حيروت _ وكالات:
السيدة الرئيسة، يسرني أن ألتقي بكم اليوم شخصيًا لإحاطتكم بشأن الوضع في اليمن وجهودي من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن طريق للمضي قدمًا يمكن أن ينهي النزاع بشكل مستدام.
منذ إحاطتي السابقة واصلت العمل مع الأطراف اليمنية والمتحاورين الإقليميين للتوصل لوقف لإطلاق النَّار وبدء عملية سياسية. فقد التقيت برئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي في عدن، كما التقيت بقيادة أنصار الله ممثلة بمهدي المشاط في صنعاء، وكذلك بمسؤولين إقليميين ويمنيين رفيعي المستوى في الرياض وأبو ظبي ومسؤولين رفيعي المستوى في واشنطن العاصمة.
إن النقاشات الإيجابية والمستفيضة التي شاركت فيها مشجعة، إذ أبدى جميع المتحاورين تفهمهم لجسامة ما هو على المحك كما أبدوا الاستعداد للانخراط بشكل بنَّاء بشأن سبل للمضي قدمًا. أبدت جميع الأطراف أيضًا تصميمًا جليًا على التقدم نحو التوصل لاتفاق بشأن تدابير إنسانية واقتصادية، ووقف دائم لإطلاق النار، واستئناف عملية سياسية بقيادة يمنية تحت رعاية الأمم المتحدة. وأرحب بالجهود المستمرة للمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان في دعم دور الوساطة للأمم المتحدة.
وعلى الرغم من إحراز تقدم، ما زالت هنالك قضايا تتطلب مزيدًا من النقاشات. وأنا على قناعة بأن حل القضايا العالقة سيكون ممكنًا وأن الأطراف ستكون قادرة على الالتزام باتفاق إذا استمر تصميم الأطراف اليمنية مدعومًا بتماسك وتنسيق من المجتمع الإقليمي والدولي. وواجب على الأطراف البناء على التقدم الذي أحرزته حتى الآن واتخاذ خطوات حاسمة تقود إلى حل سلمي شامل.
السيدة الرئيسة، لقد أتاحت الهدنة، كما ذكرت في إحاطاتي السابقة، بيئة مواتية ونقطة بداية للبناء عليها من أجل اتخاذ الخطوات القادمة، فما زالت الهدنة بعد أكثر من عام على إعلانها وبعد سبعة أشهر على انقضائها مستمرة في تقديم المنفعة. فيواصل اليمنيون الاستفادة من تسيير الرحلات التجارية من وإلى مطار صنعاء، ودخول سفن محمّلة بالوقود والسلع الأخرى عن طريق ميناء الحديدة. ورغم استمرار وقوع الحوادث العسكرية المتفرقة، ما زالت مستويات الأعمال العدائية أقل بكثير مما كانت عليه قبل بدء الهدنة.
لكنَّ هشاشة الوضع العسكري، وتردي الوضع الاقتصادي والتحديات اليومية التي تواجه الشعب اليمني تذكرنا على الدوام بالسبب الذي يجعل الوصول إلى اتفاق شامل أمرًا ضروريًا للغاية.
تبيِّن التقارير المستمرة حول العنف على مختلف الجبهات، خاصَّةً في الجوف وتعز ومأرب وصعدة، هشاشة الوضع الحالي وتؤكد على الحاجة إلى وقفٍ رسميٍ لإطلاق النار. وأنا قلق بالقدر نفسه من تردي الوضع الاقتصادي والقيود المفروضة على الحركة وما يتبع ذلك من أثر على النشاط الاقتصادي ومعائش الناس. كما أنَّ عدم تَمكن الحكومة اليمنية من تصدير النفط، الذي مثّل أكثر من نصف إجمالي الإيرادات الحكومية العام الماضي، يفرض ضغوطًا على الحكومة تؤثر على الوفاء بالتزاماتها تجاه الشعب اليمني. أيضًا تضارب وعدم اتساق السياسات المالية والاقتصادية في مختلف أنحاء البلاد أثر بشدّة على المواطنين والأعمال التجارية وفرض عليهم حالة من عدم اليقين خاصَّة في صنعاء والمحافظات المجاورة لها. وفي ظل غياب التعاون بين الطرفين حول القضايا النقدية والمالية الحرجة، سوف تزداد هذه التحديات سوءً وربما تزداد عُمقًا.
رغم هذه التحديات البالغة، ما زال هناك مجال للتفاؤل الحذر. ففي الأسابيع الماضية، اتخذت الأطراف خطوات إضافية إيجابية، فبعد إطلاق سراح 887 محتجزًا الشهر الماضي بتيسير من مكتبي واللجنة الدولية للصليب الأحمر ودعم سخي من الحكومة السويسرية، نفّذت كلاً من المملكة العربية السعودية وأنصار الله، مزيدًا من عمليات إطلاق سراح للمحتجزين بشكل أحادي الجانب. وأنا على ثقة بأنَّ عمليات الإفراج هذه سوف تعزز المزيد من الثقة بين الأطراف وستدعم تهيئة بيئة مواتية للحوار. وفي حين أنَّ كل عملية إطلاق سراح تمثل خبرًا سعيدًا للمحتجزين وعائلاتهم، ما زال هناك آلاف آخرون رهن الاحتجاز. لذا، أدعو الأطراف إلى مواصلة العمل مع مكتبي للوفاء بالتزاماتهم بالإفراج عن جميع المحتجزين على خلفية النِّزاع طبقاً لاتفاق ستوكهولم.
قبل أسبوعين وتحديدًا في الثالث من أيَّار/مايو تم إحياء الذكرى الثلاثين لليوم الدولي لحرية الصحافة. وفي حين أن إطلاق سراح أربعة من الصحفيين مؤخرًا ضمن اتفاق إطلاق سراح المحتجزين هي خطوة مُرحَّب بها، ما زال الإعلاميون في اليمن يتعرضون للتهديدات والمضايقات وللاحتجاز كما يتم مصادرة مكاتبهم والممتلكات. أدعو الأطراف للوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي للإفراج الفوري عن جميع الذين لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي بما يشمل الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين وغيرهم من المدنيين المحتجزين بصورة تعسفية.
السيدة الرئيسة، إن ركيزة أي اتفاق للمضي قدمًا يجب أن تكون استئناف عملية سياسية بقيادة يمنية وتحت رعاية الأمم المتحدة لإنهاء النَّزاع. فليس بمقدور الحلول الجزئية أو المؤقتة التصدي للمصاعب التي وصفتها آنفًا ولا غيرها من التحديات الكثيرة التي تواجه اليمن، وحدها العملية السياسية الشاملة الجامعة يمكنها صياغة شراكة سياسية جديدة وتحقيق الوعد بمستقبل آمن ومستقر اقتصاديًا تضطلع فيه مؤسسات الدولة بأداء عملها بفعالية وتعود فيه لليمن علاقاته السلمية مع جيرانه. ويتعيّن على هذه العملية السياسية معالجة القضايا المعقّدة والمتعلقة بمستقبل اليمن على المدى البعيد على أن تبدأ في أقرب وقت ممكن.
كما أن ضمان أن تكون هذه العملية جامعة هو أمر بالغ الأهمية لضمان استدامة أي حل سياسي. الحوار الذي عقدته مؤخرًا عدد من المجموعات السياسية الجنوبية يؤكد مجددًا الحاجة الملحة لليمنيين لمناقشة وتحديد مستقبلهم بشكل جماعي ضمن عملية يقودها اليمنيون برعاية الأمم المتحدة، وخلال تلك العملية، يجب الإصغاء لأصوات جميع اليمنيين.
وبنفس القدر من الأهمية تأتي المشاركة والتمثيل الحقيقيين للنساء والشباب في جميع جوانب عملية السلام بما يتفق مع قرار مجلس الأمن رقم 1325، إضافة إلى المجتمع المدني. ولا يقتصر معنى المشاركة الحقيقية على عدد المشاركين من الإناث والمجتمع المدني بل يعني أيضًا توفير مساحة تُمكِّن النساء والمجتمع المدني من معالجة أولوياتهم والمساهمة برؤاهم وخبراتهم، فغالبًا ما يتم تهميش النساء والمجتمع المدني.
السيدة الرئيسة، اسمحي لي أن أغتنم هذه الفرصة لأكرر تقديري للدعم الثابت والمقدم من هذا المجلس، فانخراط المجلس ووحدة موقفه حول اليمن من الأمور التي أثمنها بشكل كبير. فاستمرار الدعم ومواكبتكم لأي اتفاق قد يتم التوصل إليه له أهمية كبرى ليس فقط على المدى القريب ولكن أيضًا على المدى البعيد بينما يرسم اليمن مساره نحو مستقبل من السلم والازدهار بما يلبي تطلعات شعبه.
المصدر: عدن الغد