الأخبارتقارير وتحليلاتمحليات

عندما يتخطى الطموح الواقع

صنعاء – فاطمة العنسي

قد يبدو التفكير في إقامة مشروع خاص، والمُضيّ قُدمًا نحو تحقيق الحلم في بلد أقل ما يقال عنه أنه يعاني من أسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم، فيه شيء من المجازفة، فضلًا عن عدم وجود رأس مال أو أدوات للعمل، علاوة على ما إذا كان المرء يعيش في “تعز” المدينة الخارجة عن حسابات المجتمع الدولي والإقليمي الذي يغضّ الطرف على مدى سبعة أعوام مضت، عن “حصار خانق” أضحت المدينة بفعله مدينة منسية.

تستقبل المصوِّرة الشابة ماريا رضوان على كرسي استقبال في استديو خاص بها، عشراتِ الأسر على مدى اليوم، حجوزات الأعراس والمناسبات وغيرها في استديو متكامل، بكادر نسائي متخصص ومدرب.

عزمت ماريا رضوان على فتح الاستديو الخاص بها بداية سنة 2022، عقب تلقيها الكثير من التشجيع من قبل أسرتها وزبائنها، بالإضافة إلى تضاعف فريق عملها، الذي خلق شعورًا لدى الزبائن بأنه يوجد مكان يضم جميع مراحل إنتاج الصور لأجمل الذكريات، بجوده عالية تنافس فيه أهم الاستديوهات في البلد، وفق ماريا.

وتضيف “أملك كادرًا مؤهلًا؛ جميعهن خريجات جرافيكس ومونتاج وإعلام وغيره، يضمّنا استديو واحد، لأن العمل من منازلنا مرهق وفيه الكثير من إهدار الوقت، عكس العمل في استديو واحد يحوي جميع المعدات اللازمة والكاميرات، بالإضافة إلى خلفيات وكرومات متنوعة وكوشة للعرسان يتم تغييرها كل شهر، حسب الطلب”.

مواجهة التحديات بالنجاح

حصلت ماريا، التي تسكن وسط مدينة تعز (جنوب غربي البلاد)، على دبلوم هندسة شبكات نهاية سنة 2018، لكن الصراع القائم في البلاد حال دون مواصلتها لتعليمها الجامعي، فضلًا عن تدهور وتيرة التعليم والتدريب في المحافظة بفعل الحصار والوضع الاقتصادي.

تحديات لم تستسلم ماريا حيالها، إذ عملت بجد على تطوير موهبتها وصقل مهاراتها في مجال التصوير الفوتوغرافي عن طريق “الإنترنت”، والذي بدأته من المنزل في نفس سنة تخرجها 2018، مكونة قاعدة من الزبائن تكبر يومًا بعد يوم.

يتكون الاستديو الذي يحمل اسمها من مكتب استقبال للزبائن، بالإضافة إلى مكاتب أخرى للتصوير والمونتاج والطباعة، تقول ماريا: “إنّ الاستديو وكل جزء فيه هادئ وآمن، وديكوره بسيط ولطيف من أجل خلق جو مناسب وراحة نفسية لروّاده، أيضًا الكادر النسائي الكامل ترك بصمته وصنع نوعًا من الخصوصية في مجتمع محافظ كالمجتمع اليمني، فأنا أشعر أنّ العرسان -تحديدًا- مطمئنون لصورهم وذكريات عمرهم لدي”.

الصعوبات والتحديات

“أصعب قرار اتخذته في حياتي هو أن أفتح مشروعي الخاص في مدينة محاصرة تعاني من وضع اقتصادي صعب، فضلًا عن انعدام الأمن والانفلات الأمني الذي تعيشه تعز باستمرار”، تقول ماريا ساردةً التحديات التي واجهتها في بادئ الأمر، وتضيف: “انقسم مَن حولي إلى معارض للفكرة من الأساس، ومؤيد؛ انطلق المعارضون من مبدأ أنني فتاة لا تملك خبرة لفتح مشروع خاص، وبكادر نسائي ممكن أن يتعرض للعديد من التهديدات، كون المرأة هي الحلقة الأضعف في المجتمع، إلى جانب التحديات الأمنية والاجتماعية التي يمكن أن تواجه أي صاحب مشروع، والنساء على رأس هذه القائمة”.

كانت ماريا، بحسب حديثها، قلقة من المجازفة لأن المبلغ الذي أنشأت به المشروع عبارة عن قرض لم تسدده بعد، لكن إرادتها ووقوفها ودعم أسرتها النفسي والمعنوي كان الحافز لها للمضي قُدمًا نحو تأسيس (استديو ماريا) الذي لمع بريقه سريعًا، رغم المدة الزمنية القصيرة لوجوده، حينها آمنت أن الشباب اليمني لا يتعثر بل يقف وقادر على خلق فرص عمل ونجاح حتى لو كانت صعبة المنال.

قوة الإرادة

نوهت رضوان أن طموحها لن يقف عند حد معين، فهي تسعى إلى أن تصبح سيدة أعمال ناجحة، وأن تثبت للجميع أنّ النساء قادرات على صنع النجاحات في أصعب الظروف، لكنها تركّز جهدها في الوقت الراهن، على البقاء على نفس وتيرة النجاح، وتحقيق الرضا عن مشروعها لدى الآخرين، مع بذل جهد للتطوير المستمر، وصقل مهارات الكادر العامل من أجل مواكبة تحديثات العصر.

ووجهت الشابة ماريا في نهاية حديثها رسالةً إلى المجتمع، لا سيما النساء، قائلة: “لا تنتظرن الفرص تأتي إليكن، بل اخلقْنَ لأنفسكن فرصًا للنجاح، وابحثن عن شيء تجدن أنفسكن فيه، سوف تبدعن، وليس شرطًا أن تحصلن على شهادة، شهادات الدراسة ليست سببًا للنجاح، لدينا “الإنترنت” ستجدن فيه ضالتكن، فقط تمتعن بالإرادة والطموح، وتغافلن عن المتشائمين والمثبطين”.

هذا، وتحتل اليمن المرتبة الأخيرة في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين، بحسب المنتدى الاقتصادي العالمي للعام الـ13 على التوالي. فيما أدّى الصراع القائم، والذي دخل عامة الثامن، إلى مضاعفة الوضع الهش للنساء فيما يتعلق بتعرضهن للعنف، والتمييز القانوني، وانعدام المساواة الاقتصادية، بالإضافة إلى الأعمال القتالية التي تسببت في زيادة حدة الأزمة الأمنية وانهيار الخدمات، بالإضافة إلى وضع النساء في مواجهة كبرى مع محدودية الحركة والعمل، بسبب المعايير الثقافية السائدة للجنسين في البلاد، وفق تقرير منظمة العفو الدولية، وفق خيوط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى