من يوقف تشغيل مصفاة عدن؟
عدن – ليزا الصلوي
احتجاجات مستمرة تشهدها العاصمة المؤقتة، تطالب بتشغيل مصفاة عدن المتوقفة، بسبب الحرب وسوء الإدارة وانتقادات لموقف الحكومة المعترف بها دوليًا، بحسب بيانات صادرة عن مجلس اللجان النقابية في المصفاة.
اللجان النقابية في شركة مصفاة عدن نفذت الاثنين 27 يونيو، وقفة احتجاجية، امتدادًا لوقفات احتجاجية سابقة. الوقفة الاحتجاجية أمام بريد البريقة المجاور لشركة المصافي، دعا لها المكتب التنفيذي لمجلس اللجان النقابية بشركة مصافي عدن، وفق بيان له في 26 يونيو الماضي، جاء فيه أن هذه الوقفة تأتي تزامنًا مع الهبة الشعبية ضد الفساد، الرافضة لإفقار وتجويع اليمنيين وحرمانهم من ثرواتهم، مؤكدًا أن تشغيل مصافي عدن أصبح مطلبًا شعبيًا لتوفير المشتقات النفطية بكافة أنواعها، وبأقل الأسعار.
وأضاف البيان أن تشغيل مصفاة عدن سيرفد خزينة الدولة بالعملة الصعبة، ودعم العملة المحلية التي من شأنها الإسهام في استقرار أسعار المواد الغذائية وتعرفة الكهرباء.
العشرات من المحتجين، معظمهم من موظفي شركة مصافي عدن، طالبوا الحكومة بتشغيلها لتمكينها من رفد خزينة البلاد وتوفير البترول في مناطق سيطرة الحكومة بسعر منخفض.
تتزامن الاحتجاجات مع ارتفاع أسعار الوقود في عدن ومناطق سيطرة الحكومة، حيث وصل سعر صفيحة البترول- 20 لترًا، أكثر من 25 ألف ريال (نحو 22 دولارًا).
احتجاجات عمال المصفاة
تتوازى مبادرات الناشطين والناشطات في عدن، مع الاحتجاجات النقابية والعمالية لموظفي المصفاة، إذ يواصلون أنشطة وفعاليات احتجاجية منذ أسابيع، تطالب بإعادة تفعيل مصفاة عدن والمنشآت الاقتصادية، وأهمها مصافي عدن، بدل استجداء معونات دول الجوار، وانتظار الدعم الخارجي، كما يقول الناشطون الذين دشنوا صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، وينسقون من خلالها لأنشطتهم الاحتجاجية.
وجاء في بيان صدر عن وقفة احتجاجية نظمها مجلس اللجان النقابية لشركة مصافي عدن، أمام بوابة المصفاة في عدن، أن “إيقاف المصفاة عن العمل كان بمثابة الخنجر المسموم في صدر الاقتصاد، والضربة القاضية التي جعلت الشعب يترنح بين أمواج الغلاء والارتفاع الجنوني للأسعار وانهيار العملة المحلية أمام العملات”.
البيان أضاف أن ما يحصل في المصفاة سببه الفساد بالدرجة الأولى، وليس بسبب الحرب فقط، وأن محاربة الفساد لا تقل أهمية عن محاربة الأعداء.
وطالب بيان مجلس اللجان النقابية لشركة مصافي عدن، النائب العام بفتح ملفات الفساد السابقة والحالية، والتحقيق بأسباب توقف مصفاة عدن عن العمل بتقطيع محطة الطاقة، لأن عدم المحاسبة ينذر باستمرار الوضع على ما هو عليه، بل إلى أسوأ من ذلك، علمًا أنه لا توجد شركة صينية حقيقية، وأن المبالغ المدفوعة باسم محطة الطاقة فقط تعدت المائة مليون دولار أمريكي مقابل 15 ميجا، “ومازال المشروع قيد الإنشاء في البنية التحتية ، وأن خسائر المصفاة الحقيقية منذ توقفها عن العمل تقدر بمليارات الدولارات.”
المجلس أكد تمسكه “بكافة المحاضر والاتفاقات المبرمة مع إدارة شركة مصافي عدن، وأهمها المتعلقة بإعادة تشغيل المصفاة قبل نهاية العام 2022، بحسب الاتفاق المبرم في 6 مارس 2022، وتأكيد الإدارة الالتزام بكافة بنوده، وذلك بتاريخ 12 مارس 2022”.
وطالب المجلس الرئاسي بالتوجيه للحومة بدعم شركة مصافي عدن، وذلك بدفع مستحقاتها المالية لدى وزارة المالية والمؤسسات والشركات الحكومية، والتي تقدر بعشرات مليارات الريالات التي بإمكانها أن تسهم بإعادة تشغيل المصفاة دون الحاجة إلى داعم أو شريك، وإعطاء المصفاة حصتها بإنصاف لمستحقات الخزن نظرًا لدورها الهام الذي لا يمكن الاستغناء عنه.
موقف المجلس الرئاسي
وتشكل الاحتجاجات في عدن للمطالبة بتوفير الكهرباء وتوفير الوقود بأسعار مناسبة، ضغطًا في توقيت ملائم قد يستفيد منه المجلس الرئاسي أمام حلفائه، خصوصًا السعودية والإمارات، اللتين تعهدتا بتقديم دعم مالي يتجاوز 3 مليارات دولار، لإنجاح جهود المجلس الرئاسي في تثبيت وتحسين الأوضاع في عدن ومناطق سيطرة الحكومة.
وجاءت الاحتجاجات متزامنة مع مباحثات يجريها رئيس المجلس الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، في الرياض، من أجل مساعدات عاجلة بقيمة 900 مليون دولار، لمعالجة أزمات كهرباء عدن والوقود.
ويثابر العديد من شبان وشابات عدن منذ أسابيع في إطار أنشطة احتجاجية للمطالبة بتشغيل مصفاة عدن، في إطار رؤية لتفعيل المؤسسات المحلية، بدل استجداء السعودية والإمارات.
وأبدى الرئيس العليمي تفهمه مطالب المحتجين، وكتب تغريدات على “تويتر”، قال فيها إنه تابع بألم شديد الاحتجاجات في عدن بسبب انقطاع الكهرباء، ويتفهم أسبابها، واعدًا بوضع معالجات جذرية في الفترة المقبلة، وإلزام الحكومة بالعمل بطريقة مختلفة عن السابق، لتحسين الأوضاع، وطالبًا من اليمنيين إمهال المجلس الرئاسي بعض الوقت.
مطلب شعبي
“تشغيل مصافي عدن مطلب شعبي” عنوان حملة شعبية واحتجاجات لمجاميع شبابية، خلال الأيام الماضية، عبرت عن الطبيعة الحضارية والوعي المترسخ لدى أهالي وسكان العاصمة المؤقتة، وذلك كما يبدو على صفحة الحملة في “فيسبوك”.
وتطرح الحملة فكرة قوية بشأن الاعتماد على الذات من قبل الحكومة، ويرى الناشطون القائمون على هذا الحملة، ووفقًا لصفحة تحمل العنوان نفسه، على “الفيسبوك”، أنه لا حاجة لاستجداء أحد، وأن تشغيل المصفاة كفيل بتحقيق جملة أهداف، فالكهرباء ستتحسن، وسيتوفر الوقود والغاز المنزلي، كما ستتوفر مادة الإسفلت والكيروسين ووقود الطائرات، والإسهام في رفد خزينة الدولة بملايين الدولارات.
ويهدف الناشطون لبعث حراك اجتماعي هادف إلى إعادة تفعيل مؤسسات الدولة بدلًا من استجداء المساعدات من دول الجوار لتشغيل الكهرباء وتوفير الوقود. وينسق هؤلاء الناشطون لتنظيم وقفات احتجاجية وأمسيات توعوية لإيصال رسالتهم الهادفة بطريقة راقية، إذ يحددون ويتداولون إرشادات حول مكان التجمع وأماكن إيقاف السيارات، والحرص على عدم قطع الطرق، وترك مساحة لحركة الناس.
تبادل الاتهامات
وتتصدر أزمة مصافي عدن، أكبر منشآة لتكرير النفط في اليمن، جل اهتمامات المجتمع المحلي في العاصمة المؤقتة، ولفتت اهتمام الحكومة، إذ قام رئيس الوزراء معين عبدالملك، في وقت سابق، بزيارة إلى المصفاة، وأكد على ضرورة إعادة تشغيلها.
ورغم ذلك، لا يظهر تحرك جاد لتشغيل المصفاة، فيما شهدت الفترات الماضية تبادل اتهامات وتوجيه تهم بالفساد لإدارة المصفاة من قبل اللجان النقابية لشركة مصافي عدن، ومزاعم حول تحويل المصافي إلى مجرد خزانات، يقابلها رفض الإدارة لما تعتبره تهمًا جزافية لا تتعاطى مع الواقع وإشكالاته المختلفة التي تعرقل عودة عمل المصفاة. فما هي قصة السجال الدائر ورؤية إدارة المصفاة للأزمة والاتهامات لها بالفساد؟
في الوسط النقابي، وبين عدد من موظفي المصفاة، قناعة راسخة بأن تعطيل المصفاة متعمد، ويتم عرقلة تشغيلها وعدم سداد مديونيات حكومية وأخرى لدى القطاع الخاص تجار وقود.
وسبق لرئيس مجلس اللجان النقابية للمصافي غسان جواد، في تصريحات صحفية، القول إن تجار الوقود يرون أنه ليس من مصلحتهم تشغيل المصافي، ويستخدمون خزانات المصافي لخزن الوقود الخاص بهم، وكذلك تفعل الحكومة، وهناك مديونيات متراكمة على الطرفين للمصفاة لم يتم سدادها من قبلهم، مما يمثل أحد عوامل إعادة تشغيل المنشآة.
قيادة اللجان النقابية تعتقد أن تشغيل المصفاة من عدمه قرار سياسي، وترى أن عدم إنجاز محطة كهرباء المصفاة رغم قدرتها المطلوبة 15 إلى 17 ميجاوات، السبب الرئيسي لفرض التعطيل، مشيرة إلى أن محطة بترومسيلة مثلًا أنجزت بقدرة 260 ميجاوات، رغم أن الدولة أقرت مشروع محطة المصفاة قبل إقرارها محطة بترومسيلة.
وير د مدير مصافي عدن أحمد مسعد سعيد، في تصريحات صحفية، أن “المحطة بحاجة إلى كميات كبيرة من بخار الماء وكميات كبيرة من الضغط تصل إلى 600 رطل بالأنابيب التي تمتد إلى كل الوحدات، ليتم تبريد كل الوحدات بكميات من الماء تصل إلى مليون و200 جالون بالساعة، وهو الذي حتم القيام بإنشاء جسر للسماح بوصول مياه البحر إلى موقع المحطة، كون كل السخانات تغلي الخام، وتخرج المواد بعد عملية الفصل لها بدرجة عالية من السخونة.. لو عادت هذه المنتجات ذات السخونة العالية إلى الخزان لاحترقت الخزانات، ولذا لجأنا إلى بناء جسر دولي بلغت تكلفته أكثر من 7 ملايين دولار، ودون هذا الجسر لن تصل المياه لتشغيل المصافي، التي قامت بأدوار هي من أدوار الدولة نظير ذلك بناء هذا الجسر”.
فشل الصيانة
وفقًا لإدارة مصفاة عدن، فقد دعت الحاجة لمشروع تأهيل محطة المصفاة بموجب التوصية من قبل الخبراء بضرورة استبدال محطة كهرباء المصافي التي أنشئت في 1982، أكثر من مرة، عامي 1990 و2000، ولجوء الإدارة للاستبدال الجزئي نتيجة التعثر المالي، حسب تصريحات رئيس المصافي أحمد مسعد سعيد، في وقت سابق.
بدأ ذلك عام 2014 على يد فريق صيني غادر أكثر من مرة إلى جيبوتي نتيجة اصطرابات أمنية بعدن، غير أن الأمر -يقول سعيد- فشل، وثبت ذلك عمليًا حينما تسلمنا منحة وقود خام لتكريرها في 2017، وكانت النتيجة أنه في كل عملية تكرير تتفاقم المشاكل الفنية في محطة الكهرباء، وتتوقف وحدة التبريد، الأمر الذي ترتفع معه احتمالية حدوث حرائق ضخمة.
وكانت المصفاة تعمل على تكرير 170 ألف برميل في اليوم، وانخفضت طاقتها الإنتاجية في التكرير إلى 100 ألف برميل في اليوم، وتوقفت مع اندلاع الحرب في اليمن في مطلع 2015.
ويؤكد مدير مصفاة عدن أنه “إذا اشتغلت المصفاة وعادت إلى موقعها الريادي، سوف يتوفر الوقود، ولن يعاني المواطن من انقطاع الكهرباء، بالإضافة إلى ما تعكسه العملية برمتها من تحسن على أسعار الوقود، كونه سوف يكرر من خام البلد ولا يشترى، وستتحكم به الدولة وليس التجار”. غير أنه ينفي مزاعم بوجود الفساد بالشكل الذي تدعيه نقابة المصافي، وقال إن كل اتهام بفساد يتحتم تجاهه وجود لجان تقصٍّ للحقائق.