ماذا تحتاج الصين لمواصلة طفرتها والتحول إلى قوة اقتصادية لا تضاهى؟
حيروت _ متابعات خاصة:
كان عام 2021 بمثابة نهاية الحرب بالنسبة للحزب الشيوعي الحاكم في الصين، بعدما أعلن نجاح أولى خطط المائة عام باستئصال الفقر، وإلى جانب كونها أكبر دولة تجارية في العالم، أصبحت الصين الآن أكبر مستقبل للاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وصل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الصين إلى ما يقرب من 10500 دولار أمريكي وبلغ تعداد الطبقة المتوسطة الآن نحو 400 مليون شخص، بحسب تقرير لصحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست”.
أعلن الرئيس شي جين بينغ عن مساعيه الطموحة لمضاعفة حجم الاقتصاد مرة أخرى بين عامي 2020 و2035، وتبنى موقفا متشددا بشأن محركات النمو الاقتصادي الحديث في الصين، والاقتصاد الرقمي وصناعة العقارات.
وبالتزامن مع المواجهات الدبلوماسية مع الغرب، كشفت الصين عن نقطة ضعف عميقة في هيكلها الاقتصادي، حيث بات جليا أنها فقدت امتياز العمالة الفائضة والرخيصة.
معدل الخصوبة في البلاد الآن، هو الأدنى منذ 43 عاما منذ بدء سياسة الطفل الواحد، حتى أن إحدى الصحف الوطنية وصفت إنجاب ثلاثة أطفال بـ”الالتزام الأخلاقي لأعضاء الحزب الشيوعي”.
نموذج مميز لكن مضطرب
نموذج النمو في الصين المعروف بكثافة رأس المال تسبب في الاعتماد المفرط على صناعة العقارات الضخمة، حيث باتت العقارات تعني التوظيف والأرباح المصرفية وشريان الحياة المالي للحكومات المحلية.
لكن عندما يشهد الاقتصاد اضطرابا، يولد الألم لدى الأفراد والحكومات والقطاعات التجارية المختلفة، وينتشر من البنوك والبناء والسلع إلى العقارات نفسها.
في عام 2021، طلبت بكين من أنجح شركاتها – بما في ذلك “علي بابا” و”تنسنت” و”بيندودو” – تقديم تبرعات لحملة الصين من أجل الرخاء المشترك.
وتعهدت الشركات بمئات الملايين من الدولارات مقابل الميزانيات الأرباح المستقبلية، وبذلك ستتحمل مناطق أخرى من العالم مثل سوق الأسهم الأمريكي، نصيب الأسد من إعادة توزيع الثروة لتمويل أهداف الصين.
محركات النمو الحقيقية
من بين “الخيول الثلاثة” للاقتصاد الصيني – التجارة والاستثمار والاستهلاك – ومع ذلك، تركزت الفلسفة الاقتصادية الجديدة للصين بثبات على ازدهارها في الأخيرين.
لكن رغم ذلك، ساهمت التجارة بنسبة 19.5% في نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين في الأشهر العشرة الأولى من عام 2021، حيث عملت الصين كمصنع عالمي، يلبي الطلب في مواجهة نقص الإمدادات.
ووسط أدائها التجاري الممتاز، كان انتعاش الاستهلاك في الصين بطيئا، حيث ظل إجمالي الاستهلاك ثابتا تقريبا خلال العامين الماضيين.
سوف يمثل التحول الاقتصادي الهيكلي في الصين تحديا، لكن تدخل الحكومة في السوق الخاصة قد يكون قاتلا، وفقا للتقرير الذي أعدته البروفيسورة شيرلي زي يو، خبيرة الاقتصاد السياسي، والزميل الممارسة في مركز “آش” في كلية هارفارد كينيدي.
في يوليو/ تموز، بدأت الصين تحقيقا مع شركة “ديدي” الرائدة في مجال نقل الركاب، بعد يومين من طرح أسهمها في الولايات المتحدة، وقد يمثل خروج الشركة من بورصة نيويورك بداية نهاية إدراج شركات التكنولوجيا الصينية في أمريكا، وذلك بسبب مخاوف بكين المتعلقة بأمن البيانات.
في غضون ذلك، نفد صبر الولايات المتحدة من إبقاء الشركات الصينية المدرجة في البورصة سرية، وهكذا أصبحت الشركات محاصرة بين العملاقين الاقتصاديين.
إخفاق واضح
تعهدت بكين بتحقيق 70% من الاكتفاء في صناعة الرقائق الإلكترونية كجزء من حملة “صنع في الصين 2025″، وفي عام 2020، استوردت الصين رقائق أكثر من النفط وخام الحديد مجتمعين، وتعتمد بشكل أكبر على مثل هذه الواردات بما يؤدي إلى تجفيف الإمدادات العالمية.
وقعت شركة “تسينغهوا يونيجروب” لأشباه الموصلات في ضائقة مالية بسبب أنشطة الاستحواذ الضخمة على الشركات الأخرى، وشهدت “سميك” الرائدة في صناعة الرقائق المملوكة للدولة، نزوحا جماعيا لكبار المديرين التنفيذيين والمهندسين.
و”سينس تايم” التي تعد أكبر شركة برمجيات للذكاء الاصطناعي في آسيا، ظهرت لأول مرة في بورصة هونغ كونغ فقط بعد استبدال مستثمريها الأمريكيين بمجلس إدارة كامل من المستثمرين الصينيين المدعومين من الدولة.
وتساءلت شيرلي في تقريرها، هل ما زالت الصين تمتلك أوزة ذهبية (مصدر دائم للثروة) في عام 2022، مضيفة أن بكين تريد نموا مدعوما بالاستهلاك والتصنيع المدعوم بالتكنولوجيا.
وأضافت: “تعرضت أوزة الصين الذهبية للطعن في عام 2021، وتعثرت الأرباح المالية لأكبر شركاتها الرقمية وشركات الإنترنت، لكن لحسن الحظ، لا يزال لديها المزيد من الفرص للحصول على الأوز الذهبي”.
ما تحتاجه الصين حقا
مفتاح الاقتصاد الاستهلاكي المستدام هو دخول توسيع الطبقة المتوسطة وتقويتها مع تقليل الطبقات الدنيا في المجتمع، وتقول بكين بالفعل إنها تخطط لنقل 400 مليون إلى 500 مليون صيني آخرين إلى الطبقة الوسطى.
إذا حدث ذلك، ستستمر الطبقة المتوسطة في التوسع الحضري، وشراء المنازل والسيارات، والاستفادة من الخدمات بما في ذلك توصيل الطعام، والسياحة والتعليم، والإضافة إلى القوى العاملة الصناعية الحضرية.
إنهم (الطبقة المتوسطة) ليسوا فقط القوى الدافعة لاستهلاك الصين، بل القوة الكامنة وراء قطاع التصنيع لديها، وفقا لشيرلي.
قال رئيس مجلس الدولة (رئيس الوزراء) لي كه تشيانغ إن أكثر من 40% من سكان البلاد يكسبون أقل من 150 دولارا في الشهر، عام 2019. يحدد مصير هؤلاء المئات من الملايين من الناس ما إذا كانت الصين قادرة على مضاعفة حجم اقتصادها بحلول عام 2035.
تتركز المنافسة العالمية على التكنولوجيا وسلاسل التوريد ولكن في المقام الأول على المواهب، حيث أن سلاسل التكنولوجيا والإمداد أقل حركة بكثير من رأس المال البشري.
على الرغم من أن الصين تقوم بتعليم طلاب المجالات العلمية أكثر بكثير من الولايات المتحدة، فإن شركات مثل “هواوي” مصممة على توظيف نخبة من العلماء العالميين.
بمجرد أن تمتلك الصين الموهبة الكافية، ستكون مسألة وقت فقط حتى تحصل على الرقائق التي تحتاجها، وسيحدد مدى نجاح الاستراتيجية من قبل سوق المواهب العالمي، وليس الحكومات.
في غضون ذلك، يمكن للصين تحفيز اقتصادها عن طريق الاستثمار في البنية التحتية للتقنيات الرقمية والخضراء. أقرت بكين 5 تريليونات دولار من الإنفاق في عام 2020 على هذه المشروعات وتتوقع إنفاق 15 تريليون آخرين حتى عام 2050.