مقالات

انتقائية المشرع اليمني

 

كتب / صفوان باقيس

قانون العقوبات الجزائية تجسيد عملي لمأساة خلط الدين مع الدولة. لا يدرك اليمنيين بعد مدى تأثير الدين الاصولي على واقع الوضع اليوم. الصراع اليوم في اليمن عملية تراكمية للعبث في الدين و توظيفه في جهاز الدولة في عملية يمكن أن توصف كتضليل منطقي ترتكز على دغدغة العواطف لا على مخاطبة العقول. هذا هو النطع و التنطع بعينه و ذاته و جوهره.

اقتبس هنا “المادة (٤٥) بصياغتها المعدلة بالقانون رقم (١٢) لسنة ١٩٩٦ م من أن: (( نصاب الشهادة حسب ما يلي:. ١ – في الزنا أربعة رجال. ٢ – في سائر الحدود والقصاص رجلان )) . غير أنه استثنى حد السرقه فأجاز إثباته بشهادة رجل وامرأتين وهذا ما نصت عليه المادة (٢٩٧) من قانون الجرائم والعقوبات رقم (١٢) لسنة ١٩٩٤ م ونصها الأتي: (( تثبت جريمة السرقة الموجبة للحد:- … ١ – بالاعتراف أمام القضاء ما لم يعدل عنه قبل التنفيذ. … ٢ – بشهادة رجلين عدليين. … ٣ – بشهادة رجل وامرأتين عدول. )) ”
المصدر( “شروط الشهادة في الفقه الإسلامي والقانون اليمني – المجلد 1 – الصفحة 36 – جامع الكتب الإسلامية”)

القانون الجنائي اليمني حسب فهمي صيغ من جانب عقائدي اصولي مرتكزا بشكل كامل على الفقه الاسلامي من وجهة نظر سنية غير محايدة. نتعامل هنا مع منطق النص المقدس قبل العقل.

المقدس هنا تجاوز القرآن و الحديث النبوي فهو أيضا يشمل آراء الفقهاء كالإمام الشافعي و غيره من فقهاء المسلمين.

لذلك إن عملية ربط آراء الفقهاء بالمقدس خطير على عملية التطور المجتمعي فهي عمليا تحنيط زمني للاسلام كدين و فكر ومن ثم تفريغه من مضمونه الروحاني وكذلك الابتعاد كليا عن العدل كمقصد الشريعة الجوهري.

أستغرب هنا قدوم المشرع اليمني على الإنتقائية في فهم الفقه الاسلامي. مثلا بحكم المادة ٣ من الدستور اليمني التي تنص على إن الشريعة مصدر جميع التشريعات فهل يقبل المشرع اليمني وجوب شرط الخليفة القرشي وفق الشرط السابع في المذهب الشافعي ؟ يمرر السؤال تكرارا ، مع قدوم انصار الله لسدة الحكم ، فهل يقبل المشرع اليمني بشرط البطنيين وفق المذهب الزيدي التقليدي؟

لا يمكن علميا بناء دولة حديثة متقدمة مرتكزة على خرافات دينية أو تعتمد على منطق قال و قالت في تفاصيل التشريعات و القانون!

نرجع إلى القانون الجنائي اليمني الذي لا يعترف اساسا بشهادة المرأة في جرائم القتل إلا باستثناء — الفضاء النسائي مثلا مدرسة بنات أو حمام سباحة مخصص للنساء! ففي الفضاء العام كالشارع أو الجامعة المختلطة فإنه لا يؤخذ بشهادة المرأة إطلاقاً فهي تحت بند الشبهات تفسر لصالح المتهم بموجب الفقه فعليه فسر المشرع اليمني في حالة أن الشهود نساء فإن العقوبة القصوى لا تتجاوز ١٠ سنوات.

أي عصر تعيش فيه أيها اليمني ؟

القانون اليمني لا يميز بين الذكر و الأنثى على أساس الفروقات الفيزيائية و إنما يتعامل معها كليا كمخلوق ناقص عقل و دين فهي محل شبهة لا يثق بشهادتها إلا بحدود معينة.

فلنتابع المنطق الاعوج الذي ارتكزت عليه التشريعات الفقهية مما اجبرت المشرع اليمني لصياغة قوانين تافهة بليدة و بل يمكن أن توصف بانها ردة علمية و فكرية و تخلف مقزز مكتمل الاركان.

نبني عليه السيناريو التالي ، رجل اختلف مع زوجته بوجود امها و اختها فقام بقتلها و ثم انكر فإن القانون اليمني بموجب التفسير الفقهي الديني لا يعترف بشهادة امها و اختها لأنهن لسن رجال عدول ،وعليه فان اقصى عقوبة قد تواجه القاتل هي ١٠ سنوات فقط!

إذا لم ترى هذا ظلم ، فعليك لعنة الله و ملائكته و الناس اجمعين.

 

تاريخ ٢٠٢٤/٦/٩

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى