“الحديدة” بين ضنك العيش وحمى الضنك
الحديدة – أفراح بورجي
يرافق أحمد الضحوي، أحد سكان مديرية المراوعة بمحافظة الحديدة (غرب البلاد)، شقيقه الذي يرقد في مستشفى الحديدة التخصصي، بعد أن دخل في حالة غيبوبة نتيجة حمى الضنك.
وتمر أسرة الضحوي بمعاناة كبيرة، بسبب وضعهم المادي والاقتصادي الصعب، ما أجبرهم على بيع قطعة أرض لهم من أجل دفع تكاليف العلاج.
تعد حمى الضنك عدوى فيروسية تنتقل إلى البشر عند تعرضهم للسعات البعوض الحامل لهذه العدوى وتظهر في المناخات المدارية وشبه المدارية في العالم، ولا سيما في المناطق الحضرية وشبه الحضرية،حسب منظمة الصحة العالمية. وتظهر الأعراض غالباً خلال فترة تتراوح بين 3 أيام و 14 يوماً بعد الإصابة بالعدوى، وقد تشمل حمى شديدة وصداعاً وتقيؤاً وآلاماً في العضلات والمفاصل وطفحاً جلدياً، وفق للمصدر نفسه. وتقول المنظمة لا يوجد علاج محدد لحمى الضنك حتى الآن وإنما يقلل تشخيص المرض في المراحل المبكرة المصاحبة لحمى الضنك الشديدة معدل الوفيات إلى ما دون 1%.
ونقل تقرير لمكتب الشؤؤون الإنسانية نشر في فبراير 2020 أن منظمة الصحة العالمية سجلت حتى 17 نوفمبر 2019، 37,480 حالة يشتبه إصابتها بحمى الضنك و 150 حالة وفاة مرتبطة بالمرض في جميع أنحاء اليمن – أي بزيادة تقدر بنحو 10,000 مقارنة بجميع الحالات التي تم تسجيلها في عام 2018 م، والذي تم خلاله الإبلاغ عن 28,051 حالة يشتبه بإصابتها و 46 حالة وفاة مرتبطة بالمرض.
وجاءت محافظة الحديدة في 2019 ضمن المحافظات التي شهدت تسجيل عدد حالات اشتباه أكبر بحمى الضنك، حسب التقرير.
ويقول الدكتور خالد سهيل، مدير مستشفى الثورة في الحديدة: “نلاحظ في الفترة الأخيرة انتشارًا للحميات الفيروسية بأعداد تتزايد كل يوم، حيث يصل إلى المستشفى حوالي 70 حالة يوميًا، في ظل قلة الإمكانات الصحية في المستشفى التي يمكنها السيطرة على هذه الأمراض، ومحاولة التخفيف من حدة انتشارها”.
ويضيف أن الكادر المتخصص لعلاج ومكافحة الوبائيات في المستشفى غير كافٍ للتعامل مع الكم الهائل من المصابين، فضلًا عن شحة المحاليل المخبرية والأدوية الخاصة بأمراض الفيروسات، والأعراض المصاحبة كالحمى والالتهابات.
وتفتقر محافظة الحديدة لأبسط الخدمات الأساسية، منها انقطاع تام للتيار الكهربائي، وتردي الأوضاع المعيشية، وارتفاع حاد في نسب البطالة والمجاعة، وضعف كبير في الخدمات الصحية هناك، وحرارة صيف تسلخ جلود ساكنيها عن لحومهم، ومستنقعات المجاري التي لا يكاد يخلو منها شارع ولا زقاق.
كاد سليمان مقبل، أحد سكان مديرية الحوك بمدينة الحديدة، أن يفقد ابنه ذات الـ10 أعوام، في بداية شهر مايو الماضي، بعد إصابته بحمى الضنك، كما يقول، مضيفًا أن مستشفى الثورة العام بالحديدة كان مزدحمًا بالمرضى، ولا توجد مقاعد ولا أسرّة، مما جعله يضطر لعلاج طفله في أحد أروقة المستشفى، ذلك اليوم، وبعدها نقل طفله لتلقي العلاجات في المنزل على يد إحدى الممرضات التي تقيم في حيه، وذلك بسبب ضعف حالته المادية التي لم تسمح له بعلاج طفله في مستشفى خاص.
ويتابع: “حالة ابني كانت تزداد سوءًا يومًا بعد يوم، لمدة أسبوعين، حتى وصلت لقناعة أن ابني سوف يموت، لولا عناية الله ووقوف الخيرين من أبناء الحارة، الذين ساعدوني في إنقاذ ولدي”.
ويعاني القطاع الصحي حالة ضعف شديدة في مواجهة الأمراض والأوبئة، ويجد الأطباء صعوبة بالغة في علاج المرضى، لاسيما مع زيادة نسبة المصابين خلال هذه الفترة.
الجدير بالذكر، أن محافظة الحديدة تعد ثاني أكبر محافظة من حيث عدد السكان، وتسجل أعلى معدل انتشار للفقر في أوساط سكانها رغم مينائها التجاري الذي يرفد خزينة الدولة بالمليارات، فبحسب تقرير المراجعة ربع السنوي للأمن الغذائي الصادر عن برنامج الغذاء العالمي، فإن ميناء الحديدة استفرد بـ75% من واردات الغذاء للعام 2020، وبنسبة 63% للعام 2021، فضلًا عن واردات النفط التي ارتفعت نسبتها هذا العام إلى 248% مقارنة بالعام الماضي.
المياه الراكدة تزيد من توسع الوباء
يعود سبب تفشي المرض في الحديدة إلى عدم مكافحة البعوض بشكل كافٍ، بالإضافة إلى تدني الوعي الصحي لدى المواطنين، كما يقول الدكتور مناجي جبريل، أحد العاملين الصحيين في مديرية باجل، شرق الحديدة. مضيفًا أن ارتفاع درجة الحرارة في الحديدة، والانقطاع التام للتيار الكهربائي جعل الناس يستخدمون أسطح وأفنية المنازل في أوقات الراحة والنوم، فضلًا عن أن البعض يقومون برشها بالماء للتقليل من حرارتها وتلطيف جوها.
ويتابع جبريل: “الكثير من سكان الحديدة يقومون بتجميع المياه في الأواني لتبريدها حتى يستخدموها للاستحمام في وقت لاحق، فهم لا يطيقون سخونة المياه من الصنابير مباشرة”، مؤكدًا أن هذه الممارسات غير الصحية تشكل بيئة مثالية لتكاثر البعوض، وتجعلهم أكثر عرضة للسعاتها، ثم الإصابة بالمرض وانتشاره أكبر عدد ممكن من الناس.
التوعية بسبل الوقاية
ويؤكد أن الحل الوحيد لوقف انتشار الوباء يتمثل في توعية المواطنين حول كيفية الوقاية منه، من خلال النوم تحت الناموسيات التي تمنع البعوض الناقل للمرض من لسع ضحاياه، بالإضافة إلى عمل حملات لمكافحة البعوض في أماكن تكاثره، وتغطيتها جيدًا.
ويعتبر انقطاع الكهرباء في الحديدة أحد أهم الأسباب الرئيسية لانتشار الوباء، وإن كانت المدينة تحصل على كهرباء “الخط الساخن”، إلا أن بقية مديريات المحافظة مقطوع عنها التيار بشكل تام، فضلًا عن أن كهرباء “الخط الساخن” نفسها متقطعة، ولا تتجاوز معدلاتها اليومية الأربع ساعات فقط، وبأسعار باهظة، بحسب الضحوي.
ورغم انتشار محطات الكهرباء التجارية، إلا أن سعر الكيلو وات الواحد وصل إلى 450 ريالًا، وهذا شكل عبئًا كبيرًا على سكان الحديدة، لاسيما مع الفقر المدقع والبطالة المتفشية، مما دفع بالكثير منهم للاستغناء عن الكهرباء، ما أسهم في زيادة انتشار الأمراض والأوبئة، بالإضافة إلى التلوث الناجم عن اختلاط مياه الصرف الصحي مع مياه الأمطار التي تملأ شوارع الحديدة وحاراتها، بحسب الناشط الحقوقي، منصور العفيف، مشيرًا إلى أن سكان الحديدة يعانون الأمرَّين من الأوبئة بشكل مستمر، بحسب المشاهد.