الأخبارتقارير وتحليلاتمحليات

المجالس الرئاسية في اليمن.. سياقاتها وتحدياتها

صنعاء – مكين العوجري & مازن فارس

فجرَ السابع من أبريل/ نيسان 2022، أُعلن بشكل مفاجئ تشكيلُ مجلس قيادة رئاسي لإدارة السلطة في اليمن وإزاحة الرئيس عبدربه منصور هادي من المشهد بعد عقد من الحكم.

وأعلن هادي، المقيم في العاصمة السعودية الرياض منذ سبعة أعوام، في خطاب بث على التلفزيون الرسمي، تفويضًا “لا رجعة فيه” لكامل صلاحياته إلى مجلس رئاسي، يضم رئيسًا وسبعة أعضاء.

يرأس “مجلس القيادة الرئاسي”: رشاد العليمي، وزير الداخلية الأسبق، وهو سياسي ذو خبرة ورجل أمن قديم، وتصفه وسائل الإعلام بأنه أحد رجالات السعودية في اليمن. بالإضافة إلى سبعة أعضاء آخرين، وجمعيهم مناهضون لجماعة أنصار الله (الحوثيين) التي تسيطر على العاصمة صنعاء وعدد من محافظات البلد.

المجلس شُكِّل وأُعلن عنه من الرياض، بعد أيام من مشاورات رعاها مجلس التعاون الخليجي، ضمّت نحو 500 شخصية يمنية (عسكرية وأمنية وسياسية واجتماعية) لتوحيد الفصائل اليمنية في إطار التحالف العسكري الذي تقوده السعودية لمحاربة الحوثيين.

في آذار/ مارس 2015، تدخّل التحالف العسكري بطلب من الرئيس السابق هادي الذي فرّ من صنعاء إلى عدن أواخر فبراير/ شباط من العام ذاته، قبل أن ينتقل إلى الرياض بعدما سيطر الحوثيون على المدينة الجنوبية التي تحولت لاحقًا إلى عاصمة مؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًّا.

منذ ذلك الحين، يعمل التحالف لاستعادة بقية المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين الذين يمثلون السلطة الفعلية في الشمال، لكن دون جدوى؛ الأمر الذي ضاق به ذرعًا ووضعه في مأزق عسكري.
تسبّبت الحرب، التي تدخل عامها الثامن في اليمن، بمقتل أكثر من 377 ألف شخص، بشكل مباشر أو غير مباشر، وفق الأمم المتحدة التي تصف الأزمة في البلد بأنها الأسوأ عالميًّا.

تاريخ المجالس الرئاسية

على مدى ستة عقود، شُكِّلت في اليمن ستة مجالس رئاسية. كان مصير معظمها الفشل؛ نظرًا لافتقارها للآليات والرؤى الواضحة التي تضمن خروج البلد من بوتقة الأزمات المرافقة.

في 27 سبتمبر/ أيلول 1962، تشكّل أول مجلس رئاسي يتكون من ثمانية ضباط، بقيادة أول رئيس للجمهورية الوليدة عبدالله السلال، وذلك تحت مسمى “مجلس السيادة”، ولكنه سرعان ما تم إعلان مجلس آخر في أبريل/ نيسان من العام 1963، إلا أن الانقسامات بين القوى في تلك الحقبة أدّت إلى إنشاء ثلاثة مجالس رئاسية متعاقبة برئاسة السلال.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 1967، انتقلت السلطة في الشمال إلى عبدالرحمن الإرياني، الذي أعلن تشكيل مجلس رئاسي بقيادته، وتميز -إلى حدٍّ ما- عن سابقيه من حيث إدارة المرحلة واتخاذ القرارات، إلا أنه لم يَسلم من تحديات المرحلة.

وفي خضم التجاذبات السياسية واستمرار الحرب الأهلية، أجريت عملية تعديل على المجلس في عام 1970، من خلال إضافة ضابطين من القوى الجمهورية وشخص آخر مقرب من الإمامة، وفي ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته، اعتُمد أول دستور دائم لليمن، نص على اختيار مجلس رئاسي من قبل مجلس الشورى، وتشكل على إثر ذلك أول مجلس رئاسي في أبريل/ نيسان 1971.

وتولّى المقدم إبراهيم الحمدي، رئاسةَ شمال اليمن في يونيو/ حزيران 1974، من خلال انقلاب أبيض ضد القاضي عبدالرحمن الإرياني، ليعلن الحمدي تشكيل مجلس القيادة العامة للقوات المسلحة برئاسته، إلا أنه في أبريل/ نيسان 1975، قام الحمدي بتشكيل مجلس رئاسي جديد مضى في قيادته حتى تم اغتياله في أكتوبر/ تشرين الأول 1977.

وفي أبريل/ نيسان 1977، انتقلت رئاسة البلد إلى المقدم أحمد الغشمي، واستمر معه المجلس الذي تشكّل إبان حكم الحمدي، حتى إلغائه في يناير/ كانون الثاني 1978، بقرار جماعي من أعضائه، وشُكّل بعد ذلك مجلسان؛ أحدهما في المرحلة الانتقالية عقب اغتيال الغشمي في يونيو/ حزيران 1978، ومجلس آخر سُمِّي بمجلس الشعب، انتخب علي عبدالله صالح رئيسًا لشمال اليمن في يوليو/ تموز من العام ذاته.

أما في جنوب اليمن -“جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” آنذاك- فقد شُكِّل أول وآخر مجلس رئاسي في 22 يونيو/ حزيران 1969، وذلك بهدف إنهاء الانقسامات وخلق توازنات بين محافظات الجنوب، وضم المجلس الرئاسي الوحيد خمسة ضباط من مناطق مختلفة، إلا أنه لم يشهد أي استقرار طوال فترة وجوده.

وشهد اليمن أشهَرَ مجلس رئاسي في 22 مايو/ أيار 1990، حيث اتفقت قيادة شمال وجنوب اليمن على إعلان الوحدة، بتشكيل مجلس رئاسي يتكون من خمسة أعضاء تم انتخابهم في جلسة مشتركة لبرلمانَي الشطرين، وشهد انقسامات كبيرة بين حزبَي المؤتمر والإصلاح من جهة، والحزب الاشتراكي اليمني من جهة أخرى؛ الأمر الذي عجّل من انهيار المجلس في أبريل/ نيسان 1994، جراء اندلاع الحرب بين شركاء اتفاقية الوحدة، وعقب دخول قوات صالح عدن، بعدها انفرد علي عبدالله صالح بقيادة اليمن لمدة 33 عامًا.

مهام

يضطلع المجلس المُشكّل حديثًا في الرياض، بمهام إدارة الدولة، سياسيًّا وعسكريًّا وأمنيًّا، طوال المرحلة الانتقالية. ولم يُحدد قرار نقل السلطة الفترة الزمنية لولاية المجلس، وربَطها فقط بـ”تحقق السلام الكامل في كافة انحاء البلاد؛ أو عند إجراء الانتخابات العامة وفقًا للدستور الجديد وتنصيب رئيس الجمهورية الجديد”.

كما شُكّلت ثلاث فرق تشاورية وقانونية واقتصادية تضم 75 شخصًا (من قادة وأعضاء أحزاب سياسية وبرلمانيين ومجتمع مدني)، وتعد من صميم مهامها: توحيد القوى الوطنية، وصياغة آلية تُنظم أعمال المجلس، وتقديم خطط الإصلاحات الاقتصادية والمالية.

أما بشأن اتخاذ القرارات، فإنه لا يحق لرئيس المجلس الرئاسي إصدار أي قرار دون موافقة الأعضاء أو التصويت بالأغلبية.

يعتبر توزيع المهام والصلاحيات في المجلس الجديد وعدم انفراد الرئيس باتخاذ القرارات، سمة غابت في غالبية المجالس الرئاسية التي تشكّلت في تاريخ اليمن. قانونيًّا، استند نقل السلطة إلى المجلس الرئاسي، إلى الصلاحيات الممنوحة للرئيس بموجب الدستور، وإلى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.

لكنّ منتقدِي هذه الخطوة يرون أنها “غير قانونية” ولا تمت بصلة إلى الدستور اليمني الذي ينص في مادته رقم 124 بعدم منح رئيس الجمهورية صلاحية تفويض كامل اختصاصاته إلى غيره؛ “وفي حالة خلو منصب رئيس الجمهورية يتولى مهام الرئاسة لمدة لا تزيد عن ستين يومًا، وفي حالة خلو منصب رئيس الجمهورية ونائب الرئيس معًا، يتولى الرئاسة مؤقتًا”، وفق خبير القانون الدولي والدستوري، محمد على السقاف.

ردود الفعل

وحظيَ المجلس بترحيب مجلس الأمن الدولي واعتبره “خطوة مهمة نحو الاستقرار وتسوية سياسية شاملة”. وأبدت الأمم المتحدة استعدادها للعمل مع المجلس والأطراف اليمنية، للتوصل إلى “هدنة دائمة وتسوية مستدامة وشاملة وتفاوضية للصراع اليمني”.

أما جماعة أنصار الله (الحوثيين) فرفضت تشكيل المجلس؛ واعتبرته “محاولة يائسة لإعادة ترتيب صفوف الأطراف (الموالية للحكومة) للدفع بهم نحو مزيد من التصعيد”، وفق الناطق باسمها محمد عبدالسلام.

لكن هذا الموقف للجماعة تحول فيما بعد، إذ أعلنت على لسان حسين العزي -الذي يشغل منصب نائب وزير الخارجية بحكومة الحوثيين ضمنيًّا القبول بالحوار مع المجلس الرئاسي.

وقال في سلسلة تغريدات له عبر تويتر، إن التفاوض مع (هذا) المجلس سيكون مشروطًا بما وصفه: “حوار يمني-يمني بعيدًا عن تدخلات الخارج والاستقواء بالخارج”.

سياق تشكيل المجلس

تبدو الحاجة إلى تشكيل المجلس ضرورية بالنسبة للتحالف العربي، وذلك بهدف توحيد القوى المناهضة للحوثيين وإنهاء حالة الانقسام في صفوفها التي بلغت ذروتها خلال السنوات الثلاث الأخيرة من حكم الرئيس السابق هادي، ونتج عن ذلك خسارة الحكومة مناطق استراتيجية لصالح الحوثيين.

أما بالنسبة للوضع العام، فإن حاجة تشكيل المجلس تبدو ضرورية للتحالف والقوى المحلية المنضوية تحته، كذلك- لحلحلة ملفات عالقة منذ سنوات تأتي في مقدمتها الخدمات الغائبة والاقتصاد المنهار.

يوحي السياق الذي شُكّل فيه المجلس الرئاسي، برغبة إقليمية ودولية في حل سياسي ينهي الحرب التي تدخل عامها الثامن.

وللتأكيد على هذه الرغبة، تضمن قرارُ نقل السلطة نصًّا على أن يتولى مجلس القيادة الرئاسي التفاوض مع جماعة أنصار الله (الحوثيين) لوقف إطلاق نار دائم في كافة أنحاء الجمهورية، والجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي.

ووردت إشارات واضحة في كلمة رشاد العليمي، بأن المجلس الرئاسي “مجلس سلام، إلا أنه أيضًا مجلس دفاع وقوة ووحدة صف، مهمته الذَّود عن سيادة الوطن وحماية المواطنين”، بحسب العليمي.

وسبق إعلان تشكيل المجلس خطوات لوقف التصعيد بإعلان الأمم المتحدة في الأول من أبريل/ نيسان الجاري عن هدنة لمدة شهرين، توافقت عليها أطراف النزاع للمرة الأولى منذ سبعة أعوام.

مقارنة

وعن واقع المجلس الرئاسي الجديد وسابقيه، تقول الباحثة في مركز صنعاء للدراسات (يمني غير حكومي)، ميساء شجاع الدين، إن المجالس الرئاسية في اليمن كان يلجأ إليها اليمنيون كصيغة لحل سياسي توافقي خلال الصراع أو فترات انتقالية.

وأوضحت، في سياق تصريحها لـ”خيوط”، أنّ “الفارق بين المجلس المشكل حديثًا بدعم خليجي والمجالس السابقة، هو الحرب غير المسبوقة الدائرة في البلد، خاصة في ظل وجود فصائل عسكرية مختلفة الأهداف، أصبحت قياداتها تحكم من خلال وصولها إلى المجلس الرئاسي”.

واعتبرت ذلك “واقع الحال الذي أفرزته الحرب، وساهم ذلك في الاعتراف به في ظل عجز تامّ عن تغيير ذلك الواقع”، مؤكدة على أهمية إيجاد صيغ للتعامل مع الوضع الذي لا يمكن أن يؤدي إلى استقرار أو سِلم، في الوقت القريب باليمن.

بُنية المجلس

بالنظر إلى بُنية تشكيل المجلس الرئاسي الجديد نجد أنه صُمِّم بما يحقق التوازن بين الموالين للرياض وأبوظبي؛ مع مراعاة الجانب الديموغرافي؛ شمالًا وجنوبًا.

وبالأخذ بعين الاعتبار سمات المجلس، فإن أعضاءه معظمهم قادمون من خلفية عسكرية وقبلية؛ خمسة منهم يتولون قيادة أكثر من 35 لواء عسكريًّا، تنتشر على طول الساحل الغربي والمحافظات الجنوبية وصولًا إلى محافظة حضرموت أقصى شرق البلاد، بالإضافة إلى محافظة مأرب. في حين لا يملك رئيس المجلس الرئاسي -حتى الآن- قوة عسكرية خاصة يمكن أن يستند عليها؛ الأمر الذي يراه مراقبون بأنه تحدٍّ يستدعي حله بدمج كافة تلك القوات وهيكلتها وإعادة توزيعها ضمن وزارتي الدفاع والداخلية.

وفي هذا الصدد، تقول شجاع الدين إن “رئيس المجلس أقل واحد لديه قوة مسلحة، وربما لا يملك ذلك، بينما بقية أعضاء المجلس يمتلكون قوات عسكرية”.

وترى أنه رغم امتلاك العليمي صلاحيات واسعة وسلطات كبيرة، إلا أنه لن يستطيع احتكار القرار مثل معظم المجالس الرئاسية في تاريخ اليمن، والتي كانت شكلية فحسب، استحوذ رؤساؤها على اتخاذ القرار دون الاعتبار لآراء الأعضاء.

أما من ناحية توازن القوى بين أعضاء المجلس، فتشير الباحثة إلى أن آخر مجلس تشكّل في 1990، واستمر حتى 1994 في اليمن، ظهر فيه نوع من التوازن العسكري، المتمثل في امتلاك “علي سالم البيض” قوة عسكرية، وكذلك “علي عبدالله صالح”.

ومن وجهة نظرها، فإن الطابع الذي طغى على المجلس الحديث “غير مسبوق، في ظرف غير مسبوق، ولا يمكن أن تنطبق عليه معايير المجالس السابقة”.

تحديات

في 18 أبريل/ نيسان الجاري، عادت قيادة المجلس الرئاسي إلى مدينة عدن وأدّت اليمين الدستورية أمام البرلمان، بحضور عدد من سفراء دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي والمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ.

هذه العودة للمجلس علّق عليها السكان الواقعون تحت إدارة الحكومة المعترف بها، آمالًا كبيرة بتحسين الأوضاع الاقتصادية والأمنية وتفعيل مؤسسات الدولة، إلا أنه سادت أجواء من الخيبة بعد مغادرة رئيسَي مجلسي النواب والشورى عدن، إلى جانب بعض النواب.

وللمرة الأولى منذ أكثر من عامين، يستأنف البرلمان جلساته، إذ عقد ثلاث جلسات، صوّت في إحداها على الموازنة العامة للدولة لسنة 2022، وأحالها إلى لجنة مختصة لدراستها؛ كما منح الثقة لحكومة معين عبدالملك بعد مضي عامين على تشكيلها بموجب اتفاق الرياض.

كما اختير مجلس لقيادة هيئة التشاور والمصالحة بتوافق كافة القوى السياسية، وأقر المجلس الرئاسي هذه الخطوة. ولم تجتمع بعدُ، اللجنتان الاقتصادية والقانونية، المعنيتان بالإصلاح الاقتصادي وتنظيم قواعد عمل المجلس.

تحديات كبيرة ماثلة أمام رئيس المجلس الرئاسي؛ أبرزها الحفاظ على وحدة المجلس وتماسكه، ومدى قدرته على إقناع الحوثيين بالحل السياسي أو خوض العمل العسكري، ما سيعيد الأوضاع إلى نقطة الصفر.

ويبقى قياس نجاح المجلس مرهونًا بإحداثه تغييرات إيجابية، وتنفيذ ما جاء على لسان رئيسه العليمي، من وعود تهدف إلى تحسين المعيشة والخدمات واستقرار أسعار العملة وزيادة الصادرات، بحسب خيوط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى