القوة دون عدالة إستبداد !!
كتب/أحمد سلطان السامعي
قِيل قديماً أن العدل أساس الحكم وقِيل أيضاً أعطيني عدل أعطيك دولة ، من هذا المنطلق نعرف أنه لا يمكن قيام الدولة بدون العدل والعدل يحتاج إلى عوامل عدة يرتكز عليها , أهمها الإستقلالية ، لأنه لا يمكن أن تستقر أو تتقدم أي دولة في العالم بدون قضاء مستقل وعادل وهذه ما نفتقده نحن في اليمن ، فالقضاء غير عادل في الغالب و غير مستقل كلياً و هذا واضح للجميع .
في الأصل لا سلطة على القضاء لكن في بلد الحكمة لا قضاء على السلطة ، فلم نشاهد يوماً في تأريخ الدولة اليمنية مسؤولاً فاسداً خلف قضبان العدالة رغم ما يمارسه الفاسدين من فساد يزكم الأنوف ويبصره العميان .
في تأريخ اليمن السعيد ينخر الفساد مفاصل الدولة كلها فيمارسه السلطان في أعلى هرم السلطة و البواب في قاعدتها – كلاً حسب موقعه – حتى أصبح الفساد ثقافة وسلوك يومي لا يمكن مواجهته بالقضاء لأن القضاء يتجه حيثما تهب رياح المال والسلطة – إلا ما شاء الله – فنرى القاضي يبيع ويشتري في حقوق الناس ومن دفع أكثر فاز بحكُمه حتى اصبح مُتداول بين الناس المثل القائل ( لا يجب أن تعرف القانون يكفي أن تعرف بيت القاضي ).
الشواهد على فساد القضاء كثيرة ولا يمكن حصرها هنا ولكن أشهرها الرشوة ، فقد أصبح شائعاً اليوم دفع مبالغ مالية للقضاة مقابل تغيير حق أو تخفيف حكم أو ربما تأجيل حكم إلى ما شاء الله وكل شي له سعره . أيضاً مماطلة القُضاة في حلحلة القضايا المنظورة في المحاكم أدى إلى تراكم عدد كبير جداً وهذا سبب تأخير البت في الكثير من القضايا لكن هذه المشكلة لها ما يبررها فقِلة القضاة مقارنة بعدد القضايا سبباً أساسياً في ذلك ، ففي مدينة صغيرة كالقاعدة في محافظة إب مقابل كل قاضي حوالي ٥٠٠ قضية منظورة غير القضايا الواردة وغير القضايا التي يحلها القضاة في منازلهم . ولك أن تتخيل عدد القضايا التى تحل بالعرف القبلي وعددها أكثر بكثير ما يصل للمحاكم .
الحديث عن فساد القضاء لا يمكن إيجازه في مقالة ، وما يتحدث به الناس يعتبر نقطة في بحر وما خفى أعظم ، لكن ما هو مطلوب اليوم من الحاكم هو إعادة الإعتبار للقضاء و العمل على إستقلاله بشكل كامل و البدء في ترتيب السلطة القضائية بطرق سليمة و أن يكون للقضاء لجنة داخلية تختص في محاكمة وفصل كل الفاسدين في السلك القضائي ، والأهم أن يكون القضاء سلطة مستقلة لا سلطة عليه ، وأن يحترم الجميع قرارات القضاء ولا يحق لاي سلطة أُخرى التدخل في شؤون السلطة القضائية بما فيهم رئيس الجمهورية نفسه.
القضاء العادل مقصد الناس لإنصافهم و يتساوى عنده الرئيس والمرؤوس ، ويعيش المواطن في ظله آمنا مطمئنًا ، و هو أساس إستقرار الدول وتقدمها وإزدهارها في كافة نواحي الحياة ، فيحل الأمن و الإستقرار وينتعش الإقتصاد وينهض التعليم وتزدهر الديموقراطية و يحفظ إستقلال الدولة وسيادتها ..
وفساد القضاء أساس فساد السلطة و هذا يعني فساد الحياة العامة بكل جوانبها ، و يفضي إلى إنتشار الظلم والمفاسد بكل أشكالها و زيادة مستوى الجريمة والنهب وزعزعة السكينة العامة وفقدان مصالح الناس وإنعدام الأخلاق وكل هذا يؤدي إلى نهاية الدولة ، ونهاية الدولة يعني الفوضى وتمرد الناس والنتيجة حتماً نهاية الحاكم.
في دول العالم الثالث ومنها اليمن تعمد السلطة إلى تثبيت أركانها بالقوة بدل العدل والمساواة والديمقراطية ، فتلجأ إلى إستخدام القوة والحكم بالحديد والنار ، وإخافة الناس ، وكبت الحريات ، وإعتقال المعارضين وهي بذلك تعتقد أنها تسيطر على الوضع وترسخ دعائم حكمها ولا تدري أنها تولد حالة من الضغط الداخلي ينفجر عندما تحين الفرصة وتولد تمرداً وهذا نتاج طبيعي لحالة الضغط الذي يولد الإنفجار كما أخبرتنا الفيزياء . هذا الإنفجار أو التمرد لا يمكن مواجهته بشتى أساليب القوة ولا ينفع وقتها اللين.
قِيل لعمر بن عبدالعزيز : يا أمير المؤمنين إن الناس قد تمردت وساءت أخلاقها ولا يقومها إلا السوط.
فأجاب: كذبتم، فإنما يقومها العدل والحق .
صحيح القوة مطلوبة على الدوام و خاصة في الوضع الراهن ، لكن لفرض العدل لا بديلة عنه ، وأن تكون مع المظلومين لا عليهم ، و مساعدةً للقضاء في فرض الحق والنظام والقانون ، وأن تكون تلك القوة يد القضاء العادل التي يضرب بها ،لأنه لا يمكن للقضاء أن يكون عادلاً إذا لم تكون الدولة قوية .
خلاصة القول : كل ما يريده المواطن اليمني اليوم هو دولة قائمة على العدل والمساواة بين الناس بالحق و لا ميزة لأحد على غيره ، وأن يكون للجميع حرية المعتقد والتعبير والرأي وحرية التنقل وان لا يفرض على الناس ما لا يرغبون ، وأن تكون الإنتخابات الحرة والنزيهة هي السبيل الوحيد للوصول للسلطة وأن يكون القضاء العادل والمستقل هو مرجع الناس وقت الشدة.