على خلفية منع الاختلاط… جامعية تعلّق: طيب والفضاء الإلكتروني المفتوح على مصراعيه؛ هل سنقسمه قسمين؟!
بقلم/ عبدالرحمن بجاش
سنعود من جديد إلى نقطة الصفر، و”حَجَر سيري سايرة”، أو كما يقول الفقيه علي نعمان: “ألف لا شيء له”. وسبب العودة أنّ أي تراكم حياتي لم يتحقق، وحتى إذا تحقق، فكل حاكم جديد يبدأ من إزالة اسم من سبقه؛ فما بالك بأي منجز حققه! لذلك حياتنا مجموعة أصفار هائلة.
كل حاكم يكتشف أنه عاجز عن قيادة البلاد إلى المستقبل، وبالتالي غياب الرؤية والمشروع، يلجأ إلى الطريق السهل، ليسيطر به على أذهان العامة، خاصة المجتمع الجاهل.
الدين… المرأة
يسيس الدين بطريقة تحوله إلى بعبع في حياة الناس، وتقسم الحياة بين حلال وحرام، ويكون الحرام أكثر استخدامًا؛ يتحول إلى سيف مسلط على الرقاب.
في مرحلة، كانت الحزبية والتصنيف السيفَ البتار في وجه كل من تسوِّل له نفسه أن يقول رأيًا حتى في الوظيفة! أنت ناصري، أنت ماركسي، أنت طائفي، أنت شيوعي، أنت بعثي، في الطريق فقد كثيرون في أقبية الأمن الوطني أو بالاختفاء قسريًّا، وقيدت الحوادث ضد الأيدي الآثمة!
قضية القضايا هذه الأيام في تعز حكاية زوجة وزوجته، تضج المدينة بالجريمة التي ارتكباها: “جلس في الشارع يأكل هو وزوجته”؛ كيف والمرأة مكانها البيت لا تخرج منه إلا للقبر.
وفي صنعاء تقسم قاعات الجامعة بالبلك، في الخلف يجلسن البنات، هناك مكانهن خلف الرجال!! ويحدثونك عن أن الإسلام كرمها، ويتناسون أنهم ينظرون إليها طوال الوقت “شنابل”، صانكم الله! وبالتالي في صنعاء وتعز يكرمونها بمنعها من الحياة، وتمنع من العمل بدعوى الاختلاط، هل هناك فرق بين الاختلاط والاختلاء؟
المسلمون مشغولون بالمكالف! وأي مشكلة تواجههم بسبب جهلهم وتخلفهم يعزونها فورًا إلى ترك الصلاة وخروج المرأة إلى العمل! ولا يبحثون عن أسباب الجهل ولا يناقشون كيفية الخروج من ربقة التخلف، فالقناعة قائمة: اشغل الناس بالمرأة، واتهم أي مخالف بالخروج عن الدين، وستستقيم الحياة. لكنها لا تستقيم؛ بدليل ما نراه في الواقع هنا. وما نراه في بلاد الغرب والشرق الكافرين، وفي جنوب شرق وجنوب غرب آسيا.
لا أريد أن أُخَوِّن أحدًا -بفتح الحاء- ولا أتهم أحدًا، ولا أجيرًا لا مع هذا ضد هذا. أريد أن أفتح الباب للنقاش الواعي حول ما اتخذ من إجراءات “إغلاق مطعم، إغلاق مقهى، منع النساء من دخول المقاهي، الفصل وبتلك الطريقة بين الأولاد والبنات في الجامعة؛ بحيث تكون البنات وراء الأولاد! ولنعتبر -كما قيل- أنها تصرفات فردية. ليكن ذلك.
أبدأ بالسؤال: هل تحل الفضيلة في أي مجتمع بأمر الحكومة؟ هل يمكن لي ولك وله ولها أن نكون مؤدبين ومحترمين بالأمر؟
عدت هذه اللحظة -السبت صباحًا- عند العاشرة والنصف، حيث تدرس ابنتي التي ذهبت لتأتي بتلفونها من الكشك، وزميلتها انتظرت بجانبي، قلت لها: هل فصلوا بينكن والأولاد؟ قالت: لا، قلت: كبنت، وبأمانة، ما رأيك بحكاية الفصل؟ أقسم بالله بأن الجواب لم أؤلفه، قالت سريعًا، وأشارت إلى رأسها: الأهم العقل، لو لم آتِ متربية من بيتنا ونويت على أي شيء خارج حدود الأدب، فلن تستطيع أقوى قوة على الأرض أن تحول بيني وبين ما نويت، وقالت: طيب الفضاء مفتوح على مصراعيه؛ هل سنقسمه قسمين بين الأولاد والبنات؟!
تركتني مع ابنتي، قالت تاج: تعالي نوصلك معنا، اعتذرت بحجة أنها تفضل أن تمشي، قلت: ألا تخافي؟ قالت: حيثما تضع نفسك، يُنظر إليك، إذا وقفت وسط القمامة فأنت جزء منها، وإذا كنت واقفًا وسط الزهور رأوك واحدة منها. طالما أحترم نفسي، أفرض على الآخرين أن يحترموني.
ماذا يمكن لي أن أقول؟ بعد هذا الكلام رفيع المستوى.
لدي نتيجة تجربة خضتها في بيتي وأثمرت ثمارًا ناضجة:
بدأت، ومن سن الخامسة عشرة أناقش، بدءًا من الولد الكبير، كلَّ المحرمات، كان أول سؤال عن العادة السرية، وبعدها عن خميس أبو مئتين والإيدز، وبعدها عن المشاهد الجنسية التي كانت تظهر في القناة الفرنسية الخامسة حيث أصررت على ألا يلغيها المهندس، بكل بساطة كنت أشاهد معهم أي فيلم حتى يظهر مشهد، فيعمل من بيده الريموت على الانتقال إلى قناة أخرى، أطلب منه أن يعيده، وبعد أن ينتهي الفيلم أسالهم: هل ترضون لأمكم، لأختكم، لبنت الأهل، لبنت الجيران بما شاهدتموه؟ يجيبون: لا. سيقول أي متفلسف: أنت غلطان بما فعلت، أقول له: لا، أنا صح؛ لأنني أنقذت الثلاثة الذكور من الذهاب إلى الجولات لشراء سيديهات الجنس، الآن الفضاء يعج بها، لكنني بنقاش كل المحرمات ضمنت حتى تزوجوا أن لا أحد منهم يتلصص على بيت الجيران من شق الستارة، وتأتي بنات العائلة فيتعاملون معهن على أنهن أخوات، وابنتي، منذ الصغر انفتحت معها، طلبت منها أن تكلمني عن كل شيء يحصل لها، سواء في البيت أو المدرسة، الأماكن، وإذا كان أمرًا نسائيًّا فهناك أمها، حتى أتى ذلك النهار، عادت مع أخيها، ووصلت إلي، خاطبتني هكذا: بجاش، هل أنت عند كلامك؟ قلت: أيش؟ قالت: خذ. ورقة صغيرة أخذتها، فتحتها مرسوم عليها، بقلم رصاص، قلب يخترقه سهم، وعبارة تحت القلب: أحبك يا تاج حب موت. ظلت مركزة على ملامح وجهي، يفترض أنني أحمل سيفي وإلى الشارع أو المدرسة و: “النار ولا العار”، وأقتل من فعلها؛ العادات والتقاليد وعموم الجهل يقول بهذا؛ أن تنتصر لشرفك. ابتسمت، قلت لها غدًا صباحًا لك كلام.
ذهبنا سوية، عرضت الورقة على المديرة هدى العاقل، في مدرسة آزال – حَدة، قائلًا، بعد أن رفعت عصاها: رجاء اطلبي فلانًا زميل تاج، ورجاء لا تتدخلي؛ سأعالج الأمر بطريقتي. جاء -ولن أدخل في التفاصيل- ولم أخرج من الإدارة إلا وقد انتهينا من كل شيء. ارتاحت البنت إلى أن مشكلة كبيرة حُلت بدون إراقة قطرة عرق حتى. تعززت ثقتها بي حتى الجامعة، أتت إلي ذات مساء: بجاش، هناك فلان زميلي سيأتي مع والده، قلت: أهلًا. أتوا، تعارفنا، قلت للأب: اترك لي حمزة من الآن أتكلم معه، ثمانية أشهر ظللنا نتعرف على بعض، انتهى تعارفنا بموافقتي، لتتزوج تاجي الصغيرة زميلها الخلوق حمزة، المؤدب ودمث الأخلاق، وكذلك أسرته.
أريد أن أخلص إلى شيء، وهو أن الفضيلة لا تأتي بالأوامر والخطابات وبفصل البنات عن الأولاد، بل نتاج التربية في البيت، ومساهمة المدرسة بالتربية العامة الوطنية التي تؤدي إلى الولاء للوطن فقط، والانتماء له لا لغيره أبدًا. الوطن بمفهومه الشامل، حيث لا أحد أكبر منه وبالدستور والقانون نكون مواطنين مؤدبين. وهناك المسجد ووسائل الإعلام، من عليهما واجب أداء رسالة تربية عامة تنطلق من الكل، وليس من حزب أو طائفة أو جماعة. غير كل ما قلت لو نبني حول فتاة بالبلك، فلن نصل إلى أي نتيجة. والتجربة أكبر برهان، ومن كذّب جرّب. صاحبوا أولادكم، ناقشوهم، كفوا عن اعتبار أمهاتكم وأخواتكم وزوجاتكم “ناقصات عقل ودين”، كفوا عن اعتبارهن “العفش”، “السامان”، “وزارة الداخلية”، ساووا بين بناتكم وأولادكم في التربية، وكفوا عن اعتبارهم “حمران عيون”، واعتبارهن “شنابل”، صانكم الله، اعملوا ما قال به الإسلام عن المرأة والرجل، إذ لا فرق بينهم سوى بالأدوار.
هل أنتم فاعلون؟؟؟
“خيوط”