مقالات

إشكالية القضية الجنوبية مع تغيّر الواقع السياسي !! بقلم / صفوان باقيس

بقلم / صفوان باقيس 
هناك شريحة لابأس بها من أبناء الجنوب يعتبرون الإنتقالي الممثل الوحيد و الشرعي للقضية الجنوبية متفائلين به في استعادة الدولة المسلوبة من قبل عصابة ٧/٧ ويعلقون عليه الآمال في وضع أيديهم على ثروات أرضهم المنهوبة ولكن هذا من وجهة نظري هو المستحيل بذاته أو نستطيع القول بأنه عشم إبليس في الجنة.
في العادة يتسم أتباع الإنتقالي بالفوضى السياسية وتقوقع فكري محصور في الماضي مع كل تناقضاته، فهو منفصل عن الواقع ولايكترث للمستقبل فتجد مثلاً قادة رابطة أبناء الجنوب كتفاً إلى كتفٍ مع ورثة الجبهة القومية ممثلاً بالإشتراكي، وكذلك تجد التيار السلفي يعانق اليسار القومي وكذلك القبيلة الجنوبية قد تجدها جنباً إلى جنبٍ مع من كسر شوكتها وقتل رموزها فسحل من سادتها ومشايخها،  وسجن من سجن منهم وكان هناك بالطبع من فرّ بجلده إلى دول الجوار و الشمال. للأسف تم اليوم إعادة صياغة الماضي ولكن بشكل آخر أكثر تطرّفاً , فتم حصره في نطاق خارج التاريخ والجغرافيا وهم اليوم ليسوا يمنيين وأتوا لنا بهوية ليست لنا وتبدّلت القيم و المفاهيم و المبادئ لشيء آخر مناقضٍ تماماً .
التاريخ يعيد نفسه في مشهد أكثر قتامة ولن أدخل في تفاصيل ما حدث في التاريخ المعاصر لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ولكن سأستعرض نقاط التشابه بين الأمس و اليوم في التالي :
١- المزايدة و التطرف
في زمن الحزب الإشتراكي كانت علبة سيجارة مارلبورو تودي بصاحبها إلى التحقيق من قبل أمن الدولة وربما يتم اتهامه بالتخابر مع الإمبريالية ، أما اليوم بقدرة قادر وبدون مبررات أصبحت إيران و الفكر الشيعي هم الأعداء وأصبح الجنوبي مجرد جندي في قطب المحور السنّي وسيستميت لصد الزحف الرافضي متناسياً أن إيران كانت إلى عام ٢٠١٥ راعياً سياسياً لكثير من التيارات الجنوبية ، وما الضاحية الجنوبية إلا خير شاهد على ذلك.
٢- الولاء للقطب أكثر من الولاء للوطن
لم ننسى بعد كيف كانت المخابرات السوفييتية “كي جي بي” تصول وتجول باعتبارها الحاكم الفعلي، إذ كانت هي من تعين رئيساً أو أميناً عاماً  وهي التي تزيحه،  وجعل الرفاق أرضنا في عهد الحزب الطليعي ساحة صراع حرب باردة بين السوفييت والبريطانيين ولكنها كانت ساخنة علينا . كانت صور الثلاثة لينين وماركس و أنجلز معلقة في كل دائرة حكومية ومرفق تربوي وعلمي وحتى صور شهداء يناير الأربعة كانت تعلّق تحتهم!!  ويهتف الشعب غصباً عنه أن” لا صوت يعلو فوق صوت الحزب” ذلك الحزب الذي كان دمية تلعب به موسكو ، واليوم تبدلت الصور بصور أعراب الجزيرة وإعلام دول ما يسمى التحالف العربي . فعلم الإمارات اليوم فوق علم الجنوب      وعلم السعودية  فوق علم اليمن وأصغر ضابط جيش سعودي أو إماراتي يدوس بنعله على اكبر قائد إنتقالي أو أي قائد في شرعية عبدربه ذلك الكائن الغائب الموجود ،كما أننا اليوم نسمع مصطلحات رنانة كالمحيط العربي على الرغم بأن هذا المحيط يلهث خلف التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين و الجاثم على أولى القبلتين و ثالث الحرمين ضارباً عرض الحائط بحقوق الشعب الفلسطيني التي ناصرها آباؤنا  وارتكزت عليها الكثير من مبادئ الحزب الإشتراكي اليمني آنذاك .
٣-الجهل و قلة الوعي
دخل أصحابنا عالم النظام الدولي والعلاقات الدولية وهم لا يفقهون شيئاً في السياسة والإقتصاد، أخذوا الايديولوجيا الإشتراكية بحذافيرها وطبقوها بشكل أعوج ، بل – علاوة على ذلك – بالغوا فيها إلى درجة الصدام المباشر مع دين وقيم وفطرة المجتمع اليمني المحافظ في الجنوب . شعارات تخفيض الراتب واجب وحرق الشيادر، منع الطالبات من إرتداء الحجاب، تأميم الممتلكات و محاربة رأس المال الوطني و مصادرة الأراضي .إن كل تلك السياسات تنم عن قلة وعي وجهل أصحابها فقد خلفت كوارث سياسية و اقتصادية و اجتماعية نعيش تداعياتها الي اليوم الذي نرى فيه كل شيء يتكرر . المشهد القائم  حالياً هو ” القرية تحكم المدينة ” مجدداً وكذلك بدون استراتيجية سياسية        واقتصادية تاركين لدول الجوار حرية التصرف بشكل الدولة القادمة , وكأن الإنسان الجنوبي خُلق قاصراً وليس لديه رؤية وطنية تنطلق من خصوصيته الفكرية و المجتمعية.
٤- النزعة المناطقية
أتذكر في يناير ٨٦م أن إذاعة لندن بالعربي وصفت الصراع آنذاك بأنه صراع القبائل الماركسية المتناحرة مع أن الإذاعة لم تصف الصراع بشكل دقيق , ولكن هذا الوصف كان فيه الكثير من الصحة ، فقبائل أبين وشبوة قاتلت قبائل المثلث تحت لواء الحزب الاشتراكي الواحد. القتل في ٨٦ كان بالهوية وكل الأطراف ارتكبت جرائم حرب باسم الحزب و الشعب و الوطن ولكن النزعة كانت مناطقية و عنصرية من الأساس فالوطن بالنسبة لهم لا يتعدى المنطقة و الولاء مطلقاً للمنطقة فقط . فـ”الجنوبيون العرب” كما يحلو لهم أن يصفوا أنفسهم توحدوا ضد الشمال منذ عام ١٩٩٤م واختزلوا أخطاء و هفوات نظام صالح في جهة الشمال ككل بحثاً عن شماعة مناطقية ولا يستطيعون العيش بدون صراع المناطق ، حتى عند سقوط نظام عفاش عاد من جديد صراع المناطق القديم الجديد وهو قابل للتوسع وكذلك قابل للتضييق تحت متطلبات المرحلة.
بعد استعراض أوجه التشابه بين الأمس اليوم في الجنوب  نستنتج أن الجنوب مقبل على مرحلة عدم استقرار وموجة دموية قادمة من الصراعات وكأنه محتم علينا أن يكرر التاريخ  نفسه بصورة أكثر بشاعة بواسطة بشر أكثر تخلف وعنجهية  .
معطيات الصراع اليوم في اليمن و العالم قد تغيرت فلم يعد العالم قطبين او معسكرين شرقي وغربي ، وحتى مرحلة القطب الواحد الراهنة على وشك الأفول، اليوم يتشكل نظام عالمي جديد ، إذ ظهرت أقطاب متعددة وبرزت  قوى إقليمية وعالمية تتحرك وفق مصالحها الرأسمالية المادية ، وعلينا كشعب أن نقيم وضعنا وفق أهدافنا ومصالح الشعب اليمني الواحد. اليوم لا وجود لنظام عفاش في اليمن إلا من بقايا احتضنها الإنتقالي وهناك حركة دينية في الشمال قد نتفق معها أو نختلف فكرياً إلا أننا نمتلك الكثير من القواسم المشتركة اهمها المعاناة المشتركة من النظام العفاشي الهالك وكذلك اجتماعنا معهم مهم لنصرة الشعب الفلسطيني ومحاربة الأنظمة الرجعية التي تمارس الظلم و الاضطهاد ضدنا وضد أبنائها عابثة بمقدرات الأمة الإسلامية، ومسخرة لها كسلاح بيد أعدائها.
وعلى الرغم من أن الصراع اليوم يتشكل نحو التعدد في العالم ولكنه في عالمنا الإسلامي هو صراع بين اثنين لا ثالث لهما ، وهو أن تكون بصف المهرولين للتطبيع و الإنبطاح وفي قائمة العار المسمى المحيط العربي كذباً       وبهتاناً أو أن تكون في صف مقاومة الإستعمار الغربي الصهيوني المتمثل في أمريكا و بريطانيا و فرنسا وربيبتهم إسرائيل ، وبرأس حربة عربية أعرابية صهيونية الهوى و استعمارية المنشأ.
اليوم لا مبرر فعلي لوجود القضية الجنوبية فهي قد انتهت يوم مثلها مرتزقة الإمارات وفقدت قيمتها المعنوية يوم مارس المتنطعون باسمها الظلم على أبناء الشمال، والقضية الأساسية الملحة الآن هي تحرير اليمن -كل اليمن- من براثن احتلال همجي رجعي بربري. إن أراد الجنوبيون الإنفصال -وهذا حقهم – فعليهم اولاً إستعادة مؤسسات الجمهورية اليمنية المعطبة ومن ثم إجراء استفتاء عادل ونزيه شفاف في مسألة تقرير المصير , والحرية لن تعطى لكم ممن قطّع مواطنه إرباً لمجرد الإختلاف الفكري أو السياسي ، ولن تعطى لكم السيادة على أرضكم ممن دولته – أساساً –  مستعمرة ومحمية بريطانية. يعني بالبلدي لا أبو منشار السعودي ولا الخمارات العربية المتحدة سيعطونكم الحرية أو السيادة على أرضكم على طبق من ذهب .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى