سامسونج والفلسفة !
بقلم د/ أحمد عبدالله الصعدي
لم افكر في اي نوع من العلاقة بين الشركة الكورية والفلسفة، سلبا او ايجابا،رغم ان مبحث فلسفة التكنولوجيا وفلسفة التقنية وحتى فلسفة الكمبيوتر من المباحث النشطة في العالم المعاصر. ما دعاني الى ذكر سامسونج مع الفلسفة اذا هوظرف محلي قادني الى كوريا الجنوبية ونهضتها الصناعية. وتبدأ الحكاية من منشور كتبته في هذا المكان يوم الاحد 28يوليو 2019 بعنوان”موت الفلسفة في تربية جامعة صنعاء” وتكرمت صحيفتا (الثورة)و(لا)بنشره في اليوم التالي الإثنين 29 يوليو. في ذلك الصباح صادفت احد الزملاء وكان ذاهبا على عجل الى فعالية يحضرها رئيس الجامعة وعميد كلية التربية. كان هذا الزميل يقرأ موضوعي وهو يمشي وقال سأجعل رئيس الجامعة والعميد يقرآنه لعل…شجعته على ان يفعل وظني انهما سيكتفيان بتسخيف المقال وكاتبه.
اليوم اعود الى الموضوع بعد ان سمعت زميلا يقطع اي امل باعادة الحياة الى قسم الفلسفة في كلية التربية ولكن بمبررات جديدة هذه المرة. يقول الزميل هناك توجه لإلغاء القسم الأدبي من المرحلة الثانوية والتركيز على علوم الحاسوب والتدريب المهني، والحجة “الدامغة”لذلك تجربة كوريا الجنوبية التي قال زميلي انها لاتعرف شيئا اسمه فلسفة وعلم اجتماع وآداب ولغات وفنون، اي كل العلوم الانسانية والاجتماعية!!
هذا الادعاء ذكرني بما كنت قرأته عن هذا الموضوع، اعني علاقة الكوريين بالثقافة والادب لكاتبة واكاديمية عمانية. عدت الى اوراقي فوجدت مقتطفا من الموضوع الذي كتبته جوخة الحارثي بعنوان(الرحلة الى كوريا) في العدد80 من مجلة (نزوى)،اكتوبر 2014عن زيارتها الى كوريا الجنوبية لحضور المعرض الدولي للكتاب في سيئول، وهذا. مقتطف مما جاء في مقالها:
“17يونيو2014:ما الذي تتوقع أن تقرأه في مجلة أعدت لتزجية الوقت في الطائرة؟
ربما بعض الأخبار الخفيفة؟ بعض التقارير عن المدن الجميلة في العالم؟ دعايات للسوق الحرة؟
مجلة الخطوط الجوية الكورية لديها فكرة اخرى: ملف متكامل من عدة صفحات عن الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو.
ملف مذهل عن الفيلسوف يضم اروع الصور له في مكتبه،كما يضم مقالات عدة عن حياته، عن فلسفته، وعن اهم كتبه:”تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي”، “نظام الأشياء”، وغيرها.ماذا يفعل معجب بفوكو مثلي ازاء هذه المفاجأة! ساعة الطيران من سيئول الى جيجو لن تكفي لقراءة الملف كله، وتركه مرميا في جيب المقعد شاق على نفسي؛ مع كل الاعتذارللخطوط الكورية اخذت مجلتهم الثمينة.
لكن هذا الاهتمام بالفلسفة والفن والأدب لم يكن مفاجئا تماما بعد الأيام التي قضيتها في سيئول، حيث حدثني البروفسور جياونغ كيم، استاذ الأدب الكوري، ورئيس تحرير مجلة الأدب العالمي، عن أن الشعب الكوري الذي نراه في الشوارع مستغرقا في هواتفه الذكية لا يكن في الحقيقة أي احترام لرئيس شركة سامسونج ، ولا لرئيس هايونداي ، لأنهما شركتان لاتهتمان بغير المال .قال جياونغ: نستخدم منتجاتهما ولكن لا نحترم قيم المال التي تمثلها أمثال هذه الشركات . ارتشفت الشاي الأخضر الذي عزمني عليه وأنا أسأله :(( من يحظى باحترام الشعب الكوري اذن ؟)) ، قال بثقة :(( العلماء ،اساتذة الجامعات)). هذا الشعب السعيد الضاحك يعمل كالنمل وقت العمل ويمرح بلا توقف وقت الراحة،ترى البشر من كل الديانات: الطاوية والبوذية والمسيحية والكونفوشية ، لا احد يسأل الآخر عن عبادته وربه ، لهم دينهم ولك دين ،ولكنهم جميعا يحترمون التقاليد التي انحدرت من الكونفوشية : احترام المعلم ،قال جياونغ :إن هذا امر مهم مادام كونفوشيوس نفسه كان معلما . لكن الم يكن رسولنا محمد معلما ؟ فمالها مكانة المعلم في مجتمعاتنا في انحدار لا مثيل له ؟ سألت جياونغ ان كان المعلمون يفكرون في الإضراب في كوريا ، فظن بأني امزح معه ؛ مكانة المعلم الاجتماعية والمادية لا تقل اطلاقا عن مكانة الاطباء والمهندسين)) .انتهى الاقتباس من جوخة الحارثي ، مع التحية للحاسوبيين والتكنولوجيين في بلادنا الذين لا يرون اية قيمة للغة العربية والفلسفة والادب والثقافة عموما قائلين انها ((لا تؤكل عيش)).