عندما تتحوّل المُتنفسات إلى مكب للنفايات ونشر الأوبئة: من يحاسب من في عدن؟
حيروت – متابعات
يشعر المواطن إبراهيم ماطر بالأسى من تحول مفاجئ لمتنفس طبيعي إلى مكب للنفايات في منطقة حيوية مأهولة بالسكان وسط مدينة عدن، التي كانت من المحافظات التي يحتذى بها في الاهتمام بالحدائق والأماكن والمتنفسات الطبيعية.
يضيف إبراهيم، وهو من سكان منطقة الشيخ عثمان، قائلًا: “بين ليلة وضحاها نشاهد الجمال وقد تحول إلى بشاعة مؤذية”. بهذه الجملة وصّف ماطر واقع حديقة النور والتي تحولت بطريقة دراماتيكية عجيبة إلى مكب للنفايات في وسط منطقة تكتظ بالسكان.
فبعد قص الأشجار وردم النافورة وغزو الأسفلت، تحولت الحديقة الغناء، التي كانت بجوار مسجد النور التاريخي، إلى منطقة موبوءة فيها الحشرات والجراثيم والنفايات وبقايا الطعام.
ويشير الحاج حسن شيبان، الذي يسكن بالقرب من مسجد النور بمنطقة الشيخ عثمان شمال عدن، أن حديقة النور كانت منذ زمن بعيد ملتقى لبعض المثقفين القاطنين في مدينة الشيخ عثمان، وكانت الحديقة تزهو بأشجارها الكثيفة وبمطعمها الداخلي، بالإضافة إلى نافورة الماء، التي كانت العصافير تشرب منها، آمنة بين الأشجار والمياه، وكانت حديقة النور أحد آخر أشكال الحدائق والبساتين، التي اشتهرت بها قديمًا مدينة الشيخ عثمان.
وقد أضاف قائلًا: “الأشجار مصنع أوكسجين طبيعي، تأخذ ثاني أكسيد الكربون وتطرح الأوكسجين”، وعلى الصعيد نفسه علق الأستاذ سمير أحمد بأن الأشجار هي من أهم الوسائل التي تحقق التوازن البيئي وتعمل على تثبيت التربة، وإن بعض أنواعها يستطيع القضاء على الجراثيم والفيروسات بما تفرزها من مواد.
بداية المشكلة
ارتأى بعض المسؤولين في بناء الطرقات، قبل أكثر من عشر سنوات، إحداث تغيير في شكل مدينة الشيخ عثمان، واتفقوا على ردم حديقة النور لوضع مساحة الحديقة لباركينغ خاص للسيارات، من أجل تخفيف زحمة المرور، التي ازدادت في تلك الآونة، فجاءت آلات تقطيع جذوع الأشجار والحراثات، ومن ثم جاء الأسفلت محمولًا في عدة مواد كيميائية، كالكربون والهيدروجين والسلفر ومادة القير فوق طبقة من الحصى العادي والمتكسر والرمل، حتى تستطيع الدكاكات تسوية الأرضية الزراعية السابقة بأرضية أسفلت.
وتحولت مساحة حديقة النور، لأرض جرداء تصطف فيها سيارات بعض المواطنين الساكنين في تلك المنطقة، إذ يعمد بعض المواطنين وملاك المحلات المجاورة إلى رمي مخلفاتهم ونفاياتهم في وسط مساحة الباركينغ المخصصة للسيارات، وهنا بدأت المشكلة في تحول مكان وضع المساحة المخصصة للسيارات إلى موقع لوضع النفايات فقط.
بحسب دراسات متعددة في الجانب البيئي، فإن الضرورة تقتضي المحافظة على المساحات الخضراء في المناطق المأهولة بالسكان، فتُعد المساحات الخضراء من أهم العوامل الإيجابية والصحية التي تحسن من الصحة النفسية والعقلية والذهنية للإنسان.
وتُعد أيضًا شكلًا جماليًّا للطبيعة، لكن في الشيخ عثمان حدث العكس، فبعد أن ردمت المساحة الخضراء بالأسفلت، تحولت هذه المساحة إلى مكب للنفايات تتجمع فيها الكثير من الأوبئة والأمراض وروائح التعفن والقذارات.
تصاعد الأدخنة
يشكو إبراهيم محمد الذي يسكن بالقرب من حديقة النور، من تصاعد الأدخنة الضارة ووصولها إلى المنازل المحيطة بالموقع، بسبب حرق النفايات بشكل يومي تقريبًا، هذه الحرائق، وفق مختصين وخبراء، تحمل غازات الميثان وثاني أكسيد الكربون، وتؤثر تأثيرًا كبيرًا على صحة السكان، بحسب “خيوط”.
فقد أوضح الدكتور جلال محمد ناصر، متخصص في الطب العام، خطورة هذه الغازات على حياة المواطنين، قائلًا: “إن حرائق النفايات تحمل أضرارًا كبيرة على المدى المتوسط، كأمراض الربو و”الاستما” والتحسس والتسمم”.
أما على المدى البعيد فأضرارها تصل إلى مدى خطير وقد تؤدي إلى أورام السرطان. ومن الخطأ الكبير -كما ذكر الدكتور جلال- أن تكون النفايات في وسط منطقة مأهولة بالسكان.
في الوقت نفسه، يشكو عبدالله أمين، وهو أحد مشرفي بلدية الشيخ عثمان من استهتار بعض المواطنين وأغلب ملاك المحلات، إذ يؤكد أنه من المحزن أن تكون درجة وعي الناس بالنظافة والصحة ضئيلة، إلى حدود قصوى، مشيرًا إلى أن بعض المواطنين يتحملون الجزء الأكبر من المشكلة بسبب ما يقومون به من رمي النفايات في هذه الأماكن التي تعد متنفسات طبيعية، ينبغي عدم المساس بها وتلويثها.
ويقوم عمال النظافة بتنظيفها مرتين على الأقل في اليوم الواحد، لكن هذا لا يظهر، بسبب العودة السريعة لرمي النفايات في المكان ذاته.