أبين تزرع القمح.. هل تتحول التجربة إلى رؤية استراتيجية؟
عبير علي – صنعاء
نجح المزارعُ عامِر المُعسِّل -أحدُ المزارعين في محافظة أبين- من زراعة محصول القمح الذي بدأ تجربة زراعته قبل ثلاثة أعوام. نجاحُ التجربة، وجودةُ المحصول الذي أثمرت عنه التجربة، حفّزا المُعسِّل على الاستمرار في زراعة المحصول على مدى ثلاثةِ مواسم متتالية.
حول هذه التجربة، ويقول عامرُ حديثه “كانت نتائج زراعة القمح رائعة، وأثمر عنها محصولٌ جيد. معرفتي بطبيعة الأرض في أبين ومدى خصوبتها، إضافة إلى مناخها المناسب، جعلاني أفكِّر في خوضِ التجربة”.
الأخبار المتداولة حول نجاح تجربة عامر في زراعة القمح جاءت متزامنةً مع المخاوف من ارتفاع سعره عالميًّا نتيجة الحرب الروسية في أوكرانيا، ما يعني أن الحاجة هي العامل الأبرز في تعميم هذه التجربة وتكرارها في مناطق متفرقة من اليمن. يضيف المُعسِّل: “كنت أعيش في محافظة شبوة وانتقلت إلى أبين حاملًا معي فكرة زراعة القمح بعد نجاحها الفعلي في شبوة”.
تُعرَف محافظة أبين منذ عقود، بأنها السلة الغذائية لليمن؛ كونها تقوم بتزويد الكثير منَ المحافظات بالمحاصيل الزراعية المتنوعة من خضار وفاكهة وحبوب، إضافة إلى أصناف عالية من محصول القطن، إلا أنَّ إنتاجها الزراعي تراجع في السنوات الأخيرة بشكل كبير، بفعل الكثير من العوامل، ما يعني أن استمرار زراعة القمح في أبين سيحتاجُ إلى تضافرِ الجهود ودعم المزارعين للتغلب على هذه العوامل وبما يُتيح للمزارعين التوسُّع، ورفعَ معدل الإنتاج.
يقول هذا المزارع، إنه بدأ بزراعة القمح في أواخرِ عام 2019، في مساحةِ نصف فدانٍ كتجربة أوَّلية، لكن في العام التالي 2020، قام بزراعة نصف فدانٍ أو يزيد.
من جانبِه، أبدى مدير مكتب الزراعة في أبين، حسين الهيثمي، اهتمامًا كبيرًا بتجربة المزارِع المعسل -وفق حديثه مؤكدًا أن مكتب الزراعة بمحافظة أبين سيقدم الدعم اللازم لهذا المزارع وكل المزارعين الذين سيقومون بزراعة القمح؛ من أجل تشجيعهم على الزراعة والتوسُّع فيها، إضافة إلى كافة المتطلبات الزراعية من بذور ومبيدات وأسمدة، وكذا الطاقة الشمسية”.
ويبدأ موسم زراعة القمح في أبين في نوفمبر/ تشرين الثاني من كُلِّ سنة، ويستمرُّ لثلاثةِ أشهر، في هذا الموسم اختلف الأمر بسبب تأخر وصول البذور التي يجلبها المزارعون من محافظة حضرموت (جنوب شرقي اليمن)؛ إضافة إلى ما تمثله مشكلة البذور من معضلة يواجهها المزارعون وتمنعهم من المجازفة في زراعة مساحة أكبر.
معوقات زراعة القمح
يناشد مزارعو دلتا أبين وزارة الزراعة والسلطة المحلية بالمحافظة الواقعة جنوب اليمن -مرارًا- بضرورةِ الاهتمام بالقطاع الزراعي ودعم المزارعين؛ كون شريحةٍ كبيرة من أبناء المحافظة يعتمدون بشكل أساسي في دخلهم على الزراعة، لكن لا استجابات تُذكر!
يعدد مزارعون مجموعةً من المعوقات التي يواجهونها في زراعة محصول القمح؛ أهمها ارتفاع سعرِ الديزل الذي يصل إلى 30000 ريال للجالون سعة 20 لترًا، وأجور الأيدي العاملة التي وصلت إلى خمسة آلاف في اليوم الواحد، إضافة إلى ارتفاع أجرة الحراثة التي بلغت في الفترة الأخيرة 25000 ريال -أي ما يعادل الـ20 دولارًا- في الساعة الواحدة فقط.
في السياق، يؤكد المزارع المعسل أن محافظ محافظة أبين، ومدير مكتب الزراعة بالمحافظة، زارا مزرعته، واطلعا على تجربته، وعقب الزيارة وعداه أهداءَه منظومة طاقة شمسية لتشجيعه على التوسع في زراعة القمح.
“إذا ما صدقت وعود المحافظ ومدير الزراعة في إعطائنا منظومة شمسية، فسنتوسع في زراعة القمح وسنزرع في الموسم القادم عشر فدانات، إلى جانب الكثير منَ المحاصيلِ الهامّة”- ويُنهي المُعسِّل حديثه.
بدايةُ التَّجربة
لم تكن تجربة المُعسِّل في زراعة محصول القمح في دلتا أبين هي التجربة الأولى، ففي 2010 أُجريت في منطقة يرامس المعر -شمالي أبين- تجربةٌ ناجحة تمامًا، حيثُ قام المزارع عبدالله عبدالغني الحميقاني بزراعة صنفين من القمح في مساحة فدان واحد، لكل صنف نصف فدان، وبلغت كمية الإنتاج حينها 400 كيلو غرام/ نصف فدان.
تلتها تجربة في السنة نفسها، في منطقة أحور الواقعة في المنطقة الشرقية منَ المحافظة لثلاثة مزارعين، تكللت جميعُها بالنجاح.
وقد أُجريت هذه التجارب تحتَ إشرافٍ مباشر من مكتب الزراعة، إلا أنَّ عدم دعم المزارعين وتحفيزهم على الاستمرار والتوسعِ، أبقى الفكرةَ في إطار التجريب فقط.
ويقولُ المهندسُ عبدالقادر السُميطي، مهندس زراعي، تابعنا تجربة المُعسِّل في زراعة القمح منذُ ثلاث سنوات، وكنا مؤمنين بنجاح التجربة؛ لأن أبين تمتلك جميع المقومات التي ستؤدي إلى نجاحها فعليًّا”. ويضيف السُميطي: “اهتمامنا بزراعة المحاصيل الغذائية سلاحٌ بأيدينا، سيحمينا من الجوع والتسول، وسيجعلُنا حتمًا فئة منتجة وتأكل مما تزرع”.
في سياق متصل، يقول المُهندس فرج الشراء، مدير وحدة الإرشاد الحقلي بمكتب الزراعة بمحافظة بأبين ، إن في أبين ثلاثةَ مناخاتٍ مختلفة، تتوزع على مناطق المحافظة الرئيسية؛ أهمها منطقة دلتا أبين ذات مناخٍ استوائي يمكنها من زراعة الكثير من المحاصيل، أما مناطق المحافظة الشرقية، فتمتلك مناخًا شبه استوائي صالح لزراعة المحاصيل متوسطة الارتفاع، وهناك المناخ البارد الذي تتمتع به مناطق يافع”، مشيرًا إلى أن الزراعة في محافظة أبين ليست بحاجة للبيوت الدعمية، إذ إن التركيز سيتم بزراعة كل محصول في المنطقة التي يتناسب مناخها وزراعته.
ويرى الشراء أن زراعة المحاصيل، وخصوصًا الحبوب، تتطلب إصلاح منظومات الري، هذا الأمر كفيل أن يحفز المزارعين على إنتاج هذه المحاصيل، بعد أن عزف الكثير منهم عن الزراعة؛ جراء السيول التي حرمتهم من ري أراضيهم لأكثرِ من سبعة أعوام.
عشقُ عامر للأرض، وشعورُه بانتمائه الدائم لها، وتوافر المقومات الطبيعية الملائمة من تربة ومناخ- عواملٌ قادته للتفكير جديًّا لاستثمارها الاستثمار الأمثل في زراعة القمح، خاصة مع تدهور الوضع الاقتصادي عمومًا، وارتفاع سعر كيس الدقيق الواحد إلى 44000 ألف ريال -أي ما يقارب الـ35 دولارًا- وهو ما يفتح أبواب البِشر والأمل أمام المواطنُ اليمني للاكتفاء الذاتي من القمح، وعدم الاعتماد الكلي على الواردات التي تتأثر بشكل مطرد بما يحدث في العالم بحسب خيوط.