مقالات

العلاقات الأميركية السعودية في الميزان بعد ظهور التقرير الاستخباراتي الأميركي بقلم/ فوزي بن حديد

بقلم/ فوزي بن حديد

يبدو أنّ الإدارة الأميركية الجديدة انتهجت نهجاً مخالفاً كليّاً لإدارة ترامب السابقة، فلئن كان الرئيس الأميركي السابق قد اتبع سياسة الدعم الكامل للسعودية وما تقوم به من تغييرات جوهريّة في السياسة الداخلية وفي التعامل مع المعارضين والنشطاء السياسيين والمفكرين والعلماء، فإن إدارة الرئيس بايدن، كما يبدو، ستتبع سياسة المراقبة والمحاسبة، مع عدم الإخلال بالعلاقات السعودية الأميركية. وقد بدأت مواقفها تظهر من خلال تقرير الاستخبارات الأميركية الذي جاء بعد تأنٍّ ودراسة عميقة للعلاقات السعودية الأميركية خلال فترة رئاسة الرئيس السابق دونالد ترامب.

وفي ضوء هذا التقرير الذي بدأت تتكشف ملامحه للرأي العام العالمي، فإن المملكة العربية السعودية ستكون أمام واقع جديد ومختلف عن ذاك الذي كانت تعيشه أيام ترامب. وقد بدأت خيوط الجريمة البشعة التي ارتكبها سعوديون في القنصلية السعودية في إسطنبول تظهر للعيان واضحة كوضوح الشمس.

لذلك، أكدت الإدارة الجديدة برئاسة جو بايدن أنها سوف تعيد دراسة هذه العلاقات من جديد، ويبدو أنها لن تتعامل مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأي حال من الأحوال، وهي تعتبره مُذنباً في هذه الجريمة، لأنه صرح أكثر من مرة أن جمال خاشقجي يمثل تهديداً للسعودية وأمنها، ومن ثم لا بد من التخلص منه بأي طريقة.

وقد جاءت الطريقة المناسبة، في نظره، في أن يتم قتله وتقطيعه في قنصلية المملكة في إسطنبول، لكن سرعان ما تكشّفت الجريمة للرأي العام العالمي، وأظهرت تركيا خيوطها عبر وسائل إعلامها. لذلك، حدثت القطيعة بعدها بينها وبين السعودية، وصارت الأخيرة تهاجمها من موقع الحدث، وتعتبرها دولة معادية، حتى إنها حرمت مواطنيها من السفر إليها.

ومنذ ذلك الوقت، كان الأمير محمد بن سلمان يتوارى خلف ترامب، باعتباره الضامن الوحيد الذي يحول دون محاكمته أو توجيه التهمة إليه، ولكن اليوم بعد الاتصال الذي حدث بين الرئيس الأميركي جو بايدن وملك السعودية سلمان بن عبد العزيز، قد يتغير المشهد في هذه الجريمة وتفتح ملفاتها من جديد، بل وربما تتبعها ملفات أخرى لها علاقة بحقوق الإنسان، سواء في الداخل السعودي عبر انتهاكات خطيرة قام بها الأمير محمد بن سلمان وجهازه الأمني بحق شخصيات مرموقة على مستوى العالم ولها تأثيرها العالمي، كالمفكر الكبير سلمان العودة وغيره الكثير من الشخصيات والعلماء الذين تعرضوا للتعنيف، ومنهم من مات تحت التعذيب، أو في الخارج، من خلال الحرب القذرة على اليمن التي أكلت الأخضر واليابس، وأفقرت شعباً بأكمله كان يوماً ما ينعم بالأمن والأمان.

كل الاحتمالات واردة الآن بعد صدور هذا التقرير الاستخباراتي وتحميل ولي العهد السعودي المسؤولية الكبيرة في قتل الصحافي السعودي الأميركي جمال خاشقجي، وافتعال أزمة في الداخل والخارج، وانتهاج أسلوب عنيف مع شخصيات معارضة، سواء كانت سياسية أو ناشطة مجتمعياً، وأولها إنهاء دور الأمير محمد بن سلمان وليّاً للعهد، وإبطال هذا القرار الملكي، والطلب من الملك السعودي أن يغير ولي عهده، وليس مستبعداً أن يكون الأمير أحمد بن عبد العزيز الذي تعرّض أيضاً لمضايقات كبيرة من الأمير محمد بن سلمان.

سوف يكون هذا القرار صدمة كبيرة في المملكة العربية السعودية، وخصوصاً لأولئك الذي هللوا للأمير محمد بن سلمان وطبّلوا له طويلاً عندما كان يزهو بقراراته الجديدة ويتلقى الدعم الكبير من ترامب وحاشيته كوشنير وبومبيو وغيرهما، وربما يكون في الوقت نفسه مفاجأة كبيرة ونصراً كبيراً للحوثيين الذين يعتبرونه العدو اللدود لليمن.

وثاني الاحتمالات، إذا تم التحقق من التهمة الموجهة إلى الأمير محمد بن سلمان، وهي الإذن بقتل الصحافي جمال خاشقجي والتخلص منه، ما يعني أنه مذنب أو متهم لدى القضاء الأميركي، وبالتالي يمكن تتبّعه قضائياً، لأنه صار مطلوباً للعدالة.

من هنا، فإن القضاء التركي قد يطالب السعودية بتسليم الأمير محمد بن سلمان لمقاضاته في تركيا، وقد تحوّل الجهات المعنية القضية إلى محكمة الجنايات الدولية التي تنظر في مثل هذه القضايا، وتتبعها قضايا أخرى تعزز ملفه، مثل قضية قتل المدنيين في اليمن، وجرائم الحرب ضد الإنسانية، وانتهاك حقوق الإنسان، وغيرها من التهم التي ستُنسب إليه.

وثالث الاحتمالات أن تتصرف الولايات المتحدة الأميركية بناء على هذا التقرير، فتصدر بيانات متتالية حول علاقتها بالسعودية وما يمكن أن يتغير في سياستها تجاه هذا البلد، من خلال محاكمة كل الذين شاركوا في هذه الجريمة، رغم أن القضاء السعودي أصدر سابقاً أحكاماً على المجرمين الذي باشروا عملية القتل، ولكنها لم تف بالغرض المطلوب، وتعتبرها جهات دولية أحكاماً ناقصة من الناحية الإجرائية والقانونية. لذلك، سوف يتم إعداد قائمة بالمطلوبين السعوديين لتتم محاكمتهم خارج السعودية.

وربما تطالب الولايات المتحدة الأميركية أيضاً بملفات أخرى سابقة غضّت الإدارة السابقة الطرف عنها، كملف ضحايا الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، الذين يطالب أهلهم السعودية بتعويضات كبيرة، ولكن رغم المطالبات المؤلمة التي ستُقدم عليها الإدارة الأميركية، ووضع السعودية في موقف حرج أمام العالم، فإنّ العلاقات الأميركية السعودية ستبقى على الأرجح قويّة ومتينة للغاية، رغم ما يكتنفها من إجراءات جديدة قد تغيّر سياسات المملكة العربية السعودية الداخلية والخارجية، وخصوصاً ما يتعلق منها باليمن والمسؤولية الجنائية في مقتل الصحافي السعودي في إسطنبول، وسيبقى التعامل على مستوى الرئيس والملك دون التعامل مع ولي العهد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى