انقطاع عقبة “ثرة” يعزل أبين والبيضاء
صنعاء – عبير علي
للعام الثامن على التوالي وأهالي المنطقة الوسطى، شرقي محافظة أبين (جنوب اليمن)، ومديرية مكيراس، جنوبي محافظة البيضاء (شمال البلاد)، يقاسون تبعات قطع عقبة ثرة، الطريق الوحيد الرابط بين المحافظتين.
تم شقُّ عقبة ثرة مطلع ستينيات القرن العشرين، إبّان الاستعمار البريطاني لجنوب اليمن، ثم جرى إصلاح وتحسين وتوسعة منعطفاتها التي تبلغ 52 منعطفًا في ثمانينيات القرن الماضي، فيما آخر صيانة أجريت للعقبة تمت قبل نحو 30 عامًا. وتبلغ مسافة عقبة ثرة 23 ميلًا، وارتفاعها من 4000 – 7000 قدمًا فوق سطح البحر.
ويرتبط أهالي مديرية لودر بأهالي مديرية مكيراس ارتباطًا وثيقًا؛ نظرًا لقرب المسافة بين المنطقتين، حيث كانت مديرية مكيراس قبل التقسيم الإداري الأخير للمحافظات اليمنية، تابعةً لمحافظة أبين؛ ما يفسر ارتباط أهالي مكيراس بأبين أكثر من بقية مناطق محافظة البيضاء.
في حين تعرضت الأجزاء العلوية من عقبة ثرة للقصف بعد سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) على المنطقة وقمة العقبة بداية الحرب الدائرة في اليمن، ما أدى إلى انقطاع الطريق في العاشر من أغسطس/ آب 2015، كما تعرضت أعلى قمة “ثرة” أيضًا للقصف والتلغيم.
السير على الأقدام
انقطاع الطريق الرابط بين محافظتي أبين والبيضاء جعل الكثير من مواطنِي المحافظتين بمعزل عن عائلاتهم، وحرمهم الاتصال المباشر معهم، حيث أصبح الانتقال بين مدن وقرى المنطقة الوسطى بأبين، وبين محافظة البيضاء يتطلب وقتًا أطول وجهدًا كبيرًا، خلافًا لما كان عليه سابقًا، حيثُ كان يستغرق الانتقال بين المنطقتين نصف ساعة فقط.
لذلك لجأ المواطنون في أبين والبيضاء عقب قطع الطريق الرئيسية لطريقٍ فرعيٍّ موجودة إلى الشرق من مديرية لودر يُعرف بـ”عقبة الحَلْحَل”، وهو طريق جبلي وعر، يستغرق الوصول عبره من 4-5 ساعات، تم تدميره أيضًا في يناير/ كانون الثاني من السنة الجارية، بواسطة قذائف أطلقتها جماعة أنصار الله (الحوثيين)؛ ما جعل الناس يتجهون إلى طريقٍ آخر باتجاه مديرية جيْشَان إلى الشرق من مديرية المحفد يستغرق الوصول عبره من 10-12 ساعة تقريبًا.
يقول مدير مديرية مكيراس، محمد حسين البجيري إنّ قطع طريق “ثرة” كان له تبعات كبيرة على حركة المواطنين، فالكثير من أهالي مديرية مكيراس باتوا مضطرين لسلك طرقٍ وعرة وبعيدةٍ جدًا، والبعض منهم -خاصة الطلاب الملتحقين بكلية لودر- أضحوا يتجرَّعون مرارة السفر مشيًا على الأقدام.
ويشير البجيري إلى أنّ الكثير من قُرى مديرية مكيراس تعرضت لقذائف أطلقتها القوات العسكرية التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، خاصة القُرى الواقعة أعلى قمة ثرة. كما تم زراعة شبكة من الألغام في تلك المناطق؛ الأمر الذي أدى إلى تهجير أهالي تلك المناطق، وتسبب بنزوحهم إلى مديرية لودر الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، فأصبح إغلاق معبر ثرة همًا يضاعف معاناة تلك الأسر المهجرة قسرًا من قُراها.
معاناة البعد
معاناة المواطنين في محافظة البيضاء والمناطق الشرقية من محافظة أبين (جنوبَ اليمن)، تتفاقم سنةً بعد أخرى، خاصة بعد قطع طريق ثرة منذ بداية الحرب وحتى الآن، والذي يمثّل شريان الحياة بين المحافظتين.
تحكي فاطمة محمد (اسم مستعار)، من سكان أبين، معاناتها بسبب قطع هذا الطريق بالقول: “مكثت في أبين لأكثر من أربع سنوات، لغرض الدراسة، استقريت فيها قبل انقطاع الطريق بعامين، في البداية كان الانتقال بين المنطقتين يسيرًا للغاية، كنتُ أذهب إلى مكيراس وأعود إلى أبين دون تعب”.
بعد انقطاع الطريق المؤدّي إلى مكيراس أصبحت زيارة الأهل أمرًا في غاية المشقة كما تؤكّد فاطمة، من حيث الجهد والوقت والمال، مضيفةً أنه طوال الفترة التي ظلت فيها في أبين -خاصة بعد قطع الطريق- جرت الكثير من الأحداث؛ مرض فيها الكثير، وتوفي آخرون من أسرتها، وهي بعيدة عنهم غير قادرة على مشاركتهم معاناتهم وأوجاعهم وظروف حياتهم اليومية.
تروي فاطمة بوجعٍ كبير خبر وفاة والدها قائلة: “تلقيت خبر مرض أبي بشكل مفاجئ، كنت عاجزةً تمامًا عن الذهاب إليه؛ نتيجةَ بُعد المسافة والتكاليف الباهظة التي فاقت إمكانياتي، بقيت مكبلة الإرادة بغير حول أو قوة، حتى تلقيت خبر وفاته الذي نزل عليّ كالصاعقة”.
في السياق، يقول ناصر موسى، مدير مديرية لودر إنّ هناك جهودًا كبيرة تبذل في سبيل فتح معبر “ثرة” الاستراتيجي الرابط بين محافظات اليمن الجنوبية والشمالية، حيث أثّر انقطاع هذا الطريق تأثيرًا كبيرًا على المواطنين في المحافظات الرابط بينها، مشددًا على استمرار مساعي ومناشدات أبناء المحافظتين، وتضافر جهود قيادة مديرية لودر معَ قيادة مديرية مكيراس ومشائخ محافظة البيضاء للمطالبة بفتح الطريق الذي يعني لهم الكثير.
ويشير موسى إلى أنّ مديرية لودر أصبحت حاضنةً للكثيرِ من المواطنين النازحين من مديرية مكيراس في محافظة البيضاء، والمناطق الشمالية الأخرى المحاذية لمديرية لودر، ما يعني أنّ الساكنين فيها أصبحوا غير قادرين على التواصل مع أهاليهم بسبب وعورة الطريق وصعوبة السفر.
ارتفاع الأسعار
تزود مديرية مكيراس الواقعة في محافظة البيضاء مديرية لودر الواقعة في محافظة أبين بالكثير من المنتجات الزراعية من خضار وفاكهة، كما يستورد أهالي مكيراس من مديرية لودر المواشي من الأغنام والأبقار، كما تتزود كل منطقة باحتياجاتها من المنطقة الأخرى.
في هذا السياق، يوضح الناشط الاجتماعي والحقوقي، فهد البرشاء أنّ التنقل لغرض الزيارة والتجارة بين محافظتي أبين والبيضاء سهلٌ للغاية قبل انقطاع الطريق، نتيجة القُرب المكاني، حيث كانت الأسواق مستقرة والأسعار مناسبة جدًّا وفي متناول الجميع، أمَّا اليومَ وبعدَ انقطاع الطريق، فقد أصبحت الأسعار تفوق قدرة المواطن الشرائية وتُثقلُ كاهله كثيرًا، وفقَ حديث البرشاء.
بعد انقطاع الطريق تحمَّل التجارُ تكاليفَ إضافيةً وجهدًا أكبر، ما أدّى إلى ارتفاعٍ كبير في أسعار الكثير من المنتجات الزراعية، والمواد والسلع الغذائية، إضافة إلى ارتفاع أسعار المواشي، الأمر الذي فاقم معاناة المواطنين في المحافظتين؛ خاصة أنّ البلاد عمومًا تشهد ارتفاعًا في الأسعار؛ جرَّاء الأزمة الاقتصادية الناتجة عن ارتفاعِ سعر صرف العملاتِ الأجنبية مقابل الريال اليمني.
المطالبة بفتح العقبة
ما تتعرض له العقبة من استهداف ووجود قوات عسكرية تابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) في أعلى قمة “ثرة” على مشارف مديرية لودر، دفع أبناء محافظتَي أبين والبيضاء للمطالبة بضرورةِ فتح الطريق وإعادة إصلاحه، خاصة بعد تضرر المواطنين في المحافظتين وتعطُّلِ مصالحهم.
خرج المئات من أبناء المنطقة الوسطى في محافظة أبين في تظاهرة أواخر مايو/ أيار المنصرم، جابت شوارع مدينة لودر، إضافة إلى وقفة احتجاجية تطالب بفتح معبر ثرة وإعادة الحياة إليه، وإدراج ملف ثرة ضمن ملفات فتح المعابر والطرقات المغلقة التي تطالب بها الحكومة المعترف بها دوليًّا، مستنكرين تجاهل الحكومة لهذا المعبر الحيوي.
كما أجرى مشائخ مديرية لودر وأعيانها لقاءاتٍ تشاورية خرجت بتشكيل مجلس يضمّ عددًا من مشائخ وأعيان المنطقة لإدارة ملف عقبة ثرة ورفعه للحكومة المعترف بها دوليًّا والأمم المتحدة.
لم يكن هذا اللقاء التشاوري هو الأول للمطالبة بفتح المعبر؛ حيث التقت شخصيات اجتماعية من محافظتي أبين والبيضاء في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول سنة 2020، في مدينة شُقرة -جنوب شرق أبين- بقيادة وكيل محافظة أبين: وليد الفضلي، وبحضور وسطاء من مناطق المحافظات المجاورة للبيضاء، وقيادات عسكرية، انتهى باتفاق الجميع على إصلاح عقبة ثرة، وإزالة الألغام والحواجز الأسمنتية، والاكتفاء ببقاء النقاط العسكرية دون أيِّ مظاهر عسكرية. إلا أنّ كل تلك المساعي والاتفاقيات باءت بالفشل، وظل الطريق مغلقًا حتى الآن.
يؤكد البرشاء أنّ هناك مطالبات كثيرة ووقفات احتجاجية تطالب المجتمع الدولي بسرعة فتح طريق ثرة، أسوةً ببقية المنافذ التي يجري التباحث لفتحها؛ لما فيه من منافع اقتصادية واجتماعية ستعود على المواطنين من سكان المحافظتين.
قَطْعُ الطريقِ الرئيس الرابطِ بين محافظتي أبين والبيضاء، أدى إلى قطع أوصال الحياة بين المحافظتين، وخلق أزمةً إنسانية واقتصادية طالت جميع الأهالي في تلك المناطق، بمن فيهم النازحون إليها، والمطالبةُ بفتح الطريق وإصلاحه ستظلُّ حاجةً مُلِحَّة لأهالي المحافظتين، وستستمرُّ إلى حينِ تنفيذِ مطلبِهم، كما يقولُ الأهالي، بحسب خيوط.