الأخبارتقارير وتحليلاتمحليات

تنمية الجنوب وتمكين أبنائه… هذا ما وعدت به الإمارات ولكن؟

حيروت – خاص

عندما أعلنت الإمارات في يونيو 2016 إنتهاء عملياتها العسكرية في اليمن، والإنتقال عوضاً عن ذلك، إلى تنمية الجنوب وتمكين أبنائه في ما أعتبرتها “المناطق المحررة”، لم تمر سوى بضعة أيام حتى بدى واضحاً أن هذه “التنمية” وهذا “التمكين” يعنيان من منظور إماراتي، الإستيلاء على هذه المناطق واحتلالها عبر وكلائها المحليين الذين غرستهم في الخاصرة الجنوبية، مسخّرةً فضلاً عن ذلك، أصواتهم ومواقفهم لترديد ما تقول وتأييد ما تتخذ من قرارت، وكأنها تعاملت مع ببغاوات لا مع من يقدّمون أنفسهم “رجال دولة”.


مناطق حيوية وشاسعة في جنوب اليمن، يجري استغلالها من قبل الإمارات تحت يافظة “التنمية الشاملة لتلبية طموح المجتمع الجنوبي”، بحسب ما تردّدة وسائل الإعلام الإماراتية أو تلك المحسوبة عليها. وتُعد جزيرة سقطرى من بين أبرز هذه المناطق التي تم ويتم التسويق لتنميتها إماراتياً؛ ولكن كيف تجري هذه التنمية؟

في عام 1951 شكّلت السلطات البريطانية ودرّبت ما عُرف بـ”كشافة ساحل عُمان المتصالح” المكونة من بعض شباب الإمارات الفقراء، وذلك لتنفيذ أجندة الإستعمار البريطاني وحماية مصالحه التي تأتي من بينها حماية فرق الإستكشافات النفطية.

هذا هو منطق الإستعمار في كل عصر وفي كل مكان. وهو نفس المنطق الذي تعتمده الإمارات وتسير عليه في جنوب اليمن، فأول مشاريع التنمية والتمكين التي وعدت بها أبناء الجنوب، تمثّلت في إنشاء وتأسيس كيانات عسكرية من نخب وأحزمة وغيرها، وهذا ليس جديداً عليها، فقد سبق وأن طُبق عليها منتصف القرن الماضي، هي فقط نقلت تجربة “الكشافة” إلى جنوب اليمن، وإن بمسميات مختلفة.

هذا العبث في بنية الدولة والمجتمع، تسميه الإمارات “تمكين”، ونهب الثروات واستغلال الطاقات تعتبره  “تنمية”، أما مشاريعها على الأرض، تبدو في ظاهرها تنموية، لكنها بالعكس مشاريع هدّامة. أبرز مثال على ذلك ما تقوم به في جزيرة سقطرى، حيث تسوّق بأن استحداثها لمطار وطرق ومنتجعات في هذه الجزيرة المتفرّدة، يدخل في إطار التنمية، مع أنها في الواقع وعلى المدى القريب وليس البعيد، ستشكل هذه المشاريع الخطر الأكبر على محمية هذه الجزيرة وتنوعها، وعلى ندرة سكانها من شجر ونبات وحيوانات وطيور وأسماك وغيرها من السكان الأصليين الغير متواجدين بأي رقعة في العالم، ما يجعلها جزيرة منزوعة التفرّد والتنوّع والجمال، بحيث لا ترقى لاحقاً بأن تظل واحدةً من أهم مواقع الإرث العالمي. لكن ذلك لا يهم دولة احتلال مثل الإمارت، فهي لا يعنيها سوى تحقيق مكاسب سريعة ووقتية حتى وإن تسبب ذلك بتدمير بيئة الإنسان وشركائه في الحياة على ظهر هذه الجزيرة. وما هذا إلا مثال واحد من بين الكثير من الأمثلة “التنموية” و”التمكينية” التي تقدمها الإمارات لتلبية طموح أبناء الجنوب.

هذا المثال على التمكين في الجانب التنموي فحسب، أما في ما يخص الجانب السياسي، فقد رسم ملامحه سيف الصبيحي، بقوله لـ”حيروت”: “لقد تجلّى وعد الإمارات بتمكين الشعب الجنوبي في قراره وسيادته ليلة البارحة، وذلك عند إعلان وكيل الإمارات في الجنوب عيدروس الزبيدي، مباركته التطبيع الإماراتي مع إسرائيل واستعداده للتطبيع أيضاً”.

وأضاف الصبيحي أنه “بالرغم من أن موقف الزبيدي لم يكن مفاجاً، كونه وكيل محلي لدولة محتلة، إلا أنه في ذات الوقت  كان صادماً لأتباعه، خاصة من السواد الأعظم، الذين شعروا بأنهم خُدعوا طويلاً بشعاراته، سيّما تلك التحررية منها، لأنهم رغم التغرير عليهم واستغلال ظروفهم، يعو بأن الحرية لا تتجزأ، وبأن الثوابت خالدة”. مستغرباً “كيف سيقبل العقل والمنطق بأن يناضلوا من أجل الحرية في الجنوب مقابل تخليهم وتنازلهم عن أهم قيم الحرية التي يناضل من أجلها أبناء فلسطين”.


واختتم الصبيحي قائلاً “لن نخون تلك الثوابت التي اتفق عليها أحرار العالم بمختلف دياناتهم ومعتقداتهم ولغاتهم، بإعتبار أن فلسطين قضية ثابتة، وجغرافيتها أرض عربية محتلة، وبأنه لا تطبيع ولا علاقة مع محتل”.

من جانبه تسائل استاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء، عادل الشرجبي، قائلاً “كيف أن المجلس الإنتقالي الجنوبي، يقدم نفسه باعتباره تنظيماً قائداً لحركة تحرر وطني، تسعى إلى تحرير أراضي الجنوب العربي مما يعتبره الاستعمار اليمني، وهو في ذات الوقت يؤيد دولة الإحتلال الصهيوني، ويبارك مبادرات تطبيع العلاقات بينها وبين الإمارات، ولا يقف مع حركة التحرر الوطني الفلسطينية”. مختتما حديثه بمقارنة ممزوجة بالأسى والحسرة “الله يرحم مناضلي الجنوب العظماء ضد الاحتلال البريطاني”.

بدوره، قال الكاتب صلاح السقلدي “لقد ترسخت لدى الشعب في الجنوب منذ عشرات السنين شرف وقيم نصرة الحق الفلسطيني ورفض همجية الاحتلال الصهيوني، وقـدّمَ في سبيل ذلك التضحيات بالدماء والكفاح ضد هذا الاحتلال، سواءً في لبنان قبل وأثناء وبعد غزوه عام 1982م أو في سورية ومصر”. معتبراً أن “أي تطبيع يكون على حساب شعب مقهور يمثل أنانية مفرطة وخذلاناً صريحاً، بل ووصمة عار في جبين أصحابه مهما كانت المبررات ومهما كانت المكاسب”.

هكذا إذن تشابهت ردود الأفعال المعارضة لموقف الزبيدي إزاء ترحيبه بالتطبيع مع إسرائيل، معتبرةً أن تمكين الإمارات لأبناء الجنوب الذي ادّعته يتمثّل في تنفيذ أجندتها، وذلك من خلال تغيير وعي المجتمع ومبادئه حول قضاياه الرئيسية والمصيرية، والسير على خُطى شيوخ أبوظبي حتى وإن ساروا في الطريق الخطأ.

وتبقى التنمية قيمة من القيم الأصيلة التي تكافح الشعوب من أجلها، في حين يظل التمكين حق مقدّس لأبناء البلد، وبما أن التنمية تُبنى ولا توهب، فإن التمكين يؤخذ ولا يُمنح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى