هل يخطّط الأميركيون للتّغيير الناعم في الخليج؟ بقلم/ وفاء العم
بقلم/ وفاء العم
علامَ تقايض واشنطن الخليج عموماً، والسعودية خصوصاً؟ أي مقايضة توازي حجم مستقبل ولي العهد الشاب؟ ما هي الإشارات التي ترسلها؟
الخليج ليس في أحسن أحواله، وهو يشهد حالةً من الحيرة والقلق منذ أن فتح الرئيس الأميركي جو بايدن ملف مقتل الصحافي جمال خاشقجي من جديد، وسمح بنشر تقرير الاستخبارات الأميركية الَّذي يفترض موافقة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على عملية القتل، ناهيك بإعلان العقوبات بحقّ كلّ من ساهم فيها.
صحيح أنَّ العقوبات لم تطل ولي العهد السعودي مباشرة، غير أنّ وضعه في واجهة مشهد عمليّة القتل من جديد يحشر المملكة في الزاوية خارج أطر العلاقة المرسومة منذ زمن بين البلدين، والتي تقوم على الحثّ والضغط من دون المساس مباشرة بالقيادات العليا.
وصحيح أيضاً أنَّ الرياض كانت تتحضّر لهذه المرحلة، إلا أنها لم تتوقع أن يذهب الأميركي إلى توجيه الاتهام مباشرة إلى الحاكم الفعليّ للمملكة، ما أعطى مؤشراً غير مريح للخليجيين بأنَّ القادم ليس أفضل، وأن الملفات الحقوقية والسياسية مطروحة على طاولة الأميركيين.
ربما أفرجت المملكة عن عددٍ من المعتقلين استباقاً، ولكن يبدو أنّ ذلك لم يكن كافياً، ما يطرح عدة أسئلة: علامَ تقايض واشنطن الخليج عموماً، والسعودية خصوصاً؟ أي مقايضة توازي حجم مستقبل ولي العهد الشاب؟ ما هي الإشارات التي ترسلها؟ وأي تنازلات تريد؟ وكيف ينظر الخليج إلى ذلك؟
يمكن استقراء المشهد من خلال بعد إقليميّ ينطلق من ملفّين رئيسيين؛ الأول يتمثّل بالحرب الطاحنة على اليمن، والتي وعد بايدن بإنهاء الدعم الأميركي لها، وهي تعد المأزق السعودي الأكبر، ذلك أنها لم تحقق إنجازات عسكرية مهمة، والتفاوض مع جماعة “أنصار الله”، وفي المعادلة الحالية، يعني ذلك سيطرة الأخيرة على المشهد السياسي والعسكري اليمني، ما يعني خليجياً فرض النفوذ الإيراني في الجنوب السعودي كأمر واقع، وخصوصاً بعد رفع الحركة من قائمة العقوبات الأميركية.
أما الملف الثاني، فهو ملفّ التفاوض مع إيران، والّذي يشكّل فيه الخليج و”إسرائيل” جبهة ثنائيّة رافضة لعودة العمل بالاتفاق النوويّ، قد تضع العصي في دواليب التفاوض الأميركيّ الإيراني، ما يضع احتمال المحاولة الأميركية لتحييد الخليج بعين الاعتبار. باختصار، ما يراد هو التفاوض مع إيران من دون منغّصات عبر تحجيم السعودية.
من جانب آخر، يقوم بايدن بمعاملة السعودية باعتبارها “منبوذة”، بسبب الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، كما وعد تماماً، فهل هي رغبة أميركية برعاية تغيير ما في السعودية – الكبرى خليجياً – ما يعني تمدّد هذا التغيير إلى المحيط أيضا؟ وهل هو التغيير الناعم؟ وما حجمه وشكله؟
في الحقيقة، تشير إدارة بايدن بقوة إلى أنَّها تهدف إلى إعطاء الأولوية لاستعادة العلاقات القوية مع الحلفاء الأوروبيين، إضافة إلى التحول نحو آسيا، في محاولة لمواجهة الصين. كما ينقل عن هذه الإدارة أنَّ هناك قناعة لديها بأنَّ الاستدارة نحو الشرق وترك المنطقة لنفسها، كما فعل أوباما، أمر غير صحيح، وينقل عن بايدن قوله: “انظروا ماذا فعلوا!”، في إشارة إلى الخليجيين.
وبالتالي، إنَّ استهداف شخصية بحجم ولي العهد السعودي يبدو رسالة أميركية، مفادها إما التغيير الناعم وإما التهميش والمزيد من الضغط. وعندما تأتي رسالة بهذه القوة إلى دولة بحجم السّعودية، فإنّ أصداءها تصل إلى آذان الجيران في الخليج، وخصوصاً من يواجه منهم أزمة سياسيّة، من مثل البحرين، لتكون جرس إنذار لبقيّة الدول بأنَّ استمرار الاستبداد في شكله الحالي لم يعد ممكناً، ما يثير تساؤلاً: هل تسعى إدارة بايدن إلى تغيير قد يطال ولاية العهد في السعودية أو إلى تغييرات جوهرية في الخليج؟
في المعطيات الحالية في السّعوديّة، يبدو ذلك صعباً، إذ جرى تهميش كل قيادات الجيل الأول، كما جرت إعادة هيكلة شكل السلطة بولاءات جديدة، ما يفسّر إحجام بايدن عن فرض عقوبات على الأمير محمد بن سلمان، ولكن هذا لا يعني اللاتغيير عموماً، بل ربما انتهاج سياسة تعرف بـ”التغيير الآمن”، عبر ممارسة الضغوط القصوى من أجل إعطاء المزيد من الحقوق السياسية، وإجراء إصلاحات حقيقيّة على مستوى حقوق الإنسان، من دون المساس بجوهر الأنظمة، للحيلولة دون وقوع الفوضى، كما جرى في العديد من الدول العربية، كما أنَّ هذه الدول ما زالت قادرة على تحقيق المصالح الأميركية في المنطقة.
وسط كلّ ذلك، يعيش الخليج قلقه منتظراً ما سيأتي في ما بعد!