تقارير وتحليلات

بين نهاية “إسرائيل” الحتمية ومناورة إيران النفطية.. ما الرابط؟

كتب / شارل أبي نادر

في الظاهر، لا يوجد أي ارتباط مباشر بين ما أشار إليه  الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، مؤخراً بمناسبة عيد المقاومة والتحرير، حول حتمية زوال “إسرائيل” من المنطقة، وما قامت به إيران في البحر الكاريبي بموضوع تزويد فنزويلا المحاصرة أميركياً بحمولة خمس سفن ضخمة من النفط المكرر. فزوال “إسرائيل” المرتقب والحتمي، كما يراه الأمين العام لحزب الله، يتعلّق بمواجهة ميدانية وعسكرية وسياسية طويلة ضدها، مرّ القسم الأكبر منها، ولم يبق إلا القليل، بينما ما قامت به إيران لناحية تزويد فنزويلا بالنفط المكرر، هو في الشكل عبارة عن عمل تجاري قائم على نقل كميات من النفط عبر البحار، ضمن حركة تجارية عادية روتينية تقوم بها أغلب الدول بين بعضها البعض.

هذا في الظاهر، ولكن إذا عدنا إلى تفاصيل ما قاله السيد نصرالله في حديثه إلى إذاعة “النور”، كان لافتاً الربط الذي أظهره بين تأثير انكفاء النفوذ الأميركي الواقع قريباً لا محال حول العالم، وبداية مسار فقدان “إسرائيل” نقاط الارتكاز التي ساعدتها على احتلال الأراضي العربية، وبالتالي زوال تواجدها من المنطقة.

إذاً، لاكتمال موضوع ارتباط نهاية “إسرائيل” في المنطقة وما قامت به إيران في البحر الكاريبي، من الضروري إظهار العلاقة بين الموقف الضعيف الذي ظهرت به الولايات المتحدة الأميركية بمواجهة ما قامت به إيران من نقل للنفط إلى فنزويلا، وخسارتها (الولايات المتحدة الأميركية) نقاط القوة وإمكانية التأثير، والتي كانت “إسرائيل” تستفيد منها.

بداية، هدّدت واشنطن وتوعّدت إيران لعدم تنفيذ عملية النقل المذكورة لصالح فنزويلا، فردّت طهران بصوت أقوى وبتهديد أوضح، بأن إجراءاتها المتعلّقة بنقل النفط تدخل بالكامل في إطار سيادتها وحقّها في شبك أي علاقة تريدها مع أي دولة أخرى، وخصوصاً أن القانون الدولي وقانون البحار واضح، ولا وجود لأيّ مستند قانوني أو قرار دولي يمنعها من نقل النفط إلى فنزويلا.

بعد إظهار طهران ثباتها وجديتها في رد التهديد لواشنطن، حاولت الأخيرة التحايل عبر توجيه طلبها إلى دول حليفة لها أو صديقة، تملك سواحل وممرات مشرفة على خط سير الناقلات الإيرانية، ولكن تلك الدول أحجمت عن مسايرة واشنطن، لكونها ملتزمة بالقانون الدولي وقانون البحار، فاكتملت الخطوة الإيرانية، ووصل النفط إلى فنزويلا، ورضخت واشنطن للأمر، وخصوصاً بعد أن تبين أنّ الأخيرة غير جاهزة لأيّ مواجهة حالياً.

 في الحقيقة، لا يمكن القول إن تداعيات الموضوع توقّفت هنا وانتهت، لأن ما حدث أقرب إلى الصفعة لواشنطن. واعتباراً من اليوم، يمكن القول إن إيران، وبإقدامها على كسر قرار واشنطن، وتنفيذ مناورة، ولو مناورة نقل وتجارة، في حديقة الأخيرة الخلفية، ورغماً عنها، فتحت الباب أمام أكثر من دولة لتحدّي واشنطن ومنعها من بلطجتها المعهودة.

من الطّبيعي أن هناك عدة عوامل سبّبت رضوخ واشنطن في ملف إيران- فنزويلا. هذه العوامل هي مزيج من عوامل داخلية وخارجية، تجمع التوتر السياسي الداخلي وأزمة البطالة العنيفة من جهة، وضياع الإدارة الأميركية واستسلامها لجائحة كورونا من جهة أخرى، إذ نتكلم عن مئة ألف حالة وفاة وأكثر من مليوني إصابة، وضغوط خارجية ضخمة على واشنطن، انطلاقاً من اشتباكها المفتوح مع الصين على كل الصعد التجارية والسياسية والمالية، والتوتر الأقرب إلى حرب الباردة مع بكين، مع اشتباك غير بسيط أيضاً أميركي- روسي وأميركي- أوروبي.

من ناحية أخرى، انطلاقاً من المقاربة الواقعية التي قدّمها أيضاً الأمين العام لحزب الله في مقابلته الأخيرة، وأثبت خلالها، وبالوقائع، فقدان الكيان الصهيوني المبادرة، لجهة حسم معركته مع محور المقاومة عسكرياً، حيث اكتملت معادلة الردع وتوازن الرعب في مواجهته، وفقد كذلك أي إمكانية لوقف تنامي قدرات محور المقاومة الاستراتيجية، وحيث اعتبر سماحته أيضاً أن أي مواجهة واسعة تدخل بها “إسرائيل” في المنطقة ستكون قاضية عليها، وبالتالي لم يعد العدو الإسرائيلي يملك إلا مناورة الاعتماد على واشنطن، إذ كانت الأخيرة تتكفل بمعركة الضغوط السياسية والمالية والدبلوماسية على جميع أطراف محور المقاومة، بدءاً من إيران، وصولاً إلى لبنان وحزب الله. انطلاقا من كلّ ذلك، يمكن القول إننا اليوم أمام معادلة واضحة لا لبس فيها، ومفادها:

مع اكتمال أفول نفوذ الأميركيين حول العالم أو انحساره إلى الحد الأدنى، وهذا الأمر، كما يبدو، واقع لا محال، يمكن القول إن “إسرائيل” سوف تفقد نقطة القوة التي كانت تدعمها بمواجهة محور المقاومة، وسوف تخسر السند الأساس الذي طالما ثبّتها على احتلالها وعلى اغتصابها للأراضي والحقوق العربية، أي النفوذ الأميركي عبر العالم، وبالتالي سوف تعجز لوحدها عن مواجهة محور يقوى وينمو وتتصاعد قدراته الاستراتيجية في الإقليم وعبر البحار.. وهنا سوف تكون نهاية وجودها في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى