عسكرة المطارات: الإمارات تحول مطار الريان اليمني إلى قاعدة عسكرية
حيروت – متابعات
تظهر صور الأقمار الصناعية عبر جوجل إيرث أن الإمارات العربية المتحدة، الشريك الرئيسي في التحالف العربي بقيادة السعودية لدعم الشرعية اليمنية، قد حولت مطار الريان المدني في المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، إلى قاعدة عسكرية خاصة تطل على البحر العربي، شرق اليمن.
وكانت الإمارات العربية المتحدة قد أعلنت في أكتوبر 2019 البدء بسحب قواتها من عدن وتسليم المدينة التي تتخذها الحكومة اليمنية عاصمة مؤقتة للقوات السعودية.
في 25 نوفمبر من العام نفسه قالت إنها سلمت مطار الريان للخطوط الجوية اليمنية، وشغلت رحلة واحدة فقط إلى المطار، ثم أعيد إغلاق المطار البالغ طوله نحو 9 كيلو مترات وعرضه 2 كيلو متر.
وفي يوم الأحد 9 فبراير 2020 احتفلت الإمارات بما قالت عنه عودة قواتها المشاركة في حرب اليمن، وأعلنت تحولها إلى إستراتيجية جديدة في الأراضي اليمنية، فهم حينها أن تلك الاستراتيجية تعتمد على تدريب وتمويل قوات الأحزمة الأمنية التي صارت تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
وفي 25 فبراير 2021م، قالت مصادر متطابقة إن القوات الإماراتية غادرت معسكر العلم في محافظة شبوة واتجهت إلى مطار الريان في حضرموت للمغادرة إلى الإمارات.
قبلها بأيام وتحديدًا في 18 فبراير 2021 قالت وكالة الأسوشيتد برس إن صورًا للأقمار الصناعية أظهرت تفكيك القوات الإماراتية أجزاء من قاعدتها العسكرية في ميناء عصب الإرتيري، وهي القاعدة التي كانت نتاج مشاورات ثنائية بين البلدين، وكان يفترض أن تمتد لـ 30 عامًا وفقًا لما نشرته “الأسوشيتيد برس”.
وأكدت الوكالة الدولية أن تفكيك دولة الإمارات لقاعدتها بإريتريا يثير الكثير من التساؤلات حول هذه الخطوة والسياقات المتعلقة بها، وعادت لتقول على لسان رايان بوهل، المحلل في شركة ستراتفور للإستخبارات الخاصة إن ما حدث لا يعدو كونه إعادة انتشار وتموضع للقوات.
وقال بوهل إنه وفق تسريبات الاتفاق بين أسمرة وأبوظبي عام 2015م تم تأجير الأرض التي أقيمت عليها القاعدة لمدة 30 عامًا مقابل 150 مليون دولار، ما يرى أنه يعني استمرارية الوجود الإماراتي لقرابة 20 عاماً قادمة.
إلى أين تتجه إذًا؟
مالم يقله أحد حتى اللحظة إنه ومنذ سيطرة القوات الإماراتية المشاركة في تحالف دعم الشرعية اليمنية على مطار الريان في العام 2016م قد شرعت وبصمت بإنشاء قاعدة عسكرية كبيرة تطل على مياه خليج عدن والبحر العربي.
ما تقوم به الإمارات من بناء واستحداثات في المطار ليس له أي تبرير قانوني ولا يتم بموجب اتفاقية ثنائية بين البلدين ولم يتم تمرير أية اتفاقية من هذا القبيل بين البلدين.
يقول أحمد ماهر الذي عمل مستشارًا لوزير النقل السابق، صالح الجبواني في حديثه: “لا يوجد أي اتفاقية، والإمارات أخذت المنشآت الحكومية (بلحاف الغازية ومطار الريان) بالقوة واتخذتها قواعد عسكرية وتمنع الدولة من الاستفادة منها، مثل بلحاف الغازية”، كما نقل “المشاهد”
أما عماد الديني رئيس منظمة “مراقبون” الإعلامية ورئيس تحرير صحيفة أخبار حضرموت المقرب من محافظ حضرموت، فرج البحسني فقد اعتذر عن الرد على الاستفسارات بهذا الخصوص.
بدوره تجاهل وكيل محافظة حضرموت للشؤون الفنية، أمين بارزيق، الرد على الاستفسار حول مطار الريان.
عرض تسليم صوري
في 25 نوفمبر 2019 استقدمت الإمارات نائب رئيس الوزراء في الحكومة الشرعية الدكتور سالم الخنبشي، وكان حينها أيضًا قائمًا بأعمال وزير النقل للقيام بدور تسلم مطار الريان رسميًا.
أقامت الإمارات لذلك حفلًا واستعراضًا فنيًا لكن الخنبشي الذي كان يتسلم المطار للتو، فيما يعتبر حدثًا رسميًا يلغي أي حديث عن اتفاق يمني إماراتي يمنح الإمارات مطار الريان لبناء قاعدة عسكرية، فقد كان نائب رئيس الوزراء يتمنى في كلمته من الأشقاء في التحالف العربي وخاصة دولتي السعودية والإمارات العربية المتحدة إعادة نشاط شركات الطيران وتسيير الرحلات إلى مطارات بلادنا بصورة مستمرة.
فيديو الافتتاح
ما الذي تخفيه الصورة؟
بعد إقالة رئيس الوزراء الأسبق، خالد محفوظ بحاح من منصبه عاد الرجل في العام 2017 بطائرة إماراتية خاصة إلى مطار الريان، وكان في استقباله في المطار قائد القوات الإماراتية، ووزع المكتب الإعلامي الإماراتي نفسه صورة على وسائل الإعلام لعملية الاستقبال.
إلا أن الصورة الموزعة على وسائل الإعلام من الجانب الإماراتي تظهر تضليل أطرافها بالكامل خشية اكتشاف ما تقوم به في حرم المطار من استحداثات عسكرية كانت جارية على قدم وساق وفق ما نشر في العربي الجديد.
قاعدة الريان العسكرية المغلقة
تكشف الصور الملتقطة لمطار الريان عبر جوجل إيرث أن الإمارات ومنذ سيطرتها على المطار المدني شرعت بإجراءات غير قانونية ومن جانب واحد على الأرض طوال أربع سنوات، أحالت بموجبها مطارًا مدنيًا إلى قاعدة عسكرية فريدة، ما يفسر المماطلة المستمرة من الجانب الإماراتي لتسليم المطار.
وجد معد التحقيق وفقًا لخاصية التتبع الزمني التي يقدمها جوجل إيرث أن القوات الإماراتية التي وضعت يديها على مطار الريان أسست قاعدة عسكرية عملت على إنشائها بين منتصف 2016 وحتى نهاية العام الماضي.
تضم القاعدة العسكرية 11موقعًا لثكنات عسكرية وحظائر طائرات مروحية ومسيرة وسجون، تتربع على الأجزاء الجنوبية والغربية والشمالية الغربية للمطار الذي تبلغ مساحته كاملة بما فيها الأجزاء التي ظلت كحرم للمطار نحو 9 كيلو مترات طولاً و2 كيلو عرضًا.
البداية جنوب مدرج المطار
تكشف خاصية التتبع الزمني عبر جوجل إيرث أن الإمارات شرعت في يوليو 2016 باستحداث 3 مواقع عسكرية لقواتها جنوب مدرج مطار الريان كما هو محدد بـ (بالمواقع 1و 2 و3) في صور الخرائط المضمنة في هذا التقرير، لكن هذه المواقع ظلت صغيرة الحجم وبسيطة حتى نهاية العام 2016 م وكانت تتخذ من مدرج المطار قاعدة لمروحياتها وموقفًا للمدرعات؛ لكن تلك الاستحداثات كانت بطيئة ودون مستوى طموح السيطرة كما يبدو، ليحدث تطورًا لافتًا ونقلة كبيرة في استحداث وتجهيز المواقع في السنوات اللاحقة كما يبين التحقيق.
اللسان الذي ابتلع المطار
تتشكل الألسن البحرية في السواحل نتيجة عوامل طبيعية متعلقة بتيارات الرياح والأمواج البحرية لكن البشر يتدخلون أيضًا لصنع ألسن بحرية في السواحل الرملية التي لا يوجد فيها ألسن طبيعية، متى ما دعت الحاجة إلى وجود هذ اللسان، وفي سنة 1996 قامت الحكومة اليمنية بإنشاء لسان بحري في جزيرة سقطرى ليكون بمثابة ميناء للجزيرة، لكن هذا اللسان الذي كانت تستقبل سقطرى عبره البضائع التجارية والمواد الغذائية، هو الآخر تسيطر عليه حاليًا القوات الإماراتية منذ يونيو 2020.
وحين وجدت القوات الإماراتية نفسها مسيطرة على مطار الريان وأن تحركها عبر أي ميناء آخر سيجعل كل تحركاتها مكشوفة، فقررت بناء لسان بحري لمطار الريان ليحلوا لها فعل ما تريد دون أن يراها أحد.
وفي شهر نوفمبر 2016م وفقًا لما تظهره خاصية التتبع الزمني أطل مشروع اللسان البحري ممتدًا في مياه البحر العربي بطول 214 مترًا وعرض 17 مترًا، حسب تقديرات قياس المسافات على خرائط جوجل؛ لتبدأ المدرعات والمعدات الثقيلة التابعة للقوات الإماراتية الوصول إلى مطار الريان حيث تتوقف الناقلات البحرية العسكرية ويتم إفراغ حمولتها إلى المطار من خلال اللسان وبدأت بوتيرة عالية عملية بناء المواقع والثكنات العسكرية بعيدًا عن أعين الجميع، لكن خاصية التصوير الزمني لجوجل إيرث عبر الأقمار الصناعية كانت توثق كل ذلك.
التوسع الأكبر وابتلاع المطار
بعد بناء اللسان البحري وجاهزيته في نهاية العام 2016 توسعت المواقع العسكرية جنوب مدرج مطار الريان إلى 11 موقعًا وثكنة عسكرية وعدد من مواقع البطاريات المضادة للصواريخ ومواقع الرادار كما تظهر صور جوجل إيرث على سبيل المثال “الموقع رقم 2 جنوب مدرج المطار وكيف كان قبل استحداث اللسان البحري في يناير 2016 وكيف صار بعد استحداث اللسان في فبراير 2017”.
وفي أكتوبر 2018 يظهر الموقع رقم 2، الاستحداثات العسكرية التي جرت في الموقع، وفي العام 2020 يظهر أن القوات التي تسيطر على الموقع قد شقت طريقًا جديدًا جنوب المطار.
ثكنات وحظائر
حتى يناير 2016 كانت مساحة غرب صالة المطار وشمال المدرج تحديدًا، مساحة ترابية خالية من أي استحداثات، ومع البدء بتشغيل اللسان البحري في منتصف العام نفسه بدأت تظهر أعمال إنشاء الحضائر وأخذت في التوسع خلال الفترة اللاحقة حتى صار في المكان “3 ثكنات كبيرة تضم الكثير من الحظائر، عنابر الجند، ساحات التدريب وملعب كرة قدم وكل ثكنة لها سور خاص بها وبوابة مستقلة”.
وفي الفترة ذاتها وحتى أكتوبر 2018 وغرب الثكنات الثلاث المشار إليها، بدأت القوات الإماراتية بإنشاء 6 حظائر عسكرية كبيرة لطائراتها ومدرعاتها وكانت قبل ذلك قد نصبت هذه الحظائر في نهاية مدرج المطار من الجهة الغربية قبل أن تقوم بإزالتها ونقلها إلى هذا المكان.
حظائر “الاسكا”
قامت القوات الإماراتية بنصب حظائر عسكرية أمريكية الصنع المعروفة “الاسكا”، هذا النوع من الحظائر سهلة التفكيك والتركيب ويسهل نقل موقعها عند الحاجة، ويتحمل مختلف الظروف الجوية لمدة 20 عامًا، حسب موقع الشركة المصنعة، وتقدم هذه الحظائر مستوى حماية كبيرة لطائرات الهليكوبتر والطائرات ذات الأجنحة الثابتة والطائرات بدون طيار ومعدات المطارات التي تعمل في البيئات النائية والقاسية حول العالم ويستخدمها الجيش الأمريكي وتتسع لطائرات لوكهيد سي – 130 هرقل التي يملكها الجيش الإماراتي.
ورش صيانة وسجون
في الجهة الغربية نهاية مدرج الهبوط والإقلاع وبمحاذة اللسان البحري الذي أنشأته، بنت القوات الإماراتية شجرة من الهناجر والمخازن ورصفت ما بينها وهناك تتجمع العشرات من الآليات والسيارات العسكرية والكونتينرات التي يعتقد أنها تستخدمها كسجون، وقد وثقت منظمة العفو الدولية في 12 يوليو 2018 استخدام القوات الإماراتية للكونتينرات كسجون في مقرها في عدن ويمكن مشاهدة ذلك من خلال الخارطة بكل سهولة.
كما رصدت وكالة الأسوشيتدبرس في 23 يوينو 2017 عبر فريقها في اليمن ما يجري في السجون الإمارتية السرية في حاويات الشحن في الريان وعدن وغيرها.
* رابط جميع صور الأقمار الصناعية لمرافق القاعدة الإماراتية
فاروق الكمالي