الأخبارتقارير وتحليلاتمحليات

اليمن: القطاع المصرفي.. رحى بنكين وعزلة دولية

صنعاء – فاروق مقبل الكمالي

أثرت القيود المفروضة على القطاع المصرفي في اليمن وتباينات سعر الصرف المحلي بشكل كبير على تدفق السلع و المدخلات الصناعية وانعكاس ذلك على الأسواق المحلية وأسعار المنتجات الغذائية والاستهلاكية.
ويتواصل مسلسل التغيرات السعرية في السوق المصرفية المحلية وتدهور العملة اليمنية منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد، مع وصول هذا الاضطراب إلى ذروته طوال فترات العام الماضي 2021، بعد ما دخلت اليمن في أزمة مصرفية حادة في العام 2020، على إثر الانقسام الكبير الذي رافق القرار الذي اتخذه الحوثيين بمنع تداول العملة الجديدة المطبوعة والذي تستمر تداعياته وتبعاته إلى الآن.
وتستخدم الحكومة اليمنية منذ مطلع 2018، وديعة سعودية بنحو 2 مليار دولار أمريكي، لتوفير الدولار للتجار بأسعار تفضيلية وفتح الاعتمادات المستندية لاستيراد السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية وشراء وقود لتشغيل المحطات الكهربائية في عدن والمحافظات الجنوبية من اليمن، في حين ينفذ البنك المركزي في عدن منذ نهاية العام 2021، سياسة جديدة ما تعرف بنظام مزادات بيع العملة الأجنبية لتوفير الدولار للتجار لاستيراد الخمس السلع الأساسية، القمح والدقيق والأرز والسكر والوقود.

ويرى خبراء أن غياب التدخل المالي تسبب في تدهور سعر الصرف وانخفاض قيمة العملة المحلية بالتوازي مع انكماش الاقتصاد الوطني ونفاذ الاحتياطي من الدولار والعملات الصعبة.

وتشهد العملة المحلية انهيار متواصل منذ انخفاض الاحتياطي النقدي من الوديعة المالية السعودية التي كانت موضوعة في البنك المركزي اليمني والمقدرة بملياري دولار ونفادها وفق معلومات خاصة، في حين فقد الريال نحو 160% من قيمته منذ خلال السنوات الثلاث الماضية، إذ انخفض في عدن ومناطق الحكومة المعترف بها دوليًا من 640 ريال إلى 1250 ريال ووصل في بعض الفترات العام الماضي إلى أكثر من 1500 ريال للدولار الواحد، بينما ظل مستقرًا في صنعاء ومناطق نفوذ الحوثيين عند حاجز 557 ريال للدولار الواحد، قبل أن يتراجع منذ مطلع العام 2022، إلى نحو 565 ريال مقابل الدولار الأمريكي.
وتسبب التباين في سعر صرف العملة بين عشية وضحاها وبشكل متواصل خلال سنوات الحرب في إرباك للمنتجين المحليين، والذين هم بحاجة إلى استيراد المدخلات الصناعية، وبالتالي انعكس ذلك على أسعار السلع وتحمل المستهلك اليمني المزيد من الأعباء في الوقت الذي يعاني من شبه انعدام للدخل أو تأكله في الغالب مع فقدان الريال اليمني لقيمته.
كما أن استيراد المواد الغذائية والمدخلات الصناعية يتم حاليًا عن طريق وسطاء غير رسميين في الخارج وبعمولات أعلى ما يتسبب بارتفاع التكاليف وتحمل المواطن لتلك التكاليف في النهاية أيضا.

•ارهاصات القطاع المصرفي
ساهم تدهور العملة المحلية و أزمة السيولة في توقف/تقليص الأجور والمرتبات وتسريح بعض العاملين من منشآت الأعمال في اليمن مما خفض قدرتهم الشرائية للسلع الغذائية وغير الغذائية وعمق انكماش الطلب على منتجات القطاع الخاص، وبالتالي، تدهور النشاط الاقتصادي واتساع دائرة البطالة والفقر في البلاد.

سارعت البنوك الخارجية التي كانت تراسل البنوك المحلية اليمنية إلى التوقف عن فتح الاعتمادات المستندية لتغطية الواردات، أو بمعنى أكثر بساطة التوقف عن لعب دور الوسيط بين التاجر اليمني والمنتج الخارجي، الأمر الذي تسبب بإعاقة حركة الاستيراد للمواد الغذائية والأدوية.
كما برزت أزمة النقد الأجنبي في طليعة العوامل التي أدت إلى تنامي العوائق وزيادة التكاليف أمام القطاع الخاص وتقييد قدرته على استيراد السلع والخدمات بما فيها القمح والأرز والسكر والوقود.

فعملية شراء مستوردي تلك السلع للدولار مباشرة من سوق الصرف الموازي يضغط بقوة على سعر الصرف.
وبالتالي، يرفع تكلفة السلع المستوردة عما كانت عليه قبل الحرب متأثرة ضمن عوامل أخرى بشحة النقد الأجنبي، الأمر الذي شكل تهديداً للأمن الغذائي في البلاد.

وهو ما تطلب تأمين التسهيلات التجارية للسلع الأساسية والوقود عند سعر صرف محدد.
وفقًا لمدير عام جمعية البنوك اليمنية محمود قائد ناجي في حديثه لـ “يمن فيوتشر” فإن المشاكل والارهاصات التي تواجه النظام المصرفي اليمني كثيرة بعضها نشئ بفعل انقسام السلطة النقدية بين عدن وصنعاء و بعضها كانت موجودة وبرزت قبل الحرب وتطورت مع الحرب والمشكلة السياسية، ويوضح ناجي أن المشاكل القديمة نشأت عندما قامت البنوك الأجنبية بالتضييق على البنوك اليمنية واغلاق الكثير من حساباتها، أو الحد من عملياتها وتعاملاتها، ولم يبقى غير عدد قليل من البنوك اليمنية تتعامل مع بنوك خارجية ويتم استخدامها كقنوات في استيراد الغذاء والدواء، وتمويل عمليات الاستيراد، ومع تطورات الأزمة السياسية، ونقل البنك المركزي اليمني إلى عدن وحدوث انقسام السلطة النقدية تفاقمت المشاكل وفقدت بقية القنوات وصارت الأزمة أكبر وأعمق.
وواجه القطاع المصرفي أزمة سيولة خانقة فحوالي 65% من إجمالي أصول البنوك غير متاحة للاستخدام وهي في شكل أوراق مالية حكومية، وأرصدة (ودائع واحتياطي قانوني) لدى البنك المركزي، وقروض للقطاع الخاص معرضة لخطر عدم السداد لذلك، فيما أصبحت البنوك غير قادرة على الوفاء بطلبات عملائها من أصحاب الأعمال في الوقت المناسب، مما أضر بأنشطتهم وزعزع ثقتهم في القطاع المصرفي مفضلين الاحتفاظ بالسيولة خارج البنوك.
ناهيك عن بروز تحديات مستجدة لأزمة السيولة مثل وجود فرق كبير بين الدفع نقداً وشيكاً أو عدم قبول الشيكات، وتدني سعر صرف فئات الدولار القديمة (قبل 2006) مقارنة بالفئات الجديدة. علاوة على ارتفاع نسبة القروض المتعثرة إلى 52.5 % من إجمالي قروض وتسهيلات البنوك المقدمة للقطاع الخاص منذ العام 2017 ولذلك، باتت البنوك تطلب ضمانات كبيرة على الائتمان.

•بنكين وعزلة دولية
انفجر النزاع الراهن في اليمن في عام 2015، لكن التصاعد الخطير الذي وضع الاقتصاد اليمني في مرحلة البيات الشتوي الإجباري بدء في سبتمبر/ أيلول من العام 2016، مع قرار نقل البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، حيث شكلت عملية نقل البنك إلى عدن مرحلة العزل الكامل للنظام المصرفي في اليمن عن النظام المالي العالمي وسرعان ما لحقت تداعيات ذلك بكافة شرائح المجتمع.

فرض قرار نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، عزلة دولية للنظام المالي في اليمن جراء توقف نظام “السويفت”، الأمر الذي دفع منظمة العمل المالية في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، أي بعد شهر لاتخاذ قرار بوضع النظام المالي اليمني في القائمة الرمادية جراء إعاقة جهود مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فنظام السويفات لم يعمل إلا بعد 8 أشهر من قرار نقل البنك أي في ابريل/ نيسان 2017، على إثر ذلك سارعت البنوك الخارجية التي كانت تراسل البنوك المحلية اليمنية إلى التوقف عن فتح الاعتمادات المستندية لتغطية الواردات، أو بمعنى أكثر بساطة التوقف عن لعب دور الوسيط بين التاجر اليمني والمنتج الخارجي، الأمر الذي تسبب بإعاقة حركة الاستيراد للمواد الغذائية والأدوية، كما أعاق القرار قدرة ترحيل العملات الصعبة إلى حسابات البنوك التجارية في الخارج والقدرة على الدفع والتحويل وفقًا لما يؤكده الباحث الاقتصادي وحيد الفودعي.
والذي اضاف في حديث لـ”يمن فيوتشر”، أن القطاع المالي في اليمن هو أحد أضعف القطاعات المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالنظر إلى ما يواجه من تحديات وصعوبات بالرغم من المحاولات العديدة لإجراء إصلاحات قانونية وتنظيمية غير أنها لم تؤت أكلها حتى اللحظة، خصوصا مع استمرار الحرب الدائرة في البلاد منذ العام 2015 وما خلفته من انقسام مالي ونقدي تسبب باختلالات كبيرة في بنية الاقتصاد اليمني وتراجع حاد في كافة المؤشرات الاقتصادية.
و فقدت ودائع البنوك اليمنية لدى البنك المركزي اليمني وارباح الاستثمار في اذون الخزانة والتي وصلت إلى 1,1 تريليون نحو ( 5 مليار دولار قبل الحرب) قيمتها جراء تدهور سعر العملة المحلية أمام الدولار.

•تعزيز الانقسام وتصاعد الأزمة
مع اندلاع الحرب المستمرة منذ مارس 2015 بدأت عملية تجفيف مصادر الإيرادات النفطية والغازية عن البنك المركزي اليمني في صنعاء تلى ذلك انفصال فروع البنك في مأرب وعدن والمهرة وحضرموت وبدأ البنك المركزي اليمني في صنعاء عاجزا عن توفير السيولة المالية من العملة المحلية للبنوك التجارية، ومع تجفيف مصادر الإيرادات اضطر البنك المركزي لاستعمال احتياطاته من العملة المحلية لتمويل احتياجات الإنفاق العام واستخدام احتياطياته من العملة الأجنبية لتمويل الواردات. بينما تسببت الحرب الداخلية في تعقيد نقل الأموال بين فروع البنوك التجارية في المحافظات وزيادة مبالغ التأمين على نقل الأموال وتعرض عمليات النقل إلى السطو المسلح ما دفع البنوك التجارية إلى التوقف عن التفكير بنقل الأموال من محافظة إلى أخرى والحد من عمليات السحب المالي من أرصدة العملاء ووضع سقوف محددة لعمليات السحب، وفي تلك الأثناء كان البنك المركزي اليمني بصنعاء غير قادرا على تنفيذ أية عملية طبع للنقود بقرار من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.

وهو ما يؤكده المدير العام لجمعية البنوك اليمنية محمود قائد ناجي، بقوله: مع منع البنك المركزي اليمني في صنعاء من طباعة العملة وهو الممول الأساسي للبنوك بالنقد المحلي ،لم يستطيع البنك الوفاء بمهمته الأساسية وانتقلت المعاناة إلى البنوك التجارية والإسلامية وتفاقمت المشكلة.
صعوبة نقل الاموال بين المحافظات نتيجة الانقسام النقدي والإجراءات المتخذة من قبل كل سلطة نقدية ضد الأخرى في ظل استمرار عدم فتح غرف المقاصة الخاصة في البنك المركزي في عدن، لذلك لم تستطع البنوك تلبية طلبات التجار العاجلة.
بعد انقسام السلطة النقدية سمحت الحكومة للبنك في عدن بالطباعة، فتم طباعة 2 مليار ريال من العملة مع تغيرات في شكل الطبعة بدون غطاء من الايرادات و تم اصدار الطبعة الجديدة للتداول ما تسبب بارتفاع التضخم بشكل كبير وتفاقمت الأزمة مع منع حكومة صنعاء تداول هذه الطبعة، ولم تتمكن البنوك التجارية من تلبية طلبات القطاع التجاري.
لم تقف المشكلة هنا فقرار منع الطبعة النقدية وفقا للباحث الاقتصادي وحيد الفودعي، أوجد فروقات في سعر العملة بين الطبعة القديمة والطبعة الجديدة، حيث تكدست الجديدة في مناطق الحكومة المعترف بها بعرض تفوق الطلب، وتكدست الطبعة القديمة في مناطق الحوثيين بعرض لا يلبي الطلب وهذا الاختلال بالعرض النقدي أوجد فارق السعر بين الطبعتين وأوجد الفارق السعري في الصرف والتحويل والشراء بين صنعاء وعدن وصار حتى من يفكر بالسفر من عدن إلى صنعاء أو العكس بحاجة بالأول للبحث عن نقد قابل للتداول هنا أو هناك ودفع الناس لشراء العملات الأجنبية، واحدث أيضا تأثير كبير على عملية الاستيراد سواء للمنتجات الاستهلاكية أو المدخلات الصناعية بين صنعاء وعدن.

•مشاكل لا حصر لها
فرض انقسام البنك المركزي اليمني بين صنعاء وعدن مشاكل أخرى على البنوك التجارية والإسلامية؛ منها مشكلة رفع البيانات ومشكلة الأرصدة، ففي الوقت الذي تواجه فيه البنوك التجارية سطوة بنكي صنعاء وعدن ومطالبتهما بالبيانات فإنها لا تملك سبيلا إلى بيانات أرصدتها السابقة التي يحتفظ بها البنك المركزي في الخارج ولا تقدر على استخدامها في فتح اعتمادات الاستيراد الأمر الذي ينعكس على الوضع الإنساني في البلاد برمتها، ووفقا لمدير عام جمعية البنوك اليمنية محمود قائد ناجي “صارت البنوك التجارية والإسلامية اليمنية تواجه مشكلة رفع البيانات هل إلى بنك صنعاء أو بنك عدن فكل بنك يريد من البنوك التجارية والإسلامية رفع البيانات إليه وحده دون الأخر أو التعرض للإجراءات العقابية، وفقا لناجي فإن بنك صنعاء يمارس اشراف فعلي على البنوك وبالتالي البنوك توافيه بالبيانات بينما بنك عدن يصر على موافته بالبيانات استنادا إلى إصراره على امتلاك الشرعية فأصبحت البنوك التجارية والإسلامية بين المطرقة والسندان.

وتتمدد المشاكل التي يعانيها القطاع المصرفي على تفاصيل الجغرافيا اليمنية ومسارات الحرب الدائرة التي تسببت بوقف نقل الأموال بين المحافظات لأسباب أمنية في البداية ومن ثم لأسباب تتعلق بالانقسام النقدي وما يتخذه طرفي الصراع من إجراءات في مواجهة بعضهما البعض كما تعاني وفق المحلل الاقتصادي رشيد الحداد في حديث لـ”يمن فيوتشر”، من إيقاف غرف المقاصة الخاصة في البنك المركزي اليمني بعدن وهو ما يحول دون تلبية طلبات التجار العاجلة.
ومن القيود أيضا، صعوبة نقل الاموال بين المحافظات نتيجة الانقسام النقدي والإجراءات المتخذة من قبل كل سلطة نقدية ضد الأخرى في ظل استمرار عدم فتح غرف المقاصة الخاصة في البنك المركزي في عدن، لذلك لم تستطع البنوك تلبية طلبات التجار العاجلة، فيما يأتي ارتفاع رسوم التحويلات النقدية التجارية الإنسانية والعادية والتي وصلت إلى أكثر من 70% من قيمة الحوالة ليس فقط كمشكلة للإنقسام النقدي وإنما كارثة اقتصادية طالت الفرد والمجتمع وأثقل كاهل اليمنيين والقطاع الخاص التجاري والمستوردين.

يقول *تقرير مؤسسة التمويل/البنك الدولي:-*
*”ان اطعام نحو 70% من سكان اليمن لن يكون ممكنا بدون شراكتنا مع القطاع الخاص، وقد حققت “مجموعة هائل سعيد انعم وشركاه” اثرا ايجابيا للشعب اليمني لمدة 85عام وعمقت التزامها بخدمة هذا البلد خلال هذه الازمة المعقدة وغير المسبوقة“*
وحسب التقرير الصادر مؤخرا *«اعلن العديد من الخبراء ان اليمن على شفا مجاعة، ولو لم تقم المجموعة بنقل القمح “نظرا لتقطع السبل والاسباب وتعرج الطرق عبر اميال طويلة” فان سكان المهرة والمناطق المحلية الاخرى سيتحول حالهم من الجوع الى التضور جوعا»*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى