مقالات

لقد تم العبور العظيم..

د.الخضر محمد الجعري

طوفان الأقصى يوم 7-اكتوبر 2023م كان يوم العبور العظيم من حصار غزة وتهيُب قوة العدو ودك اسواره العالية واستباحة المدن والقرى الفلسطينية وحرقها باطفالها ونسائها واستباحة المسجد الاقصى والكنائس في حفلات زار صهيونية سموها طقوس عبادة بحراسة جيش الصهاينة وضرب المصلين والمرابطين في المسجد الاقصى من نساء وشيوخ كل هذا انتهى في لحظة عبور عبقرية ,هُدمت الاسوار واقُتحمت المستوطنات ودُكت المعسكرات وتعطلت اجهزة الرصد الصهيوني ..ماحصل هو زلزال سياسي وعسكري ونفسي ضرب الكيان الصهيوني في قلبه فاصبحت المعركة تدور في مناطق العدو الآمنه والمحصنه بمساحة لاكثر من 40 كليومتر داخل الارض المحتلة فلم يحصل في الحروب السابقة ان وصل جيش عربي الى اراضي 48.ماحصل يوم العبور العظيم قلب موازين مفاهيم العسكرية وعلوم المعاهد العسكرية .. ماجرى تغيُر حقيقي وهزيمة استراتيجية للكيان الصهيوني سيجعل الصهاينة يراجعوا حساباتهم وستتم المحاسبة والاقالات والسجون ولكن بعد ان يفيقوا من الصدمة وتضع الحرب أوزارها.
لقد صبر الفلسطينيون كثيرا وتعرضوا للقتل والتدمير واصبحت مناظر تشييع الشباب الفلسطيني ظاهرة يومية, لم يغثهم أحد من العرب . قدم الفلسطينيون كثيراً من التنازلات وشطبوا حقوقاً من برنامج منظمة التحرير السياسي وميثاقها كي يسايروا سياسة بعض الانظمة العربية وقبلوا على مضض ماسُمي بالمبادرة العربية التي قدمتها وتبنتها دول الخليج في مؤتمر بيروت عام 2002م .ورغم كل ماقدمه الفلسطينيون من تنازلات بحجة الواقعية السياسية لم يشفع لهم ذلك, وتم تنكر الانظمة العربية لمبادرتهم وهرولوا الى تطبيع مع كيان صهيوني دخيل على المنطقة وحضارتها وتراثها ليشرعنوا لعصابات و لفيف من قطعان المستوطنين جلبوهم من كل اقطار العالم لا تربطهم بفلسطين رابطة واصبح بعض سفهاء ومهرجي الانظمة العربية يعترف بحق اليهود في فلسطين بينما ينكر هذا الحق لأبناء فلسطين العربية.
لقد كان الفلسطينيون درعاً واقياً للامة العربية وانظمتها العاجزة وحاصروا الكيان الصهيوني لعقودً داخل فلسطين المحتلة لكن الانظمة اليوم فكت الحصار عن العدو ظناً منها بأنها تلحق الأذى بالفلسطينيين وتركعهم لقبول تسوية تنتزع منهم حقهم في اقامة دولة فلسطينية مستقله متناسين بان تمدد الصهاينة الى دول التطبيع يعني بانها اصبحت مخترقه سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وامنياً وثقافياً واجتماعياً وان مسألة اسقاط انظمة التطبيع ليست الا مسألة وقت فالمشروع الصهيوني لا يتعرف بحدود.
وبعد الهزيمة الاستراتيجية المرة التي تجرعها الكيان الصهيوني ولكي يغطي على الوضع المعنوي والنفسي المنهار لجيشه وشعبه لم يجد نتنياهو من ينقذه سوى اللجوء الى الرئيس الامريكي جو بايدن في تكرار للتاريخ يوم ان ذاق الصهاينة هزيمة 6 أكتوبر 1973م فاستنجدت جولدا مائير بالرئيس الامريكي يومها ريتشارد نيكسون .اليوم يستنجد نتنياهو ببايدن حتى يعطيه غطاءاً لجرائمه لقصف المدنيين الآمنين في غزة بغاراته الجوية بعد ان عجز جيشه عن مواجهة المقاومة على الارض ولا يستبعد بان يقوم بهجوم بري ضد غزة بعد ان اعلن نتنياهوالحرب.
مايجمع نتنياهو وبايدن هو الطموح للبقاء في السلطة فكل منهما مطلوب للسجن ومتهم بالفساد, وكل منهما همه هو النجاح في الانتخابات ولا يهمهما ماستعانيه شعوبهم ,هذا التحالف لن يسعفهم او يخرجهم من ورطاتهم فقد سبق وان تحالف ترامب ونتنياهو فسقطا معاً في الانتخابات ولا يوجد مايضمن لبايدن ونتنياهو الفوز هذه المرة ايضاً.
امريكا لم تستفد من تجارب حروبها الاجرامية الفاشلة وهزائمها في فيتنام وافغانستان والعراق ولا من مقتل جنودها في تفجير بيروت في 23 أكتوبر 1983م حيث قُتل 307 من العسكريين وهاهي تعيد الكرة بالاستعراض بحاملات الطائرات لتطمين نتنياهو المرعوب والمهزوزغير مدركين بان المنطقه قد تغيرت وان المجابهة قد اختلفت وان قوى المقاومة والممانعة قد اكتسبت من القوة والخبرة مايؤهلها للانتصار في كل مرة .
لقد تم العبور يوم 7 أكتوبر 2023م عبور الهزيمة الى فجر الانتصار وكبرتلاميذ غزة واصبحوا قادة وفدائيين وقوة تضرب العدو في العمق وتمرغ سمعته وتهز اسطورته وتصل اذرعهم الى حيث لم تصل مدافع الجيوش لقد صدقت نبوءة الشاعر العربي نزار قباني ولا اجد أجمل من اختتم بها يوم ان قال في قصيدته الخالدة عن تلاميذ غزه:
يا تلاميذ غزة
يا تلاميذ غزة
علمونا بعض ما عندكم فنحن نسينا
علمونا بأن نكون رجالاً
فلدينا الرجال صاروا عجينا
علمونا كيف الحجارة تغدو
بين أيدي الأطفال ماساً ثمينا
كيف تغدو دراجة الطفل لغماً
وشريط الحرير يغدو كمينا
كيف مصاصة الحليب
إذا ما اعتقلوها تحولت سكيناً
يا تلاميذ غزة
لا تبالوا بأذاعاتنا ولا تسمعونا
اضربوا.. اضربوا بكل قواكم
واحزموا أمركم ولا تسألونا
نحن أهل الحساب والجمع والطرح
فخوضوا حروبكم واتركونا
إننا الهاربون من خدمة الجيش
فهاتوا حبالكم واشنقونا
نحن موتى لا يملكون ضريحاً ويتامى
لا يملكون عيوناً
قد لزمنا جحورنا
وطلبنا منكم أن تقاتلوا التنينا
قد صغرنا أمامكم ألف قرنٍ
وكبرتم خلال شهر قرونا
يا تلاميذ غزة
لا تعودوا لكتاباتنا ولا تقرأونا
نحن آباؤكم فلا تشبهونا
نحن أصنامكم فلا تعبدونا
نتعاطى القات السياسي والقمع
ونبني مقابراً وسجونا
حررونا من عقدة الخوف فينا
واطردوا من رؤوسنا الافيونا
علمونا فن التشبث بالأرض
ولا تتركوا المسيح حزينا
من شقوق الأرض الخراب
طلعتم وزرعتم جراحنا نسرينا
هذه ثورة الدفاتر والحبر
فكونوا على الشفاه لحونا
أمطرونا بطولة وشموخاً
إن هذا العصر اليهودي
وهم سوف ينهار
لو ملكنا اليقينا
يامجانين غزة
ألف أهلا بالمجانين
إن هم حررونا
إن عصر العقل السياسي
ولى من زمانٍ
فعلمونا الجنونا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى