مقالات

عمر الجاوي: الفارس الذي لم يترجل من ذاكرة الوطن

محمد سعيد حميد

في 23 ديسمبر1997 ترجل الفارس الشجاع المفكر والمثقف المقاوم عمر عبد الله الجاوي عن عمر ناهز الستين عاماً.
الكثيرٌ من الشباب لا يعرف شيئاً عن ابن الوهط الذي وزّع روحه وقلبه ومآثره في كل شبر من تراب الوطن.
فهو المعلّم في مسقط رأسه الوهط بمحافظة لحج، والمعلّم في مدرسة المركز الحربي في تعز، ورئيس صحيفة الثورة اليومية الصادرة في صنعاء، وأحد مؤسسي وكالة الأنباء اليمنية سبأ في صنعاء ورئيسها، ومدير إذاعة وتلفزيون عدن، والصحفي المتألق في صحيفة الطليعة – التي كان يصدرها المفكر والقائد الوطني المناضل عبدالله عبد الرزاق باذيب في تعز في أواخر خمسينات القرن الماضي.
ويُعد عمر الجاوي أبرز مؤسسي اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين كأول اتحاد وحدوي، وانتُخب أميناً عاماً للاتحاد وترأس مجلة (الحكمة) الصادرة عنه.
حياة أبي أزال ثرية بتنوعها فهو الأستاذ والصحفي والمقاوم والشاعر والكاتب ذو المناقب الكبيرة في التاريخ اليمني. وبصماته محفورة أينما حلّ خلال عمر عطائه القصير من لحج إلى القاهرة التي طُرد منها لميوله الماركسية، إلى تعز، وموسكو التي أنهى فيها دراسته الجامعية عام 1966م ثم صنعاء، وعدن، ليعود لصنعاء مجدداً رافعاً راية التعددية السياسية ومدافعاً عنها بكل جوارحه مع قيام الوحدة اليمنية في مايو1990م.
شارك في تأسيس رابطة طلاب اليمن في القاهرة، وفي تأسيس وقيادة المقاومة الشعبية للدفاع عن الجمهورية أثناء حصار السبعين يوماً لصنعاء ورأس نشرة المقاومة الشعبية التي رفعت شعار “الجمهورية أو الموت”، وكذا في تأسيس حزب العمال والفلاحين “حزب العمل اليمني” لاحقاً، كما شارك في صياغة دستور دولة الوحدة من خلال عمله سكرتيراً للجنة الدستورية التي شكلت عام1972م.
وبعد قيام الوحدة اليمنية عام 1990م استأنف نشاطه السياسي والحزبي بتأسيس حزب التجمع الوحدوي اليمني، وإصدار صحيفة التجمع الناطقة باسم الحزب، وانتُخِب أميناً عاماً للحزب، وفي نفس العام عُيِّن مستشاراً لمجلس الرئاسة بدرجة وزير، دون أن يجني من تلك المكانة فلساً واحداً أو منزلاً.
كما شارك في لجنة الحوار الوطني التي كلفت بصياغة وثيقة العهد والاتفاق لإنهاء الأزمة السياسية التي كانت قائمة بين الأطراف السياسية آنذاك، ووقّع عليها مع زعماء التنظيمات والأحزاب السياسية في العاصمة الأردنية عمّان يوم 20 فبراير 1994م.
كان مناضلاً لا تلين له قناة في إعلاء راية العدالة الاجتماعية والمساواة وسيادة واستقلال الوطن، ما جعله هدفاً للقوى الظلامية والرافضة للديمقراطية والتعددية السياسية التي حاولت اغتياله في عام 1992م.
كانت القيادات السياسية قبل الوحدة وبعدها تحسب ألف حساب لكل كلمة يقولها عمر الجاوي، فهو الرجل إذا قال فعل، فلم يكن يوماً أسير الانفصام أو الانهزام. فلم تستطع تلك القيادات ترويضه، وبقى يعارض ويعرّي سلوكها القمعي حتى آخر نَفَس في حياته.
حمل مشروع التنوير بالكلمة، مناضلاً آمن أن الوطن يُبنى بالوعي لا بالهتاف، متفائلاً بيمنٍ سعيد مهما تكالبت عليه المؤامرات، وهو القائل:
صنعاء ثارتْ حطَّمتْ عبء الليالي والدهور
صنعاء كفَّنتْ عارها
فلتسألوا قصر البشائر
………………..
فلتنظروا شعبي
يدوس لحاهم الصُّفر العنيدة
ونشيده الداوي
يُزمجرُ عبر صنعاء الوليدة
سنعيدها اليمن السعيدة
…………………..
من أعالي حضرموت إلى الحديدة
سنعيدها اليمن السعيدة
صنعاء ثارتْ حطَّمتْ ثقل القيود
صنعاء لن تستبدلَ الجلاد
بالذئب الحقود
سجَّان حجة لن يُعيدَ القيدَ
من خلف الحدود
………………….
وصوت أسوان البعيدة
يهفو إلى شعبي المناضل
هاتفا: تحيا السعيدة.
فهل كان الوطن سينتحر أو يتمزق جسده، وأنت بيننا يا عمر؟
دعني أصارحك القول، يا أبا أزال، أن أشباه الرجال اعتلوا المنصة في غيابك، فوصلنا إلى ما وصلنا إليه.
كنتَ سيفاً يمانياً للحق، وأمّةً في رجل بنبل مبادئك وصفاتك الحسنى التي تَخَلَّقت لنصرة المستضعفين في الأرض.
عزاؤنا أنك ما زلت بيننا يا عمر نبراساً يضيء طريق أحلامنا الكبيرة… وسننتصر حتماً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى