“إعصار اليمن”: ضربة استراتيجيَّة أصابت أكثر من عصفور بحجر واحد بقلم| شارل أبي نادر
بقلم| شارل أبي نادر
صحيح أنَّ اليمنيين نفّذوا عملية “إعصار اليمن” باستهداف مروحة واسعة من المواقع الحيوية في الإمارات برزمة من الطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية والمجنحة، على خلفية انخراط الأخيرة في العدوان على اليمن، ولكن تبيَّن بعد فترة وجيزة من تنفيذها، وخصوصاً بعد أن علا صراخ الكثير من الأطراف الإقليميين والغربيين، أن مفاعيلها جاءت متعددة التأثيرات والتداعيات. وانطلاقاً مما يُقال عادة: “إصابة عصفورين بحجر واحد”، تبيَّن أنّها أصابت عدة عصافير بحجر واحد.
العصفور الأول طبعاً هو المستهدف الطبيعيّ الأول، أي الإمارات، وخصوصاً بعد أن حاولت خداع الجميع بأنها انسحبت من العدوان على اليمن. وكان ذلك قد حصل فعلاً إلى حدٍّ ما حينها، على خلفية الخسائر التي تعرَّضت لها في المواجهات الميدانية المباشرة داخل اليمن، وتحديداً في قواعدها البرية في صافر مأرب، وفي العند لحج، أو في قواعدها البحرية في المخا وعدن، أو عند فشلها مع الشريك الأول في العدوان (السعودية) في معركة الحُديدة التاريخية.
تبين لاحقاً، ومؤخراً، أنَّ الإمارات ما زالت متورطة، إذ ظهر هذا التورط بوضوح، وبمستوى أعلى من تورطها السابق في بداية العدوان، وبشكل مؤذٍ كان له، وبكل موضوعية، تأثير غير بسيط، إذ أظهرت معارك شبوة وجنوب مأرب مؤخراً، أنّها نزلت مباشرة إلى الميدان بضباطها وجنودها، وأنَّ هؤلاء قاتلوا بشراسة في مديريات شبوة المتاخمة لمأرب (عسيلان وعين وحريب) كأنهم يحررون بعض المناطق داخل الإمارات، كما بدوا في معركتهم غير مختلفين عن مرتزقة السعودية، وهم ينفذون أوامرها، بعد أن أرعبتها مؤخراً معركة مأرب وما يمكن أن يحصل من تداعيات نتيجة تحريرها من قبل الجيش واللجان اليمنية، والتي سوف تشكل ضربة قاضية لكلّ أطراف التحالف في عدوانه على اليمن. من هنا، ضغطت الرياض – وبتسهيل ودفع أميركي أيضاً – بكلّ قوتها لتحريك الإمارات وحداتها البرية والجوية، في محاولة لتخفيف ضغط الجيش واللجان اليمنية عن مأرب.
العصفور الثاني الذي أُصيب هو “إسرائيل”. صحيح أنَّ الضربة فعلياً جاءت على أرض الإمارات ومنشآتها بين دبي وأبو ظبي، ولكنَّ تداعياتها كانت صاعقة على “إسرائيل” ربما أكثر من تداعياتها على الإمارات، وذلك في أكثر من اتجاه يمكن حصره بالتالي:
أولاً: نجاح العملية النوعية في أبو ظبي، وعلى مسافة تتجاوز 1200 كلم، يفتح باب الخوف والهواجس الإسرائيلية بقوة من وجود احتمال قريب جداً بأن تنجح ضربة يمنية مماثلة على مناطق جنوب شرق فلسطين المحتلّة، بدءاً من إيلات، وصولاً إلى النقب، وأبعد نحو الغرب ربما، وخصوصاً أن “إسرائيل”، بقدرتها العسكرية والتقنية والمخابراتية، تعلم أكثر من الإمارات بأشواط أنَّ منظومات الدفاع الجوي في الأخيرة، وهي أميركية، وربما إسرائيلية، لا تختلف فعاليتها وإمكانياتها عن تلك المنظومات التي تملكها، والتي تنشرها لحماية أجوائها وسواحلها من الصواريخ والمسيرات، وفي كل الاتجاهات، الأمر الَّذي يدفعها بعد “إعصار اليمن” إلى أن تفكّر بطريقة مناسبة لحماية نفسها أكثر من تفكيرها بطريقة لحماية الدول الخليجية.
ثانياً: جاءت ضربة “إعصار اليمن” التي أصابت أبو ظبي ودبي لتقضي على ما وضعته “إسرائيل” من آمال في الإمارات كنقطة ارتكاز استراتيجية لها على الخليج بمواجهة إيران، أرادت منها أن تكون منطلقاً لمشاريع مخابراتية وأمنية وعسكرية، تتوسع من خلالها في كلّ الاتجاهات التي تراها “تل أبيب” ضرورية، لحماية أمنها القومي، كما تدّعي، ولتوسيع تجارتها واقتصادها مع منطقة غنية تضم زبائن قادرين على الدفع بغزارة، وأيضاً، وهذا أساسي، لتسهيل أجندتها نحو التطبيع وتوسيع مروحة الدول العربية الخليجية التي يمكن أن تعقد معها تسويات واتفاقيات.
من هنا، يمكن تقدير التداعيات المهمة على “إسرائيل”، حيث لا يمكنها بعد اليوم أن تأمن لتركيز نقاط أمنية ومخابراتية وعسكرية، وحتى سياسية أو دبلوماسية وتجارية، ستكون حتماً معرضة للاستهداف الجوي أو الصاروخي على الأقل، وخصوصاً أنها لمست جيداً قدرة اليمنيين الاستعلامية والعسكرية على اختيار الأهداف بدقة واستهدافها بفعالية.
العصفور الثالث هو السعودية طبعاً. أولاً، لأنها كانت تعتقد يوماً بإمكانية إيجاد حل أو وسيلة لمواجهة فعالية المسيّرات والصواريخ اليمنية. وربما اعتبرت أن الإمارات قد تستطيع أن تؤدي دوراً مع الأميركيين في هذا المجال، تستفيد منه بنفسها، بطريقة أو بأخرى، لتجد أنَّ وضع الإمارات مثل وضعها؛ منسيّة أميركياً لناحية الدفاع الجوي.
إنّ تداعيات الضربة على السعودية ثانياً، غير الموضوع العسكري، تشترك فيها مع “إسرائيل” لناحية تبدد إمكانية تصاعد مسلسل التطبيع والاتفاقيات مع “تل أبيب”، إذ إنّ الأخيرة سوف تعيد النظر حكماً في اندفاعتها نحو الخليج. وقد جاءت ضربة “إعصار اليمن” وفشل الإمارات في تلافيها لتضرب ثقتها بتلك الدول لناحية قدرتها على حماية تواجدها المختلف لاحقاً في أراضي الدول الخليجية.
وصحيح أنَّ حكومة العدو الصهيوني سارعت إلى عرض خدماتها الأمنية والاستعلامية والمخابراتية على الإمارات، ولكن يبقى ذلك من باب التودّد الدبلوماسي لا أكثر، ومن باب عرض ما هو حاصل فعلاً، إذ إنَّ “إسرائيل” منخرطة أساساً منذ زمن بعيد، بمساعدة الدول الخليجية، وبقوة، في العدوان على اليمن وفي مواجهة إيران، وذلك من كلِّ النواحي، مخابراتياً وأمنياً واستعلامياً، وحتى عسكرياً، وخصوصاً في العدوان على اليمن.
وأخيراً، يبقى الأميركي هو العصفور الرابع الذي أصيب في هذه الضربة، وهو أساساً رأس الحربة في العدوان على اليمن، الذي انطلق منذ 7 سنوات وما زال يتواصل اليوم برعايته وعنايته، وهو مستاء طبعاً، ولكن ليس بسبب نجاح مسيرات اليمنيين وصواريخهم في استهداف الإمارات، فهذا الأمر سيكون لمصلحته، على الأقل في إبرام صفقات ضخمة لمنظومات دفاع جوي متطورة، مثل منظومة “ثاد” أو غيرها من المنظومات الأغلى ثمناً، وعلى الأقل في تعزيز ارتهان الإمارات لسياسته أكثر وأكثر، بهدف “حمايتها” المزيفة طبعاً، ولكنه فعلياً مستاء لأنَّ الإمارات – كنظام – التي جهّزها وحضَّرها ودعمها ووجَّهها لتكون بيدقاً نشطاً وفاعلاً لتنفيذ أجندته في المنطقة، خدمةً لـ”إسرائيل” أو لاستراتيجيته بين الخليج واليمن وباب المندب وجزر اليمن كافّة، وصولاً إلى سواحل الدول الأفريقية على البحر الأحمر، لم تكن على قدر المسؤولية، وفشلت أولاً في حماية نفسها وعمقها، ولم تستطع أن تبرهن على أنها قادرة على أداء الدور المنفوخ الذي أناطها به الأميركي، ومشكلة الأخير اليوم تكمن في البحث عن بيدق آخر قادر على الصمود بمواجهة إعصار أطراف محور المقاومة الذي يتمدد أكثر وأكثر.