ماذا بعد الإطاحة بهادي؟
صفية مهدي – صنعاء
حدث ما لم يكن متوقعاً… انتهت المشاورات اليمنية- اليمنية، إلى زلزال سياسي، أطاح بالرئيس عبدربه منصور هادي ونائبه الفريق علي محسن الأحمر وتم الإعلان عن تشكيل مجلس قيادة رئاسي.
أياً كانت ملابسات إعلان هذه القرارات، إلا أنها تدشن مرحلة جديدة في اليمن، بعد سنوات من الحرب التي ألحقت بالبلاد أضرار لا تحصى، لكن وقف مغادرة الحرب ما زال مرهوناً بإمكانية الوصول إلى اتفاق بين “المجلس الرئاسي” وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، المسيطرة في صنعاء.
القرارات صدرت من الرياض حيث تقيم السلطة اليمنية التي توصف بـ”الشرعية”. ووفق مصادر يمنية من مشاركين في المشاورات التي استضافتها الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي في الرياض، تحدث إليهم “درج”، فإن قرار إبعاد هاي كان ما زال أفكاراً ضمن سلة مقترحات تطرح إجراء إصلاحات جوهرية في هرم قيادة “الشرعية”، وقبل ساعات من حفل الاختتام، جاء حسم النتائج بقرار تاريخي قرأ مقدمته الرئيس هادي، معلناً التخلي عن صلاحياته إلى مجلس رئاسي في خطوة “لا رجعة عنها”، بعد دقائق قليلة، من صدور قراره بإعفائه نائبه النافذ علي محسن الأحمر.
القرار شكل مفاجأة مدوية وأثار موجة تعليقات وردود الفعل بما فيها الشكوك التي أثيرت الظروف التي أعلن خلالها هادي، التخلي عن منصبه، إذ اعتبره البعض نزولاً عند ضغوط سعودية مباشرة فرضت عليه إملاءات بمضمون الإعلان الرئاسي.
لكن أياً كانت خلفية إعلان تنحي هادي وابعاد نائبه مثل طي صفحة الرجلين، كأبرز اسمين ارتبطا بهرم الشرعية في السنوات الأخيرة، وهي الفترة التي ترهلت فيه صورة أداء وحضور “الشرعية”، بصورة متزايدة، كان من المتوقع أن تفضي إلى تغييرات، لكن التغيير المعلن فاق ما كان متوقعاً، فمعظم التسريبات تتحدث عن تغيير في منصب نائب الرئيس بصلاحيات أوسع يمنحها رئيس الجمهورية وليس التنازل الكامل كما نص الإعلان.
المجلس الرئاسي
كما أن طي صفحة عهد هادي ونائبه محسن يمثل تحولاً كبيراً، فإن البديل ممثلاً في إعلان تشكيل مجلس قيادة رئاسي، هو الآخر أثار عاصفة من التعليقات سواء من فكرة المجلس وإطاره القانوني أو من ناحية الأشخاص، الذين يرأسهم مستشار الرئيس وهو وزير داخلية أسبق، الدكتور رشاد العليمي، أو ما يمكن أن يفضي إليه هذا التطور، على أكثر من صعيد سياسي واقتصادي وعسكري، وفقاً للظروف التي تعيشها البلاد.
أظهرت التشكيلة من حيث المبدأ توافقاً بين دولتي التحالف السعودية- الإمارات، حيث ضمت من المكونات المدعومة من أبوظبي كلأ من قائد “قوات المقاومة الوطنية”، طارق صالح، ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، وقائد قوات ألوية العمالقة العميد عبد الرحمن أبو زرعة إلى جانب محافظ حضرموت قائد المنطقة العسكرية الثانية اللواء فرج سالمين البحسني، في مقابل رئيس المجلس رشاد العليمي الذي يعرف بعلاقة قوية مع السعودية إلى جانب البرلماني عثمان مجلي وهو وزير سابق وزعيم قبلي من محافظة صعدة عُرف بمناهضته لـ”أنصار الله”، وتضمنت التشكيلة اسمين محسوبين على “حزب الإصلاح”، وهما محافظ مأرب اللواء سلطان العرادة (شخصية أيضاً تمثل قبائل مأرب)، بالإضافة إلى عبدالله العليمي والذي يشغل مدير مكتب رئيس الجمهورية. وجاء الإعلان عن دعم اقتصادي بثلاثة مليارات دولار، منها ملياران بالمناصفة بين السعودية والإمارات لتعزيز التفاهم.
ينص الإعلان الرئاسي على جملة من الاختصاصات والصلاحيات المسندة للمجلس، منها إدارة الدولة سياسياً وعسكرياً وأمنياً طوال المرحلة الانتقالية، اعتماد “سياسة خارجية متوازنة تحقق المصالح الوطنية العليا للدولة ولبنائها على أسس الاستقلالية والمصالح المشتركة بما يحفظ سيادة الدولة وأمنها وحدودها”، وتسيير “ممارسة الحكومة لاختصاصاتها بكامل صلاحياتها طوال المرحلة الانتقالية”، واعتماد “السياسات اللازمة لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب في جميع أنحاء الجمهورية اليمنية”.
مفترق طرق
يرى الكاتب السياسي اليمني مختار الرحبي وهو موظف سابق في الرئاسة اليمنية إن “ما حدث من تغييرات كانت مفاجئة للجميع لم يعرف فيها أحد”، ويضيف “أعتقد أنه لم تتم مشاورة أي طرف من الأطراف السياسية”.
وبحسب الرحبي فإن رئيس الجمهورية هادي “ذهب إلى الديوان الملكي للتشاور معهم لتعيين نواب لرئيس الجمهورية وهي المقترحات التي رفعت في مشاورات الرياض المنعقدة منذ اسبوع”، ولكن “فجأة ظهر رئيس الجمهورية وأعلن نقل الصلاحيات بالكامل إلى مجلس رئاسي”. ويقول، “بالتالي نحن أمام متغيرات كبيرة جداً على المشهد اليمني بغض النظر عن الكيفية وعن الدوافع التي أدت إلى هذا وإن كانت هناك ضغوط سعودية أم لا”.
ويرى الرحبي أن “تشكيل مجلس رئاسي يعني أننا أمام حقبة جديدة قد تكون سبل الوصول إلى حل سياسي وسلمي معها ممكنة في ظل أن الهدنة قائمة والجهود الدولية أيضاً قائمة وهناك كانت مشاورات مكثفة في مسقط انبثق عنها الهدنة المعلنة لمدة شهرين”. أما أعضاء المجلس الرئاسي فيقول إنهم “من مشارب عدة وليسوا من اتجاه واحد “.
ويضيف أن اليمن أمام “مرحلة معقدة جداً، فإما ان نصل بالشعب اليمني إلى بر الأمان وتنتهي الحرب أو أننا سنخوض معارك جديدة وستكون هناك إشكاليات وأزمات أعمق؛ لأن القرار كان بيد رئيس الجمهورية أي بيد شخص واحد والآن القرار أصبح بيد المجلس الرئاسي أي سبعة أشخاص”. وبالتالي “نحن أمام مفترق طرق بالنسبة إلى اليمن نتمنى أن تنتهي الحرب وان ينجز المجلس الرئاسي السلام”.
إعلان دستوري
إلى ذلك، يقول المستشار القانوني جمال محمد الجعبي إن الإعلان الرئاسي وُضِّع في صيغة قانونية أقرب ليكون وثيقة اعلان دستوري يتضمن أحكاماً”، منها “ما سوف يترتب عليه أوضاع سياسية مقبلة ومنه ما يتوقف على مشاورات الحل السياسي الشامل كما ورد في الفقرة 7 من الإعلان، حيث يتولى مجلس القيادة الرئاسي مهمة التفاوض وقيادة مرحلة الوصول إلى حل سياسي شامل مع أنصار الله وهي نهاية مدة المجلس”.
أما الأحكام التي تترتب على الإعلان، فيقول الجعبي إنها “متعلقة بالتعامل والاعتراف والتعاطي مع قوى جديدة تمتلك النفوذ على الجغرافيا اليمنية شمالاً وجنوبا”، إذ إن “الجغرافيا الشمالية ستكون محل شراكة وتقاسم بين الحوثي والمؤتمر (ومن ضمنه طارق وابوراس) والإصلاح وبقية الاحزاب السياسية، بينما جغرافيا الجنوب ستكون ضمن نفوذ المجلس الانتقالي الذي يرأسه أحد نواب مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزبيدي وعضوية قائد قوات العمالقة الجنوبية عبدالرحمن أبو زرعة المحرمي”، ويوضح “أقر الإعلان ما جاء في اتفاق الرياض (الذي صار مرجعية أصلية واساسية) من تقاسم بين الشمال والجنوب، هذا التقاسم الذي انعكس في الحكومة وامتد ليشمل الرئاسة، ونتجت عنه مناصفة 4 من الشمال مقابل 4 من الجنوب”، ويرى أن “هذا سيتحول إلى قاعدة في اتفاق الحل النهائي الذي سيشمل الحوثيين المتمكنين من الشمال، مع تمكين المجلس الانتقالي من الجنوب”.، بحسب درج.