عربي ودولي
الجدال حول حسني مبارك مستمر بعد وفاته !!
بقلم / احمد علوي
“كاتب مصري”
أُعلِن يوم الثلاثاء 25 شباط/فبراير 2020 خبر وفاة الرئيس المصري الأسبق، محمّد حسني مبارك، عن عُمرٍ ناهزَ 92 عاماً.
وقد أثار خبر وفاة الرجل الذي شغل منصب رئيس جمهوريَّة مصر العربية منذ العام 1981 وحتى العام 2011، جدلاً يتناسب مع المدَّة الَتي قضاها بالمنصب الذي ارتبط باسمه في أذهان جيل شابَ رأسه أولاً، قبل رحيل مبارك. يدور الجدل حول آراء فُقهية وأعراف، بل وبروتوكولات، من حيث المفاهيم والأصول والقواعد.
سأحاول تجريد المشهد من العواطِف، وسأقوم بتحليله بموضوعيةٍ، بعيداً من أية إيديولوجيات أو اتجاهات أو أفكار أو آراء تخصّ فريقاً من دون آخر، على الرغم من كوني، وبوضوحٍ، أنتمي إلى “جيل يناير”، وأنحاز تماماً إلى شعاراته.
هناك فَرْق بين الترحّم على رجل فارَق الحياة وتأييد مواقفه وأفكاره، وخصوصاً إذا كان شخصيّةً عامّةً يمتلك الجميع الحقّ في تكوين رأي تجاهها، ولديه مُعطيات ودلالات وشواهِد ساهمت في تكوين ذلك الرأي.
وسواء مارست الترحّم فقط أو التأييد الكامل، فكلاهما حق أصيل لك، وفقاً لموقعك من الحَدَث، ولكن عليك أن تعي أنَّك إذا نقلت ترحّمك على شخصيةٍ عامةٍ كمبارك خارج رأسك وشاركتها مع الغير، فيُعدّ ذلك بمثابة دعوة منك إلى مُناقشة الأمر. وبالتأكيد، لن يُفاجئك أن مواقع التواصُل الاجتماعي اسمها من صفاتها، وحتماً للرجل مؤيّدون ومُعارِضون، كما هي حال أية شخصية عامة.
مات الرجل، فترحَّم عليه البعض، وهاجمه البعض، واشتعلت المعركة بين الفريقين، وهو أمر طبيعيّ وارِد الحدوث عند موت شخصيات أقلّ تأثيراً في مجتمعات أقلّ اتّساعاً، إلى درجةٍ أنك ربما تكون قد عاصرت ما يشبه ذلك في موت زوج خالتك، لو كان قد اختلف مع إبنة عمّه حول الميراث مثلاً، فما بالك بحاكمٍ استمر في منصبه ثلاثة عقود، إلى أن قامت عليه ثورة؟!
كالعادة، سُرعان ما تردَّدت جملة “اذكروا مَحاسِن موتاكم”، لتشكّل حائط صدّ شائكاً، يقضي على موضوعيّة الطرح، ويُنهي الجَدَل المُعْلَن، من دون قُدرة حقيقيَّة على المساس بما في القلوب والعقول. وهنا لست واعِظاً، ولكني أدعو المُتشدّقين بما بين المزدوجين إلى البحث في ما بين علامتي التنصيص: “أنتم شهداء الله في الأرض”.
يقول الواقع إنَّ ما حدث ليس معركةً مع الرجل، فلا معارك مع موتى، وكلّ ما يمكنك فعله فقط هو أن تسجِّل شهادتك للتاريخ، كما يتراءى لك، شرط ألا تقع في فخّ الشَماتة، فالشَماتة في المصير الحتميّ للبشر عموماً هي مُمارسة بلهاء، قبل أن تكون مرفوضة لأسبابٍ متعلّقةٍ بالمبادئ، فحياة الإنسان تنتهي عادةً كأمرٍ طبيعيّ لا مفرّ منه، ليس كجزاءٍ أو إثابة، والجميع إلى زوال، وسيموت الصالِح والطالِح بكلّ تأكيد.
ومن الحقائق التي لا يمكن إنكارها، أنَّ مبارك شارك في رابع الحروب العربية الصهيونيّة، وهي حرب أكتوبر 73؛ الحرب الأكثر شعبيّة لدى العرب والمصريين، لكونها الأثقل من حيث المُنْجَز العسكريّ والتكتيكيّ.
ومثَّل مبارك مع جيش مصر جميع المصريين بكلِّ اتجاهاتهم، شاء مَن شاء وأبى مَن أبى. إنها حقيقة واقِعة تفرض عليك تقدير الرجل عسكرياً، مهما اختلفت معه في كيفيّة إدارة الدولة، فلا يمكن أن ينكر أحدٌ عليك حقّك في المُعارَضة السياسيّة للحاكِم.
كما أنَّ الانتقاص من دور رجلٍ عسكري حارب وانتصر (لأغراضٍ سياسيَّة) هو إجحاف غير مقبول بحقّه، وليس من المبادئ في شيء، تماماً مثل ما تعرَّض له الفريق سعد الدين الشاذلي (رَحِمَه الله وأكرم مثواه) من تنكيلٍ واستبعادٍ وتهميش وتجاهُل، بدأ منذ خصومته مع السادات، وامتدَّ إلى عصر مبارك، ولم ينقشع إلا بتنحّيه عن الرئاسة، إذ استردَّت أسرة الشاذلي حقوق فقيدها والتقدير المُستحقّ لمشواره العسكري والوطني بعد أيامٍ من رحيل مبارك عن الحُكم، وتلك أيضاً حقيقة واقِعة لا يمكن إنكارها، ولا تمتّ إلى الآراء بصِلة.
المقالات الواردة في “حيروت ” لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل تعبر عن رأي صاحبها حصراً ..