليمني في إطلاق الصواريخ والطائرات المُسيَّرة؟ لذلك، يلاحِظ أيُّ مراقب أن ردّة فعل النُخب السعودية على الهجمات اليمنية تتمحور حول أن مُنفّذها «إيراني» أو من «حزب الله»، فكيف يتمكّن «هؤلاء» – أي اليمنيون – من هذه التقنية؟ كما عَبّر محلل سياسي سعودي.
الجانب الآخر هو الحرب الخفيّة بين السعوديين – خصوصاً من الجنوب – ونظرائهم اليمنيين على «يوتيوب». فالمشاهد اليمنية للمعارك، بالإضافة إلى «الزوامل» والأشعار، استنفرت شريحة معينة من السعوديين، الذي جُرحت «ذاتهم السعودية» بشكل دفعهم إلى الردّ من دون حيلة، عبر المنافسة بالأشعار القبَلية «الشيلات» أو بمشاهد الحرب والتحشيد المعنوي. وهو ما يجعلهم يعمدون، حرفياً، إلى سرقة المشاهد اليمنية ونسبها لهم، ونشر مقاطع شعرية تحت عناوين «شاعر سعودي يردّ على شعر يمني معادٍ للسعودية». لحرب تعليقات «يوتيوب» هذه أثر، وإن على المدى البعيد، ينخر في السردية السعودية التاريخية بأنك أعلى منزلة من اليمني، خصوصاً مع هروب آلة «البروباغندا» الرسمية للدولة ويأسها من بثّ دعايات «الانتصار السعودي في عاصفة الحزم»، وبل نشر النُخب السعودية وبشكل مثير للشفقة بكائيّات تدعو الولايات المتحدة إلى حمايتهم. فمن ناحية رسمية، لم يبقَ سوى حساب مدير مكتب ولي العهد، بدر العساكر، الذي، وبشكل مبتذل وآلي، يُذكّر «ببطولات الحدّ الجنوبي» مع صور دعائية بعيدة عن الواقع تصلُح لتكون إعلانات أفلام أو ألعاب الكترونية.
بالعودة إلى تاريخ الجمهورية اليمنية، على رغم الكثير من المشاكل الداخلية وخصوصاً مسألة الجنوب والشرخ الاجتماعي واستنبات الخطاب الطائفي، إلا أنها في موقع سياسي يؤهّلها لتعود إلى دورها التاريخي الذي يتناسب مع الثقل الاجتماعي والثقافي لليمن. فصعود اليمن، عبر صموده وانتصاره العسكري، يهدّد ويضيف على المشاكل البنيوية للمملكات الخليجية المتراكمة، ويعيد التاريخ إلى مجراه، وينهي المناورة التاريخية للحُكم السعودي عبر تقويض «ثورة 26 سبتمبر» والحرص على ديمومة إضعاف اليمن. فالمسألة المحورية أن في اليمن اليوم كتلة شعبية تمتلك حصّة من تاريخ بلدها بشكل مستقلّ عن الهيمنة عليه، وتنطلق من حيثيات وطنية داخلية وبُعد قومي يضعها على خريطة الصراع في المنطقة كفاعل تاريخي. وفي نظري، ومن باب بثّ «تفاؤل العقل والإرادة» لمستقبل المنطقة، أنه من الأهمية بمكان أن نُذكّر أنفسنا دائماً، بأن كلّ هذا التحوُّل الاستراتيجي حدَث ونحن ندخل العام السابع من مراهنة عروش المَلَكيّات على أن النفط سينتصر على الدم.