مراكز “الشعوذة” بديلًا عن المستشفيات.. ازدهار في زمن الحرب
صنعاء – عبدالكريم عامر
شهد القطاع الصحي في اليمن خلال سنوات الحرب الماضية، ترديًا كبيرًا على كافة المستويات، مما أدّى إلى إحياء وسائل التداوي بالشعوذة، بعد اندثارها خلال العقود السابقة، إلا أنها عادت للظهور مُجددًا خلال مرحلة التشظي الحالية التي تشهدها البلاد.
وانتشرت مراكز التداوي بالشعوذة في معظم مناطق البلاد _بما فيها العاصمة صنعاء_ بشكلٍ لافت، خصوصًا مع وجود الهامش الذي سمح لظهور بعض المعتقدات التي يصفها البعض بـ”الخُرافة”، باعتبارها جزءًا من هوية بعض الجماعات الدينية ذات التأثير والنفوذ.
بالترافق، تضاعفت أعداد المرضى اليمنيين، جراء انتشار كثير من الأوبئة والأمراض بشكل كبير، خلافًا لما كان سابقًا، مقابل انهيار مستوى الرعاية الطبية، إذْ “تزدهر الخرافة على حساب مهنة الطب الحديث، حيث يبدو أن هناك خطة تدمير مدروسة لإلحاق الضرر في القطاع الصحي، وتراجع خدماته للأعداد المهولة من المرضى”، وفقًا لأحد الأطباء لـ”خيوط”.
بين الألم والأمل
وبحسب “خيوط” فإن أحد العاملين في هذه المراكز بمنطقة “جَدِر” (شمال صنعاء)؛ قال إنهم يعالجون جميع المرضى الذين يَفِدون إليهم بالقرآن الكريم والأعشاب، موضحًا: “في المركز نتبع كل ما يتعلق بالطب النبوي لعلاج المرضى، مثل الحجامة، وخلطات الأعشاب، والرُّقية الشرعية، وغيرها”.
هادي عامر، جاء من محافظة عمران رفقة زوجته، أملًا في علاجهما من العقم، يذكر أنهما سمعا أن تلك المراكز تقدم حلولًا علاجية لمشكلة الإنجاب، فقررا اللجوء إليها رغبةً في التعافي.
بينما تعاني الطفلة “خولة”، من زيادة الشحنات الكهربائية (في الجهاز العصبي)؛ اضطر والدها لعلاجها لدى أحد المراكز بصنعاء التي تدعي مداواة المرضى بـ”الطب النبوي”. “كثيرٌ ممن يعرفون حالة ابنتي، كانوا يحثوني على أخذها للعلاج في هذا المركز، لكن لا يوجد أي تحسن في صحتها إلى الآن”، يقول والد خولة لـ”خيوط”.
الناشط الصحي وليد علي، يقول: إن “كثيرًا من الحالات المرَضية التي قابلتُها، اضطرتْ إلى التداوي بمراكز الخرافة، لأنهم لم يعودوا يحصلون على رعاية طبية، بسبب انهيار القطاع الصحي مع الحرب”.
إحياء “الخرافات” المندثرة
بحثًا عن التعافي، يلجأ كثير من المرضى خلال رحلة الاستطباب، إلى مراكز الشعوذة، التي انتشرت مؤخرًا بكثرة، رغم أن رحلة التداوي فيها، تبدو مجرد عملية استغلال كبيرة للمرضى المعدمين، ونوعًا من إعادة إحياء “الخرافات” المندثرة، والمرتبطة بالقناعات الدينية في كثير من الأوساط الشعبية.
المريض، عبدالحق العبسي، يعاني من أزمة نفسية حادة، نتيجة الظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها، تم نقله إلى أحد مراكز الطب الشعبي لتلقي العلاج، يقول مرافقه: “سمعنا أنهم يعالجون المصابين بحالات نفسية، لكن لم نلحظ أي تحسن في صحته حتى الآن؛ وما زلنا ندفع مالًا مقابل جلسات علاجية”.
ويأمل المرضى الذين يلجؤون إلى هذا الخيار، هربًا من تكاليف العلاج بالمستشفيات التي تراجعت خداماتها، في المقابل يرى بعض المختصين عدم جدوى ذلك، شأن الطبيب طاهر سعد، الذي قال لـ”خيوط”، إن “المرضى لا يستفيدون من هذه المراكز، وكلها للشعوذة والخرافة”، حد وصفه.
ويعزو الطبيب وائل المخلافي، تراجعَ الخدمات الطبية، إلى ظروف الحرب، “إضافة إلى أن جزءًا منها يعد تكريسًا من السلطة لثقافة الخرافة الطبية في أوساط المجتمع”، حسب اعتقاده.
وفي ظل استمرار غياب الرعاية الطبية اللازمة للمرضى، تتصدر الحالة المعيشية الصعبة قائمة معاناة المرضى، الذين أصبحوا عاجزين عن توفير التكاليف الباهظة لمداواة حالاتهم المرضية، في المشافي الحديثة، كما هو حال الشاب الثلاثيني حمود الدغار، الذي يعاني من اضطرابات شديدة في القولون العصبي، سبّبت له ما يشبه الأزمة النفسية.
يروي أحد أقاربه: “أخذناه إلى المستشفى مرتين، لم نعد قادرين على مواصلة علاجه، بسبب حالتنا المادية، رجعنا نعالجه في مركز للطب الشعبي، قالوا لنا إنه مصاب بمس شيطاني، ويحتاج إلى جلسات كثيرة عندهم، مع هذا ولا في أي تحسن بصحة المريض”.
الترويج لـ”الكرامات”!
رغم تراجع نشاط مراكز الشعوذة في الفترة السابقة، ظلت قلةٌ منها تعمل، نتيجة عدم قيام الجهات المختصة في السابق بدورها في مكافحة الظاهرة، نشر الوعي بشأنها في مختلف مناطق البلاد، كون مرد ذلك الانتشار إلى تفشي الجهل والفقر، وغياب الوعي؛ الأمر الذي تسبب في إحياء القناعات بجدوى التداوي بالشعوذة، التي تقوم على الأكاذيب وترويج “كرامات” بعض الأشخاص العاملين في هذه المهنة، بحسب منصة خيوط.