لم يعد الحديث عن تطبيعٍ في العلاقات بين “إسرائيل” والسعودية ممكناً، ضمن نطاقه الأوسع. الأمر تعدّى ذلك، باتَ تعاوناً واضحاً وصريحاً وإن كان غير معلنٍ بشكلٍ رسمي من قبل الطرف السعودي. وصف العلاقة السعودية-الإسرائيلية بـ”التعاون” هو الأدق في هذه المرحلة، لا سيما في المجالين الأمني والعسكري، بحسب ما يرى مراقبون.
التعاون السعودي-الإسرائيلي في المجال الأمني:
التعاون الأمني بين تل أبيب والرياض ظهر واضحاً خلال السنوات الماضية، لا سيما في مرحلة ما بعد استلام محمد بن سلمان لولاية العهد. وذلك من خلال شركة “NSO” الإسرائيلية، المختصة في برمجيات التجسس الإلكتروني..
نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في تشرين الثاني/نوفمبر 2018 تقريراً مطولاً عن شركة “NSO الإسرائيلية” التي تعمل في برمجيات التجسس وتعاملها مع السعودية. وورد في التقرير أنه قبل أشهر قليلة من حملة الاعتقالات الواسعة التي طالت المئات من الأمراء ورجال الأعمال، عرضت الشركة على المخابرات السعودية برامج لقرصنة الهواتف النقالة.
أول اجتماع عُقد بين مسؤولي الشركة وكبار الضباط في المخابرات السعودية كان في العاصمة النمساوية، فيينا، أواسط عام 2017، إذ عرضت الشركة على الجانب السعودي برنامج “Pegasus 3”. وبهدف إقناع الجانب السعودي بالقدرات المتطورة لهذا البرنامج طلب الجانب الإسرائيلي من عضو الوفد السعودي، ناصر القحطاني، الذي قدم نفسه بأنه نائب رئيس المخابرات السعودية، الذهاب إلى مركز تسوق قريب من مكان اللقاء وشراء هاتف آيفون وإعطاءهم رقم الهاتف. وبعدها شاهد الوفد السعودي كيف تمكن الإسرائيليون من قرصنة الهاتف والتنصت على الاجتماع وتصوير الحضور.
وبعد عدة اجتماعات إضافية اشترت الرياض نسخاً من هذا البرنامج بقيمة 55 مليون دولار. السعوديون طلبوا شراء 23 نسخة من هذا البرنامج لقرصنة هواتف المعارضين السعوديين في الداخل والخارج، هذا ما أكدته “هآرتس”.
وكان المعارض السعودي، عمر عبد العزيز، المقيم في كندا رفع في كانون الأول/ديسمبر عام 2018 دعوى ضد الشركة الإسرائيلية (NSO) واتهمها بمساعدة الحكومة السعودية في التنصت والتجسس عليه ومراقبة الرسائل التي تبادلها مع الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي قُتل داخل القنصلية السعودية في إسطنبول في 2 تشرين الأول/أكتوبر عام 2018.
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن عبد العزيز قوله، إنه في الأشهر التي سبقت اغتيال خاشقجي كان بإمكان السلطات السعودية الوصول إلى اتصالات خاشقجي حول مشاريع المعارضة مع عبد العزيز، بسبب برامج التجسس على هاتف الأخير. إذ أنه في آب/أغسطس عام 2018، أبلغت مجموعة بحثية في جامعة تورنتو تدرس المراقبة عبر الإنترنت، عبد العزيز، أن هاتفه ربما تم اختراقه. وخلصت المجموعة في وقت لاحق إلى أن الحكومة السعودية كانت وراء ذلك.
وتستخدم الشركة الآن النسخة المحدثة من هذا البرنامج بحسب “نيويورك تايمز” الذي يحمل رقم Pegasus 3 وبمجرد الاتصال عبر تطبيق واتساب في أي هاتف يتم اختراق الهاتف عبر زرع هذا البرنامج في الهاتف المستهدف ويمكن عبره الوصول الى كل الملفات واختراق كل الإجراءات الأمنية التي طورتها شركة “آيفون” لحماية هواتفها. وقالت الصحيفة إن الدعوى التي تقدم بها عبد العزيز تمثل خطوة إضافية ضد الشركة والحكومة الاسرائيلية التي منحت الشركة تراخيص لبيع برنامج “Pegasus” إلى الحكومات الأجنبية.
اللافت أن شركة “NSO” ليست فقط محميّة من قبل الحكومة الإسرائيلية استناداً إلى التراخيص، بل يطال الأمر وحدة النخبة في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية التي تحمل رقم 8200 والتي مولت الشركة لدى انطلاقها، وفق ما تذكره مجلة “فوربس” الأميركية، التي أكدت في تقرير مفصل عن الشركة عام 2016 أن الشريكين المؤسسين للشركة (Omri Lavie, Shalev Hulio) هما من خريجي ذراع وحدة الاستخبارات، 8200 الإسرائيلية المشهورة، والتي تدخل “تكنولوجيا المعلومات” ضمن اختصاصها، في حين أن الحكومة الاسرائيلية تعامل منتجات شركة “NSO” معاملة أي شركة مصدرة للسلاح، إذ تشترط عليها الحصول على تصريح من وزارة الأمن لتصدير أي من منتجاتها إلى الخارج.. وهذا يشي أن التعاون الأمني السعودي-الإسرائيلي يأخذ إطاراً استخباراتياً تتعدّى حدوده المصالح السياسية.
التعاون العسكري بين الرياض وتل أبيب:
مجال التعاون العسكري كان أيضاً على طاولة البحث والتفاوض في السنوات الأخيرة لا سيما بما يتعلق بأنظمة الدفاع الجوي، في ظل ما تعانيه السعودية جرّاء الصواريخ اليمنية.
في 8 كانون الثاني/يناير العام 2018 نقلت “القناة 13” الإسرائيلية عن صحيفة “باسلر زايتونغ” السويسرية تقريراً كشفت فيه الأخيرة ما وصفته بـ”التحالف السري” بين “إسرائيل” والسعودية، في مجال “تطوير القدرات الدفاعية السعودية”، ضمن مساعٍ سعودية لشراء أنظمة أسلحة من “إسرائيل”. ويظهر التقرير، بناء على مصدر من العاصمة السعودية، أنه “على الرغم من عدم وجود علاقة رسمية بين السعودية وإسرائيل، هناك تعاون عسكري مكثف بين الطرفين”.
وبحسب مصادر من الرياض لم تسمها الصحيفة، فإن السعودية كانت تدرس في تلك الفترة “شراء أسلحة إسرائيلية، وأيضاً فإنها أبدت اهتماماً لشراء أنظمة دفاع للدبابات، والقبة الحديدية”. الصحيفة قالت إن الرياض تسعى لشراء هذا النوع من الأسلحة لمواجهة الصواريخ القادمة من اليمن، مؤكدة أن التعاون في المجال الأمني بين “إسرائيل” والسعودية وصلت إلى مراحل “متقدمة جداً برغم النفي الرسمي السعودي”.
بعدها بأسبوع، كشفت صحيفة “واشنطن تايمز” الأميركية في تقرير عن قيام وفد عسكري سعودي بزيارة لــ”إسرائيل”. الصحيفة الأميركية أكدت ما كشفته الصحيفة السويسرية، مشيرةً إلى أن السعودية تريد تعزيز علاقاتها مع “إسرائيل” عبر التعاون العسكري من خلال “شراء نظام القبة الحديدية الإسرائيلي”. الصحيفة رأت أنه وبغض النظر عن الصواريخ اليمنية وبشكل عام، فإن السعوديين لديهم ميل كبير لشراء المعدات العسكرية والأسلحة من “إسرائيل”، وبالتالي يعتبر شراء نظام القبة الحديدية خطوة استراتيجية لمواجهة التهديدات المستقبلية.
بعد ذلك بأشهر، تحدثت تقارير إعلامية عديدة عن موافقة “إسرائيل” على بيع “منظومة القبة الحديدية للدفاع الجوي” إلى السعودية مقابل عشرات ملايين الدولارات. وذكرت التقارير أن هذا التطور كان نتاجاً لتوافقات سياسية بين الرياض وتل أبيب، حيث “انتقلت الثقة المتبادلة والمتطورة إلى المضمار العسكري، ضمن اتفاق بين الجانبين على تبادل الخبرات وشراء منظومة أسلحة ثقيلة ومتطورة”. وبينما كان هناك رفض إسرائيلي لبيع منظومة القبة الحديدية لأي دولة عربية، فإن تدخل واشنطن كوسيطٍ في الصفقة “بدّل من هذا الموقف”.