هل باتت أيام بن سلمان في السلطة معدودة؟ بقلم/ فؤاد بن علي المزنعي
بقلم/ فؤاد بن علي المزنعي
شاء الله أن يكون محمد بن سلمان ابنًا لملك إحدى أهم الدول العربية والإسلامية، لم يقنع من الملك بالأبهة والجاه، بل سعى إلى السلطة والنفوذ، مزيحًا كل منافسيه عنها حتى صار طريقه معبّدًا إلى قصر اليمامة. لكنه وخلال مسيرته القصيرة هذه، ارتكب سلسلة من الأخطاء القاتله والتي كلفته أو قد تكلفه مستقبلًا الكثير والكثير من رصيده السياسي، إن لم يكن ما هو أكبر.
ومن أهم أخطائه وفضائعه الاستراتيجية والتي لن يغفرها له التاريخ شنه حربه الآثمة والظالمة على الجارة الكبرى اليمن. حيث لم يكن يتوقع وهو يعطي أوامر البدء بالضربة الأولى للحرب في اليمن، أن ما أسماها في حينها «عاصفة الحزم» والتي أراد من خلالها أن تكون سبيله للتتويجٍ بالعرش، ستكون الكابوس الذي يلازمه يؤرِّقُ مضجعه، بل وينهى حلمه في الملك.
وفي هذا الصدد، أشارت مجلة ذي تايمز إلى “أن الوعود بتحقيق نصر عسكري سريع باليمن تبخرت وانتهى مع الوقت، بعدما تحولت الحرب ضد الحوثيين في اليمن إلى مستنقع لن تستطيع الرياض الخروج منه”.
هذا بالإضافة إلى سياسة ابن سلمان الداخلية وتصرفاته التي باتت معروفة للجميع، والتي أصبحت كفيلة بأن تقلب المجتمع السعودي عليه. فقد قام بين ليلة وضحاها في تحويل بنية المجتمع السعودي الذي طالما كان محافظًا ومتدينًا ينتهج نهج الوهابية لعقود طويلة من الزمن إلى مجتمع “منفتح” وبشكل كبير. كما قام بتهميش ما كان يعرف “بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، وأمر بإنشاء هيئة على النقيض منها، وهي “الهيئة العامة للترفيه” والتي تنظم وتشرف على إقامة الحفلات الغنائية والترفيهية، وتتولى نهج الانفتاح الاجتماعي في البلد، بدءًا من افتتاح دور السينما والسماح للنساء بدخول الملاعب الرياضية والاختلاط في الأماكن العامة فضلا عن إحداثه شرخا كبيرا في العائلة الحاكمة من خلال سعيه لتأسيس دولته السلمانية بدلا من السعودية من خلال إقصاء أبناء عمومته ووضع الكثير منهم في السجون بتهم وذرائع متعددة.
وعلى المستوى الخارجي، عكست العديد من المقالات والكتب الصادرة في أمريكا مؤخرا قلقًا أمريكيًا متزايدًا ومخاوفاً لا تنتهي من تهور ومغامرات الأمير المتهور الصغير والذي لا يمكن التنبؤ بنتائجها داخل السعودية وخارجها.
وفي هذا السياق، رأت مجلة “نيوزويك ” أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بات يقف وحيدا على رأس هرم السلطة بالرياض، بعدما خسر ثقة الكثير من الأجهزة التي قد تمكنه من الحكم دون اللجوء إلى استعمال القوة مباشرة بسبب الأخطاء الكثيرة التي يرتكبها، معتبرة أن هذا الوضع غير قابل للاستمرار، ويحمل في طياته تهديدا حقيقيا للمملكة ككيان موحد. وأنه في ظل القمع المستمر، لا يمكن توقع حدوث ثورة بالسعودية قريبا، لكن ما نراه هو تآكل بطيء ومتصاعد لشرعية النظام السعودي من الداخل، وهو ما يمكن أن يطول قبل مرحلة انهيار سريعة وخطيرة “.
من ناحية أخرى ، دعا تقرير لمعهد بروكينغز إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن إلى الضغط على الرياض لإطلاق سراح الأمير المخضرم محمد بن نايف. وجاءت هذه الدعوة في أعقاب إفراج الرياض عن الناشطة السعودية لجين الهذلول وآخرين، بالتزامن مع تولي الرئيس بايدن للسلطة. وقال التقرير “إن بن نايف لم يحتجز لجريمة ارتكبها وإنما لأنه يمثل عقبه لولي العهد محمد بن سلمان في طريقه للملك”. واصفاً بن نايف بأنه “رمز بديل وفعال لولي العهد محمد بن سلمان المتهور والخطير و إن تبني إدارة بايدن لقضية بن نايف قد يكون “خطوة غير عادية”، لكن “يجب،” وفق التقرير، “أن تكون مهمة عاجلة بالنظر لمساهماته الكبيرة في الأمن الأميركي. ولأن حياته في خطر كبير. وكان بن نايف مقربا من الإدارة الأميركية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما ونائبه جو بايدن، بسبب دوره في محاربة تنظيم القاعدة والحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة وفي المملكة بشكل خاص.
وفي إطار عملية الضغوط المستمرة والتي تمارس على النظام السعودي وتهدف لحلب واستدرار مزيداً من المكاسب المالية من هذه البقرة الحلوب تقوم إدارة بايدن حالياً بتنشيط ملف الصحفي السعودي المقتول خاشوقجي وتقديم ملف تحقيق الاستخبارات الوطنية الأميركية إلى الكونغرس ورفع السرية عنه والذي يوجه الاتهام الصريح والواضح لولي العهد محمد بن سلمان بالضلوع في الجريمة. والمثير للانتباه ما ذكرته المتحدثة باسم البيت الأبيض ، جين ساكي ، قبل أيام ” إن الرئيس جو بايدن يعتزم تغيير آلية التواصل الدبلوماسي مع السعودية ليكون مباشرة مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بدلاً من نجله القوي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان “. وهذا مؤشر خطير يشير بأن ” الحصانة الإستثنائية ” التي كان يتمتع بها الأمير الشاب محمد بن سلمان إبان إدارة ترامب قد ولت بلارجعة. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما قدرة القيادة السعودية على الصمود أمام الضغوطات الهائلة التي تمارس عليها من قبل إدارة بايدن هذه الأيام ؟
وأبهى صور هذه الضغوط تجلت في إصدار إدارة بايدن العديد من المواقف خلال الأيام القليلة الماضية دورن التنسيق والتشاور مع الحليف السعودي وأخذ مصالحها بعين الإعتبار وأهمها : إعلان رغبتها إيقاف الحرب على اليمن مع وقف الدعم اللوحستي للسعودية. وتعيين السيد ليندركينغ مبعوثا خاصا لإمريكا إلى اليمن ، ثم إلغاء تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية. وكذلك وقف صفقة بيع الأسلحة للسعودية والإمارات والتي تقدر قيمتها بـ 36 مليار دولار أمريكي فضلا عن استعداد الولايات المتحدة التفاوض مع إيران بشأن عودة البلدين للالتزام بالاتفاق النووي الموقع عام 2015 ، وأخيرا سحب إعلان إدارة ترامب إعادة فرض كل عقوبات الأمم المتحدة على إيران.
ويمكن القول أن الأخطاء االكارثية والمتعاقبة لابن سلمان منذ صعوده ولياً للعهد خلقت حوله حالة من القلق ومخاوف لا تنتهي من سياساته المتهورة على المستوى الداخلي والخارجي مما قد تكلّفه الكثير والكثير. وعليه فإن مصاعبه تتراكم يوماً بعد يوم وأصبح منبوذا على الساحة الدولية وخاصة مع مجيء إدارة بايد التي تسعى إلى تصويب العلاقات الإستراتيجية المتجذرة بين البلدين في إطار التجاهل التام للمتهور محمد بن سلمان الذي أثبت عدم كفاءته على تحمل المسؤولية والبحث عن بديل فعال ترضى عنه أمريكا لقيادة السعودية بعد رحيل الملك سلمان.
وفي الختام، من يقرأ التاريخ يعلم بأن مصير المستبدين والديكتاتوريين أمثال محمد بن سلمان الذي تلطخت يداه بدماء الأبرياء من النساء والأطفال في اليمن على مدار ست سنوات هو آيل ، لا محالة، إلى السقوط المروّع والمحتوم. وما لم يكن الموت الطبيعي هو المخرج للديكتاتور والمستبد الفرد، كما كانت مع فرانكو أو مع الجنرال بينوشيه، ديكتاتور تشيلي، فإن مصيره يتراوح بين القتل أو السجن أو النفي ، وجميعها مآلات يبدو أن بن سلمان على وعي بها. لذا فهو يتشبث بالسلطة ويحكم بلاده بالحديد والنار. كما أنه لا يأمن على نفسه ليس فقط من معارضيه وإنما أيضا من حاشيته ومقربيه.
وسبحان الله «من يزرع الشوك لا يحصُد به عنبًا»! وهذا هو مصير كل مستبد وظالم وهي سنة الله في هذا الكون، وما نراه هذه الأيام هو تآكل بطيء لشرعية نظامه ومملكته والذي ارتكب خلالها أخطاء قاتله لا تغتفر داخليا وخارجيا ستؤدي به حتماً للانهيار.
حفط الله اليمن أرضاً وإنساناً …
عاش اليمن وشعبه الصامد الصابر حراً، أبياً ومنتصراً …