“التحالف” يحتجز النفط في الحديدة.. وسماسرة يحتكرونه في صنعاء.. والمُعاناة تتفاقم
حيروت – متابعات
تشهد العاصمة اليمنية صنعاء أزمةً خانقة في المشتقات النفطية مع توقف معظم محطات التعبئة العاملة، بما فيها التابعة لشركة النفط الحكومية الخاضعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين)، الأمر الذي خلق سلسلة من الأزمات المعيشية، وارتفاعات قياسية في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية.
بالمقابل، هناك توسع مطّرد للسوق السوداء الخاصة بالوقود، التي لا يكاد يمر يوم دون أن تتضاعف نقاط البيع في كل شوارع وأحياء العاصمة، فيما تصطف السيارات والمركبات في طوابير أمام بعض المحطات التي توفر البنزين من فترة لأخرى، وفق نظام توزيع مقنن للوقود، تنفذه شركة النفط، وفق جدول مزمن محدد، فيه عدد المحطات وأسماؤها ومواقعها.
ويلاحظ أتباع نقاط البيع في السوق السوداء سعرًا موحدًا، يختلف من يوم لآخر مع تجاوز سعر الصفيحة الواحدة من البنزين الـ20 لترًا أكثر من 14 ألف ريال، بينما يصل سعرها في محطات التعبئة الرسمية التي تخلو من الوقود نحو 6 آلاف ريال.
هذه الأزمة أعاقت الكثير من الناس عن الذهاب لأعمالهم، وشكّلت عقبة في سير عمل الكثير من المشافي والشركات، وأوقفت الكثير من الحافلات والسيارات التي ركنها ملاكها في أكراج وأحواش البيوت، كما هو حال الشاب أمجد منصور، الذي كان يقود حافلة “باص” والده في شوارع صنعاء لتوفير مصروفه اليومي وتكاليف الجامعة الخاصة، إذ يتركز عمله من جولة عصر جنوبًا حتى جولة عمران شمالًا، لكنه اضطر مؤخرًا إلى التوقف عن العمل بسبب أزمة الوقود.
يتحدث أمجد لـ”خيوط” بالقول، إن الأزمة الحالية تكبدهم خسائر فادحة، إذ بالكاد يتم توفير البنزين، لارتفاع سعره في السوق السوداء، والذي يصل في بعض الفترات إلى 16 ألف ريال للصفيحة الواحدة، مضيفًا: “لا فائدة نجنيها مقابل هذا التعب اليومي، لذا كان عليَّ أن أركن حافلة والدي في حوش البيت إلى أن يتوفر البنزين”.
معاناة انتظار الوقود
يصف أمجد منصور، الذي وقف بسيارته مؤخرًا أمام إحدى محطات التعبئة في شارع الستين غربي صنعاء، معاناة انتظار الوقود في المحطات الرسمية، حيث امتد الطابور من موقع المحطة بداية منطقة السنينة إلى محاذاة بوابة جامعة صنعاء بداية جولة مذبح.
بعد أيام من الانتظار، قد تصل لأكثر من ثلاثة أيام، وبعد توفر الوقود، تلتزم محطة التعبئة بالكمية المحددة من الجهات لكل مركبة، التي تصل إلى صفيحة ونصف من البنزين؛ بما يعادل 30 لترًا.
من جانبه، يقول معاذ الخليدي، سائق حافلة نقل متوسطة الحجم، إن أزمة الوقود أجبرته على تبديل نظام العمل الخاص بالحافلة التي يقودها من بنزين إلى غاز، لكن بمجرد هروبه من عائق البترول يواجه شحة في توفير الغاز الذي يشهد بدوره أزمة لا تختلف كثيرًا عن البنزين.
في سياسة خلق الأزمات في الماضي القريب، كانت المحطات مصدر التمويل الوحيد للوقود، حيث لا تخلو محطة من توفر البنزين، لكن منذ اندلاع الحرب قبل نحو ست سنوات، دخلت معظم المدن والمناطق اليمنية في دوامة الأزمات الاقتصادية التي تركز جزء كبير منها في المشتقات النفطية.
في منتصف العام 2019، بدأت معالم السوق السوداء تظهر للعلن وتبسط نفوذها على الشوارع الرئيسية بعد أن كانت متخفية ومقتصرة على شوارع ومناطق محددة في صنعاء، وذلك في ظل تساهل سلطة أنصار الله (الحوثيين) في التعامل معها، وغض الطرف عن انتشارها الذي عم مختلف شوارع وأحياء العاصمة اليمنية صنعاء.
في هذا الخصوص، يتحدث لـ”خيوط”، مصدر مطلع في وزارة النفط التابعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين)، (فضّل عدم ذكر اسمه)، بالقول: “في بداية الأمر كانت أزمة فعلية بحكم الصراع الدائر في البلاد، والذي تسبب في شل حركة التنقل داخل وبين المدن والمناطق”، لكن كان هناك -وفق حديثه- كميات مخزنة لدى بعض تجار الوقود، عقب حدوث الأزمة بدؤوا في استخدامها وتداولها في السوق السوداء بمبالغ طائلة؛ من هنا بدأت عملية التحكم في تجارة الوقود واختلاق الأزمات وانتشار السوق السوداء. ويضيف أن مالكي المحطات الخاصة يقومون بتشغيل عمال بأجر يومي لبيع البنزين في السوق السوداء، وهو ما يلاحظ حاليًّا بشكل كبير دون أي إجراءات متخذة من قبل حكومة صنعاء، وهو ما يجعلها في موضع شكوك في التساهل مع هذا الاستغلال الحاصل.
وعلى الرغم من أن هناك محطات تعبئة تتبع وزارة النفط، والتي ما زال لها أثر في توفير البترول بشكل أسبوعي أو شهري، وبمبلغ 5900 ريال للصفيحة الواحدة الـ20 لترًا، لكن وفق هذا المصدر، فإن تجارًا نافذين في الوزارة يحترفون صنع الأزمات لصالحهم واستغلال الأوضاع الراهنة في تكوين ثروات هائلة على حساب زيادة معاناة المواطنين.
بما أن مالكي المحطات كان لهم الدور الأكبر في صنع الأزمات، وجد الكثير من المواطنين أن هناك ثغرة لا بد من العبور خلالها لجلب المال، في ظل صمت وتساهل حكومة صنعاء، اتبع هؤلاء المواطنون سياسة التجار، ولكن بطريقة أخرى. وقفوا في طوابير المحطات، وحصلوا على كميات من البنزين، ومن ثم العمل على بيعه في السوق السوداء، فاجتمع سماسرة المحطات والمواطنين والمهربين، لتزدحم شوارع العاصمة اليمنية بنقاط بيع السوق السوداء.
مغامرات لكسب المال
العائد الطائل الذي يعود من بيع الوقود في السوق السوداء، دفع بالكثير من المواطنين إلى المغامرة واحتراف تجارته، من هؤلاء صادق أحمد، الذي يعمل في نقطة بيع سوق سوداء في شارع الستين الغربي بصنعاء، إذ يوضح طريقة حصوله على البنزين، بالقول: “لم يكن من السهل أن نحصل على البترول، لقد اجتزنا المناطق الوعرة والجبال في محافظة الجوف، وخاطرنا بحياتنا في نقاط التماس بين الأطراف المتصارعة، حيث إن في مداخل وجبال مأرب هناك موزعين نتعامل معهم سرًّا، لشراء البنزين”.
ويقول إن الصفيحة الواحدة تكلفهم نحو 6 آلاف ريال يمني، إضافة إلى تكاليف أخرى بسبب الضرائب التي يتم دفعها وصعوبة الطريق والتنقل حتى الوصول إلى صنعاء، الأمر الذي يرفع تكاليف الصفيحة الواحدة إلى حوالي 8 آلاف ريال.
أزمة شاملة
لم يكن البنزين وحده من يحتكره التجار ومالكو المحطات، فهناك غاز الطبخ المنزلي، الغاز أصبح هو الآخر مشكلة كبيرة تعاني منها الكثير من الأسر، وبالتحديد من يمتلكون أسطوانة غاز واحدة فقط.
المواطن منير الحاج من سكان صنعاء، ويعمل في مصنع للبلوك (نوع من أحجار البناء المنتجة من الأسمنت) يقول إن أكبر مشكلة واجهته منذ أن أقدم على الزواج قبل نحو عام، تتمثل في توفير الاحتياجات المعيشية اليومية، خصوصًا أسطوانة غاز الطبخ، إذ يضطر لجلبها من السوق السوداء بمبلغ يصل إلى نحو 9 آلاف ريال، وهو مبلغ كبير بالنظر إلى دخله المحدود.
بدوره، يتحدث أحد سكان حي الطيارين في الستين غربي صنعاء، عن معاناتهم مع عقال الحارات الموكل لهم من قبل الجهات المختصة توزيع غاز الطبخ المنزلي لسكان العاصمة صنعاء، بالقول: “إن عاقل الحارة خلال كل أسبوعين يقوم بتسجيل أسطوانات الغاز لنصف سكان الحارة والأسبوعين الآخرين للنصف الآخر، وهذا ليس بعدل عندما نلاحظ أن لكل حارة عددًا محددًا من أسطوانات الغاز حسب الكثافة السكانية وتعداد الأسر، كما هو متفق عليه في الإدارة المحلية لكافة المديريات في العاصمة”.
بالنسبة للحي الذي يقطنه، يضيف أن حاجته من الغاز لا تزيد عن 200 أسطوانة كل أسبوعين، وهذا عدد كافٍ لتغطية كافة أسر الحي لو التزم عاقل الحارة بذلك، لكن عقب كل تسجيل -حسب تأكيدات هذا المواطن- يلاحظ أن هناك 100 أسطوانة غاز فقط خلال الأسبوعين لنصف الحارة، والنصف الآخر يحتكرها عاقل الحارة لبيعها لبعض القطاعات الأخرى، مثل المطاعم بمبلغ مضاعف لجني المزيد من المال، وهذا إجحاف وعدم التزام بالمسؤولية، إذ يصل سعر الأسطوانة في السوق السوداء نحو 9 آلاف ريال.
تأتي هذه الأزمة بالتوازي مع احتجاز التحالف السعودي لسفن النفط في ميناء الحديدة لفترة طويلة، وهو الأمر الذي جعلها أزمة مضاعفة، ما أعاق الكثير من الأعمال، وعطّل حياة الناس.