مقالات

عن الاستيطان المزدوج

كتب / أزال عمر الجاوي

 

نظرة الصهيونية المسيحية إلى التطبيع بين إسرائيل والسعودية ليست مجرد إقامة علاقات دبلوماسية وتجارية طبيعية بين البلدين، بل يرونها خطوة أولى لكسر حاجز التضامن والحماية بين العرب والمسلمين وأرض الحرمين. الهدف البعيد هو جعل الاقتطاع من أراضي الحرمين مستقبلاً مجرد حدث عادي لا يستدعي أي رد فعل، خاصة وأنهم يعتقدون أن التوسع شرقًا نحو الأردن وسوريا، وغربًا نحو سيناء، لم يعد يواجه عوائق حقيقية.

 

على مدى ثلاثة عقود تقريبًا، سعت بعض أقطاب المسيحية الإنجيلية إلى دراسة بدائل لرفض معظم اليهود الهجرة إلى “أرض الميعاد”، وهو ما أدى، من وجهة نظرهم، إلى تأخر تحقيق دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، وبالتالي تأخر عودة المسيح بحسب معتقداتهم.

 

توصلوا إلى فكرة جديدة يمكن تسميتها بـ “الاستيطان المزدوج”، تقوم على حث المسيحيين الإنجيليين (الصهاينة) على الهجرة إلى المنطقة والسيطرة على الأراضي بين النهرين واستيطانها جنبًا إلى جنب مع اليهود، بهدف تسهيل عودة بقية اليهود مستقبلاً. وقد تم تجربة هذا المخطط بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث سمح بهجرة بعض المسيحيين من الجمهوريات السوفييتية المنهارة إلى فلسطين المحتلة، ونجحت التجربة من خلال دمجهم في المجتمع الاستيطاني هناك.

 

اليوم تأتي خطة ترامب بفكرة ترحيل الفلسطينيين من غزة وإحلال آخرين من مختلف أنحاء العالم، وهي خطة لم يستوعبها العرب أو العالم في سياقها الحقيقي. في الواقع، هذه الخطة تمثل تنفيذًا عمليًا لما يسمى “صفقة القرن” أو “الاتفاقات الإبراهيمية”، والتي تهدف في محصلتها النهائية إلى خلق “الاستيطان المزدوج” من النيل إلى الفرات، وجنوبًا إلى عمق بلاد الحرمين الشريفين.

 

ما قلناه دائمًا ونكرره هنا ان العرب أمام “ساعة الحقيقة”، وخياراتهم محدودة، إما المقاومة أو الاندثار، تمامًا كما حدث للهنود الحمر وسكان أستراليا وغيرهم من الشعوب التي لم تدرك أو تقاوم الاستعمار الاستيطاني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى