حرب من نوع آخر في اليمن.. استراتيجية التحالف في نشر وباء مُعدي
حيروت – صحافة دولية
تعمّد التحالف الدولي بقيادة السعودية، منذ إعلانه عن حربه العسكرية على اليمن في الـ25 من آذار/ مارس عام 2015، قصف المنشآت التجارية والبنى التحتية والمرافق الصحية، فضلاً عن اتّباعه خطة ممنهجة في حصاره الجوي والبحري، ما حدّ من الشحنات التجارية والمساعدات الإنسانية إلى اليمن، وحتى اللحظة شنّ التحالف 24,876 غارة، وفق موقع مشروع بيانات اليمن.
هذا التعطيل المتعمّد للخدمات العامة، وخاصّة في قطاعي الصحة والمياه والصرف الصحي، والنزوح على نطاق واسع، أدّى إلى تفشي الأمراض الفتاكة على نحو كبير، مثل مرض الكوليرا الذي ينتشر عن طريق البكتيريا البرازية في الماء، حيث لا يرتبط سوى ثلث سكان اليمن بشبكات أنابيب المياه، بحسب تقارير منظمة اليونيسف.
خلال 7 سنوات من الحرب السعودية على اليمن، اعتمد التحالف الدولي سياسية القصف الممنهج لضرب المنشآت التجارية والبنى التحتية والمرافق الصحية، ما أدى إلى انتشار مرض الكوليرا “بمستوى غير مسبوق” في العالم، وفق منظمة الأمم المتحدة.
قبل الإعلان عن انتشار مرض الكوليرا في اليمن عام 2016، لفتت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إلى أنّ نحو 19.4 مليون شخص يفتقرون إلى المياه النظيفة والصرف الصحي (من بينهم 9.8 ملايين فقدوا الوصول إلى المياه بسبب الحرب)، و14.1 مليون من دون رعاية صحية كافية.
تشير بيانات موقع “the lancet global health” أن بين الـ28 من أيلول/سبتمبر 2016 والـ12 من آذار/مارس 2018، تم الإبلاغ عن 1103683 حالة كوليرا مشتبهاً فيها و2385 حالة وفاة من خلال نظام مراقبة الكوليرا.
بالرسوم البيانية، شرح الموقع أن للوباء موجتين، الأولى بلغت ذروتها في منتصف كانون الأول/ديسمبر 2016 (1935 حالة مشتبهاً فيها أسبوعياً)، تليها موجة ثانية أكبر من أواخر نيسان/أبريل 2017، والتي بلغت ذروتها في نهاية حزيران/يونيو 2017 (50832 حالة مشتبهاً فيها أسبوعياً).
خلال الأسابيع الأربعة التي سبقت بدء الموجة الثانية، تم الإبلاغ عن 998 حالة كوليرا مشتبهاً فيها في 11 محافظة، بحسب ما ورد في بيانات التقرير.
وفي آخر إحصاء نشر عن عدد الحالات المنتشرة، بلغ العدد التراكمي لحالات الكوليرا المشتبه فيها والتي تم الإبلاغ عنها في اليمن من تشرين الأول/أكتوبر 2016 إلى نيسان/أبريل 2021ـ، 2538677، بما في ذلك 3997 حالة وفاة ذات صلة بمعدل الوفيات الناتج عن الفيروس بنسبة 0.16%.
خلال الموجة الثانية من هذا الوباء التي بدأت في الـ27 من نيسان/أبريل 2017، كان العدد الإجمالي لحالات الكوليرا المشتبه فيها 2512850، بما في ذلك 3868 حالة وفاة ذات صلة بمعدل الوفيات الناتج عن الكوليرا بنسبة 0.15%.
خلال عام 2021، تم اختبار إجمالي 151 عيّنة براز، من بين هؤلاء تم تأكيد 27 مختبرياً عن ضمها الكوليرا. النتائج معلقة لعدد قليل من العيّنات، ما يعني أن نسبة 17.9% من العيّنة العشوائية مصابة بالكوليرا.
وفي آخر تقرير لوزارة الصحة اليمنية نشر عام 2021 عن الأمراض في اليمن، اشتبه في صنعاء في نحو 6723 حالة، أما في أب فـ 8736 وفي الحديدة 8200.
“ارتفاع أعداد الكوليرا نتيجة مباشرة لاستراتيجية التحالف”
مع انتشار المرض عام 2017، قارنت صحيفة “فورين بوليسي” بين اليمن وهاييتي، مشيرةً إلى أنه في هاييتي بدأ تفشي المرض في عام 2010، واستغرق سبع سنوات للوصول إلى نحو 815 ألف حالة كوليرا، أما في اليمن، فقد استغرق الأمر ستة أشهر فقط للوصول إلى هذه الأعداد المرتفعة.
ونقلت الصحيفة حينها عن خبراء صحة، أن السبب الدقيق لانتشار الكوليرا بهذه السرعة في اليمن لا يزال غير واضح، لكن مع عدم قدرة الكثير من السكان على الوصول إلى المياه النظيفة، أوجدت الحرب الظروف الملائمة لتفشي المرض بشكل غير مسبوق.
كما قال مدير البرامج في منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان ومقرها نيويورك، هومر فينترس: “في حين أن من الصعب الحصول على معلومات بشأن ما أدى بالضبط إلى تفشي المرض، فمن الواضح أن البنية التحتية الصحية وخدمات الصرف الصحي في اليمن تعرضت لهجوم مستمر طوال فترة الحرب، ما سمح للبكتيريا، مثل الكوليرا، بالانتشار بسهولة”.
مقال آخر نشر في صحيفة “الغارديان”، جاء فيه أنّ “إحصائيات فيروس الكوليرا في اليمن تبيّن أن تفشي المرض ليس ببساطة حتمية بسبب الحرب الأهلية، بل هو نتيجة مباشرة لاستراتيجية التحالف الذي تقوده السعودية في استهداف المدنيين والبنية التحتية في المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة اليمنية”.
ناسا: تتنبّأ بخطر الإصابة بالكوليرا في اليمن
من جهة أخرى، يستخدم فريق من وكالة “ناسا” البيانات الأرضية والأقمار الاصطناعية للتنبّؤ بخطر الإصابة بالكوليرا في اليمن ودول أخرى.
خرائط الوكالة أوضحت المخاطرالمتوقعة للكوليرا في اليمن في الفترة من الـ 10 من آب/أغسطس إلى الـ 6 من أيلول/سبتمبر 2020. وقد تم إنشاؤها باستخدام نظام نمذجة الكوليرا، والذي يتضمن بيانات هطول الأمطار الصادرة عن وكالة ناسا، وبيانات درجة الحرارة.
قسّم تقرير “ناسا” الوباء إلى قسمين: المتوطنة والوبائية؛ في وضع الوباء، يحدث فجأة وبشكل متقطع. وينتشر هذا الفيروس عادةً بعد كارثة مثل الفيضانات، أو تلوث مصادر المياه النظيفة أو تدمير البنية التحتية للمياه.
كما أنها تغيّر السلوك البشري الطبيعي، على سبيل المثال التسبّب في انتقال السكان فجأة، وغالباً ما تزيد هذه الأضرار والاضطرابات من فرصة دخول البكتيريا المعدية وتلوث مصادر المياه المحلية.
كذلك تميل نوبات الأوبئة إلى حدوث وفيات أكثر من النوبات المتوطنة، لأن السكان غالباً غير مستعدين للفيروس المفاجئ، وبالتالي تؤدي لمعدلات عدوى هائلة. ومع ذلك، في بعض الأحيان يمكن للحوادث الوبائية المستمرة أن تحافظ على البكتيريا في البيئة لفترة طويلة، وتصبح الكوليرا حدثاً منتظماً، وهو ما حدث في اليمن، بحسب الميادين.