الدم والنفط عنوان الكتاب الذي الفه الثنائي الرائع برادلي هوب وجستين تشيك، وقد خرج الكتاب الى النور يوم ١/٩/٢٠٢٠ في الولايات المتحدة الأمريكية ولا عجب أن يكون هذا الكتاب قد طُبع في أمريكا، لأنه لا يمكن طباعته في السعودية ..! يتحدث كتاب “الدم و النفط ” عن محطات في حياة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. ويشرح كيف استطاع هذا الأمير الوصول إلى العرش بعد حرب العروش السعودية والولاية فيها، و كيف يسعى الأمير الجديد بأن يضرب بيد من حديد و بكل ما أوتي من قوة للتخلص من أي تهديد مباشر أو غير مباشر قد يؤثر على سلطته و حكمه في السعودية. لأن هدفه الأول والأخير هو المحافظة الكلية على سيطرته التامة في حكم بلده وكذلك المحافظة على بعض من نفوذه في العالم و خاصة داخل البيت الأبيض. لكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم ما مصدر الذعر الذي أصاب العاهل السعودي؟ هل هو بسبب ما تداوله هذا الكتاب من “دستوبيات” بن سلمان من تقتيل وفظائع السلوك والإفلاس الأخلاقي؟ بحيث بدأت تفوح رائحة الفساد الأخلاقي من حوله ومن بعيد أيضا . فقد علق أحد أبرز الباحثين في الشرق الأوسط منوها بوجود علاقة وطيدة وحميمة بين هذا الاخير والمثليين الجنسيين وبعضاً من المغنيين الأمريكيين، كما بلغ الفساد أوجه في العمق السياسي مع الكثير من السياسيين من أوربا وأمريكا وعلى رأسهم “كوشنر” زوج ابنه الرئيس الأمريكي ترامب. ها قد أقام الأمير بن سلمان مناخا من الفساد، وخلق دستوبيا ” المدينه الماجنة” في عمق المجتمع السعودي بحيث تكاثرت الأخبار حول بذخه وتوزيع الأموال بلا حساب لتلبية شهواته كما طالت أيضاً فضائحه المهينة المخزية التي باتت على مرأى الأعمى و البصير ، و من هم وراء حجاب. إن هذا التهور والانحلال الأخلاقي جعله ينفق، ببذخ على ملذاته النفسية، والجنسية ناهيكم عن هوسه الذي أغرقه في بحور الرفاه , بحيث قام مثلا بشراء يخت تجاوزت قيمته خمسمائة مليون دولار، إضافة إلى شراء لوحة المخلص المسيح بأكثر من أربع مائة مليون دولار، و لم يتوقف هوسه عند هذا الحد بل تجاوزهذا الهوس والجنون إلى شراء العقارات و القصور في أوربا و أمريكا واستعمل لتلبية كل ذلك أموال الشعب السعودي وأموال النفط ، إلى جانب أموال صادرات موسم الحج التي بعثرها يمينا وشمالاً في الترف والبذخ وكأنه لا يشبع من الحفلات التي يقيمها بسبب أو بغير سبب ويتفنن هو وحاشيته في قمعها.!
ولعل الأغرب من كل ذلك والباعث للقلق تقديس إبن سلمان لذاته وملذاته، فهو يقيم احتفالات ملفتة للإنتباه لأعياد ميلاده ويصرف في شأنها أموالا طائلة ويوليها اهتماماً خاصاً لكي يرضي نخبة المجتمع من الأعيان و الأوروبيين في جزر المالديف وغيرها مانحاً لهم الحريّة المطلقة للقيام بشتى أنواع السلوك الذي يندى له الجبين ويدمي له القلب , في الوقت الذي يمنع فيه الاحتفال بالمولد النبوي الكريم بحجة البدعة , ويحرم شعبه الحصول على الحد الأدنى من الحقوق والحريات الفردية “ و كما قال الشاعر البردوني هاجياً لآل سعود في سبعينيات القرن الماضي مشبها لمُلك ال سعود بمملكه ” بابك الخرمي ” في أذربيجان حين قال ” أميرالنفط نحن يداك ,,, نحن أحد انيابك ,,,و نحن القادة العطشى…. إلى فضلات اكوابك “
إنها معادلة غاشمة وجائرة ومُهينه في آن واحد!
لقد نجح الأمير إبن سلمان بغرابة في قلب موازين القوى في السعودية فقام باعتقال العديد من أفراد أسرته ووضعهم تحت الإقامة الجبرية ليتخلص من كل من يتصدى له أو يعارضه ورمى به في المجهول وجعل في خبر كان ,وطالت يده الغاشمة النساء وكذلك رجال الدين من الشيعة و السنة، وما زلنا نتذكر إلى اليوم ولن ننسى ما قام به عام 2016 بإعدام رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر مع 47 آخرين , ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل مازالت شريحة كبيرة من النساء في السجون وعلى رأسهن لُجَيْن الهذلول لا لشيء إلا لأنها عبرت بحرية عن موقفها من رجال السياسة . لقد أصبحت سمعة إبن سلمان اليوم أشهر من نار على علم فالجرائم تلاحقه، وانتهاكات حقوق الإنسان أصبحت من أبرز سماته …وكذا بطولات القرصنة و القتل ، تلاحقه الجرائم أينما ولى، ففي سنة 2018 أمر باغتيال خاشقجي، وهذا ليس افتراء بل هناك تقارير وأدلة ساطعة تؤيد تورط بن سلمان في قرصنه هاتف أغنى رجل في العالم وهو “جيف بيزوس”، كما نوهت جريدة غارديان البريطانية بأن ولي العهد استخدم فايروس ألكتروني عن طريق تعاونه مع المخابرات الاسرائيلية ليخترق به هاتف بيزوس مؤسس أمازون ، و الجدير بالذكر أن العديد من الخبراء استنتجوا أن السلطات السعودية قرصنت هاتف الأخير لكي يتم التلاعب ببياناته الشخصية وهذا بالطبع سيكون له بالغ الأثر على الاستثمارات السعودية وسبباً رئيسياً في تدهور العلاقات الأخيرة ورجل الأعمال بيزوس.
ماذا استفاد الأمير من هذه اللعبة غير تشويه سمعته على الصعيد الدولي والاقتصادي خصوصا لدى المستثمرين الذين عزفوا واحجموا على المشاركة في الاستثمار السعودي ولم يقبل الكثيرون على اكتتاب ارامكو السعودية ,إذ أشارت BBC أن أرباح شركة ارامكو تراجعت كثيرا و هذا إن دل على شيء فهو يدل على عدم قدرة إبن سلمان وعجزه عن بناء السعودية بل على العكس تماما, فالأمير يساهم مساهمة حثيثة لتدميرها ودحرها. وها هي الآن تغوص في محافل الانهيارات الاقتصادية، كالعجز في الميزانيات العامة الى جانب تدهور أسعار النفط تحت جائحة فيروس كورونا، وما زاد الطين بلّة انقطاع تدفق أموال الحجيج لسد العجز المالي و انهيار البورصة في الرياض بالإضافة إلى ما تسببه الحرب والحصار على اليمن من استهلاك واستنفاذ أموال و ثروات الشعب السعودي مما أدى إلى اختناق السعودية كدولة رويدا، رويدا , ومما أدى أيضا إلى فرض سياسة التقشف على المواطن السعودي وإجباره على دفع ضريبه تهور ولي أمره ! وهو ما زاد في تفاقم الوضع الاقتصادي و الاقتراض لسد العجز المالي من اسواق المال العالمية وتحمل فوائده المهولة. وهو ما دفع ب ‘ تشيبغل اونلاين’ للإعلان عن عجز قياسي في الميزانية السعودية مستدلة بما صرح به وزير المالية السعودي محمد الجدعان ” بشأن الاستدانة الخارجية و احتياج 58 مليار دولار ” و كأن بن سلمان بطل من ابطال قصة جورج اورويل 1984 حيث حقق بن سلمان نبوءة “اورويل” وخلق عالم “دستوبيا “بكل امتياز في السعودية بقيام الأمير باعتقال وقتل كل من يهدد عرشه فأجاز القمع السياسي الداخلي و الخارجي ، لإخماد اي نوع من انواع الانتقاد لحكمه . ولا يخفى على العاقل منهج سياسة بن سلمان الدموية القمعية التي تقوم على تفكيك النسيج الاجتماعي السعودي، وإثاره الزوابع مع الحروب في الشرق الأوسط فبعد أن أخذ زمام الحكم قام بكل عنجهية وحشية بحصار و حرب جارته اليمن ليرضي غروره العقيم و يثبت لأمريكا و العالم أنه البطل و الرجل الذي لا يقهر. ومع هذا لم تتوقف بطولات الأمير فقد شن هجوما شرسا على قطر و إيران مما زاد من انهيارسمعة أخلاقيات الأمير و تراجع الدور السياسي السعودي البناء في الشرق الأوسط. وهو ما يبرهن على ضعف سياسة الأمير المتهور بن سلمان فشكل ذلك ضربة قاسية على نفسيته العقيمة ، و اندثار حلمه المتمثل في أن يصبح أمير الأمراء المبجل على المستوى الإقليمي ، وهذا ما يثبت خللا في نفسية الأمير الزائف ، و إن صح القول ، أمير الحروب إذ لم تشهد المنطقة في عصرنا الحالي حروبا بهذه الدموية و الوحشية منقطعة النظير الا منذ توليه زمام الأمور في السعودية . فحرب اليمن اليوم تثبت مدى تعطش الأمير لدماء العرب و المسلمين .
لقد أثبت الأمير و بجدارة أنه خلية حاقدة على الجوار و طفل مدلل لا يريد سوى غايته مهما كان الثمن! الجار القوي المزعوم المهزوم نفسيا وأخلاقيا وسياسيا وحتى اقتصاديا، أصبح اليوم يدرك أنه لن يستطيع اجتياح اليمن البتة، بالرغم من أسلحته الثقيلة و الحديثة التي هي من أصل أمريكي، إسرائيلي و اوروبي و بالرغم من حصاره لليمن و لليمنيين و قتل الآلاف من الأبرياء ، و تدمير بنية اليمن التحتية ، و تشريد و نزوح ملايين اليمنين في الداخل و الخارج بالإضافة إلى كون حربه السبب الرئيسي في تفشي المجاعة في اليمن أمام أعين دول الجوار و العالم ، و إزاء صمت دولي مخيف متماهي مع نزعات الأمير المفلس نفسيا و سياسيا.
ورغم كل هذه الفظائع المذهلة والشريرة والمميتة والمقيتة التي تعصف باليمن إلا أنها أثبتت أنها عصية على الأمير و غيره. فقد خسر الأمير الصغير رهانه في اليمن , وليس تراجعه الان أمام جيرانه و حلفائه سوى دليل على فقدان ماء وجهه الملطخ بدماء أهل اليمن وإعلان هزيمته.
نختم بهذا القول للفيلسوف الروسي الراحل فيودور دوستويفسكي “البدايات للكل و الثبات للصادقين” وهو ما يفضح تخبط الأمير إبن سلمان و تكتم سلطاته على تفوق اليمن العسكري على الأرض و ثبات اليمنيين أرضا و شعبا أمام عاصفة العار السعودي، مع التعتيم على الانتصارات اليمنية في هذه الحرب الشنيعة ضد اليمن و سيادتها ، وتثبت بحق أن الثبات للصادقين! لقد بدأ الأمير إبن سلمان الحرب على بلده، وعلى نفسه وعلى اليمن والعبرة من كل هذه السياسات الفاشلة هي “تدمير الذات بتدمير الآخر” لكن هيهات أن ينهار اليمن , بل سينهار حكم “أمير النفط ” .