مقالات

ماالتنوير المطلوب ؟! بقلم / سامي عطا

بقلم / سامي عطا
عندما أطلق الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت (1727_1804م) صيحته في نهاية القرن الثامن عشر من خلال سؤاله ما التنوير ؟(*), وأراد من خلال الإجابة عليه تحريرالإنسان من تبعيته وتشجيعه على رفض كل اشكال الوصايا عليه سواء أكانت وصايا إجتماعية أم دينية، وبالتالي إخراجه من ربقة استلاب الثقافة الأبوية للنظام القديم “نظام الاقطاع” ، فإن تنويره جاء تعبيراً وانعكاساً لمرحلة جديدة ونظام اجتماعي جديد أخذ بالتشكّل في أوروبا على أنقاض النظام القديم ( وإن كانت ألمانيا حينها تعتبر الحلقة الأضعف ومتأخرة كثيراً عن سواها من الأقطار الأوروبية ).
لقد أخذت العلاقات الرأسمالية تتسع وتكبرعلى حساب العلاقات الإقطاعية في غير مكان من أوروبا، واستدعى هذا النظام الجديد في محصلته حاجته إلى أيادٍ عاملة ، الأمر الذي استلزم تحرير أقنان(*) الأرض عند النبيل الاقطاعي  وتحرير الإنسان من التبعية والوصاية والذي كان يعني في المحصلة أياد عاملة جديدة يحتاجها النظام الرأسمالي في مسيرة تطوره واتساعه . وبطبيعة الحال أخذت العلاقات القديمة تتقلص وتضعف.
وإذا أردنا أن نحدث تنويراً حقيقياً في مجتمعنا علينا أن نضع الخصوصيات الاجتماعية في الحسبان، وعلينا أن نبحث عن معضلة مجتمعنا الحقيقية ، حتى نتمكن من وضع سؤال التنوير في سياقه الحقيقي، فلا تنوير يحدث بالمحاكاة والتقليد ، إذ تختلف المشكلات الاجتماعية من قطر إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى ,  وبالقدر الذي هناك تفاوت تاريخي بين المجتمعات هناك أيضاً اختلافات ثقافية واختلاف في المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وبالتالي حاجات ومواقف سياسية مختلفة.
دعونا نطرح هذا السؤال ما الذي يعانيه مجتمعنا ؟ ربما نشترك مع سؤال التنوير الكانتي في مشكلة التبعية والوصاية ، لكن التبعية والوصاية التي نعاني منها مركّبة ، فنحن نعاني من تبعية للنظام الرأسمالي العالمي الذي يسعى إلى تأبيدها ورتقها بمزيد من الأغلال، ويسعى بالتالي إلى إبقاء أشكال نظام العلاقات الإجتماعية القديم -الذي تحرر منه في سياق تطوره- مهيمناً في مجتمعاتنا، وبالتالي لا يمكن خلق علاقات اقتصادية جديدة تفك علاقة التبعية وتتحرر من الوصاية إلا بتحرير الإرادات من هذه التبعية وتشجيع أفراد مجتمعنا على العمل والخلق والإبداع والاعتماد على الذات وإرساء ثقافة حب العمل وخلق توجه اقتصادي يقوم على قاعدة نأكل مما نزرع ونلبس مما ننسج ، أي السعي إلى تحقيق الأمن الغذائي والإكتفاء الذاتي ، ولا نتعامل مع الثروات النفطية والغازية والمعدنية (*) كغاية ، بل نتعامل معها كوسيلة من أجل بلوغ غايتنا الرئيسية المتمثلة بتحرير أنفسنا من ربقة التبعية الاقتصادية، حينها يمكن للتنوير الذي نطرحه أن يكون تنويراً أصيلاً وحقيقياً.
أي أن لكل تنوير أسئلته التي تنبع من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي يطرحها هذا المجتمع أو ذاك ، لا تنوير بالتقليد أو المحاكاة -كما أسلفنا- والنخب التي تدعي التنوير ولا تجيد طرح أسئلتها ولا تحسن قراءة مشكلات مجتمعاتها ولا تميز بين مشكلات حقيقية ومشكلات زائفة ليست نخب تنوير ، ويمكن القول أنها نخب عاجزة وزائفة.
__________________________
(*) ما هو التنوير؟ هو خروج الإنسان من حالة قصور يبقى هو المسؤول عن وجوده فيها. والقصور هو حالة عجز الإنسان عن استخدام الفكر خارج قيادة الآخرين. والإنسان العاجز مسؤول عن قصوره لأنّ العلَّة في ذلك ليست في غياب الفكر، وإنما في انعدام القدرة على اتخاذ القرار وفقدان الشجاعة على ممارسته من دون قيادة الآخرين . لذلك على الإنسان أن يتحلى بالشجاعة حتى يتمكن من استخدام فكره بنفسه: ذلك هو شعار عصر التنوير.
“أيمانويل كانط”
(**) قن الأرض هو بالتعريف نصف عبد ، أي إنسان معدم يعمل في الأرض شاكراً سيده الإقطاعي الذي يتفضل عليه بسد حاجته للعيش لا يملك الأرض ويعمل فيها نظير حصوله على القليل من خيراتها تبقيه على قيد الحياة.
(*) كما أشار الدكتور ابوبكر السقاف في كتابه ” الجمهورية بين السلطنة والقبيلة في اليمن الشمالي” بأن مقارنة الدكتور جمال حمدان “تأثير النفط في حياة العرب بتأثير الإسلام في تاريخهم” مقارنة قائمة على الاختلاف , فالنفط يقوم بدور تخريبي في كل المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية يرافق كل ذلك انحطاط في القيم وتهميش للإنسان العربي عبر شباك التبعية والتنميط والقهر وشروط استمرار تدفقه هي نفسها شروط تبعية أصحابه. مالكيه الغيورين. بينما كان الأثر الذي أحدثه الإسلام في حياة العرب انقلاباً، خلق نهضة أدخلت العربي في سياق التاريخ العالمي. وهم ملوك النفط على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، في حين أن النفط اخرج العرب من دائرة التاريخ المعاصر ووأد الثورة العربية باعادة إنتاج شروط التبعية في حياة كل يوم.
انظر الدكتور ابوبكر السقاف في كتابه “الجمهورية بين السلطنة والقبيلة في اليمن الشمالي”، نشر الكتاب تحت اسم مستعار باسم الدكتور محمد عبدالسلام في نهاية الثمانينيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى