مقالات

الأزمة الخليجيَّة إلى ما بعد الانتخابات الأميركية

بقلم / وفاء العم 
دخلت الأزمة الخليجيّة عامها الرابع من دون تقدّم، ولو بخطوة واحدة، نحو الحلّ. تتثاقل الخطوات أكثر كلَّما مرَّ الوقت، وتتعمّق الشروخ بين أشقّاء الجغرافيا، نتيجة لتضارب المصالح واختلاف المشاريع، بين الدّاعم للإخوان والمصطفّ مع العسكر في المنطقة.
لم تنجح كلّ الوساطات العمانية والكويتية في رأب الصدع. أوصدت الأبواب في وجه أمير الكويت أكثر من مرة، ورفضت وساطات كانت في عهد السلطان الراحل قابوس، وخليفته هيثم بن طارق، ولا يبدو أنَّ الوساطة الأخيرة التي قام بها الأميركيون قد أحدثت خرقاً، على الرغم من أنهم ألمحوا إلى أن السعودية كانت أكثر مرونة من الإمارات، بل إن الحل كان على بعد خطوة، وعرقل مساره رفض أبو ظبي. الحلّ كان يراد له أن يكتمل مطلع تموز/يوليو الحالي، ليسجّل إنجازاً في سجل إنجازات ترامب.
هذا ما كشفته شبكة “فوكس نيوز” الأميركية مؤخراً، إذ يبدو أنّ الأميركيين تعمَّدوا تسريب المعلومات لإحراج الحلفاء الخارجين عن السيطرة.
راهن القطريون على المزيد من الضغوط الأميركية، ولكنَّ التراخي الأميركي – كما يراه القطريون – كان مخيباً لآمالهم. يقول مصدر قطري في واشنطن: “كانت الدوحة تتطلَّع إلى المزيد من الضغوط الأميركية لإنهاء الحصار، وخصوصاً على أبو ظبي، الَّتي تقوم بدور سلبي للغاية. بإمكان الأميركيين فعل المزيد”.
في الكواليس، أجرت أبو ظبي اتصالات اللحظة الأخيرة بالرياض. تأثير ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد في ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لم يعد خافياً. نجحت الإمارات في إقناع الرياض بالانتظار إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، على الرغم من أن السعودية كانت أقرب إلى الحل. 
تذهب التقديرات الإماراتية إلى أنَّ حظوظ ترامب في الفوز في الانتخابات ضئيلة، فيما مصلحة الثلاثي الخليجي إبقاء الحصار قائماً ضد القطريين، لمزيد من الضغوط على قطر لتتراجع عن تحالفها مع تركيا.
في الحقيقة، الخلاف عميق، وبات أكثر تجذّراً. هو ليس خلاف سياسات فحسب، بل خلاف استراتيجيات ومشاريع على مستوى المنطقة. كما أصبحت الخصومة قطرية إماراتية أكثر منها سعودية قطرية، وهو ما يفسّر ليونة السعودية مؤخراً وتشدّد الإمارات.
تتواجه الجارتان – الإمارات وقطر – في أكثر من ملفّ، من مصر وسوريا إلى ليبيا، فتونس وموريتانيا، تارةً بالإعلام، وأخرى بالسلاح، ومرة بالمال والنفوذ، ولا ينبئ المستقبل القريب إلا بالمزيد من المواجهة الإقليمية.
يقول مصدر إماراتي: “يهدّد القطريون أمن الخليج، والإمارات لن تسمح بتهديد مصالحها. على القطريين تغيير سلوكهم. وعندما نتحدَّث عن تغير السلوك، فنحن نعني فكّ الارتباط بتركيا”.
وعلى الرغم من أنَّ الدوحة استطاعت تجاوز مشكلة الحصار أو المقاطعة، كما يحلو للدول الثلاث تسميته، وذلك بفضل الدعم التركي والإيراني، فإنَّ العامل الجغرافي يفرض معادلته. تريد الدوحة أن ترسي قواعد جديدة في العلاقة مع السعودية؛ علاقة الند المختلف والمقبول. تريد استقلالية في القرار، وبالتالي استقلالية في التحالفات. تريد من السعودية القبول بقطر الجديدة.
على المستوى القريب، لا يبدو ذلك أمراً قابلاً للتّطبيق، وخصوصاً في ظلّ توسع الصّراع في المنطقة. كما أن الدوحة تنخرط في مشروع إقليمي في جوهره توسيع للنفوذ التركي مقابل تحجيم للسعودية في المنطقة ومواجهة الإمارات، فأي تنازلات يمكن أن تقدّمها الدوحة وتقبل بها الرياض؟
مندوب السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة، عبدالله المعلمي، قال صراحة إنَّ على قطر إنهاء الوجود العسكري التركي فيها، وخفض العلاقات مع إيران، فهل تغيّر قطر جوهر تحالفاتها؟
يقول مصدر مطَّلع في الخارجية القطرية: “مجلس التعاون لن يعود إلى سابق عهده. ما نريده هو احترام سيادتنا ورفع الحصار. سياسة فرض الإرادة عفا عليها الزمن. بدأنا حواراً مع السعودية، ووصلنا إلى مراحل متقدّمة لولا التدخلات الإماراتية، وكأن قرار الرياض أصبح في أبو ظبي”.
تاريخياً، دائماً ما كانت العلاقة السعودية القطرية متوترة، ولكنّ الضّغوط كان ترجع الأخيرة تحت العباءة. وفيما شكَّل العام 2011 بوابة التحول القطرية، مع اندلاع الحركات الاحتجاجية والثورات، لم يكن حينها الخلاف السعودي التركي قد وصل إلى ذروته، بل إنَّ المواقف تقاطعت في الملفّ السوري. ولم تلتفت الرياض إلى أنَّ دولة قطر باتت شيئاً فشيئاً تقفز خطوات نحو أنقرة.
ومع وصول السيسي إلى الحكم، ووقوف الدوحة إلى جانب التركي، بدأ يتكشّف للخليج كم أصبحت قطر أكثر استقلالية وخارج العباءة، بل في عباءة “العدو” التركي، لينسحب ذلك على ملفّ تلو الآخر، والعامل الأهم هو تحوّل الحكم من حمد بن خليفة آل ثاني إلى ابنه تميم، ما نقل دولة قطر من جيل أكثر محافظة إلى جيل أكثر جرأة وتمرداً؛ جيل كسر كلاسيكيات السياسة الخليجية، ليس في قطر فحسب، وإنما في السعودية والإمارات أيضاً.
من جانب آخر، لا يبدو أنَّ قطر تولي الحوار مع الإمارات الاهتمام، فالصراع بينهما إقليمي في ذروته، بل إنها ترمي إلى عزل أبو ظبي. تريد الدوحة حل العقدة مع الرياض، وما تقره الرياض يسري على المنامة. الرياض هي “مربط الفرس” بالنسبة إلى الدوحة.
في المجمل، تبدو مآلات المشهد الخليجي أكثر غموضاً وتعقيداً من السابق. تقف الدول على طرفي النقيض. لا تقاطعات مرحلية تقرب وجهات النظر، ولا ليونة في المواقف المتشددة، على الرغم من أن الشعار التاريخي الذي جمع بين الدول الست هو “المصير المشترك”.
ما تقوله المعطيات هو أنَّ هذا الملف يشهد فترة مراوحة ومماطلة بالوقت إلى ما بعد الانتخابات الأميركية. وحينها، سيكون لكلّ حادث حديث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى