النافذة الديمغرافية في اليمن فرصة أم مأزق؟ بقلم| بلقيس محمد علوان
بقلم| بلقيس محمد علوان
تعرف النافذة الديموغرافية (Demographic window) أو الهبة الديمغرافية على أنها تلك الفترة الزمنية في التطور الديموغرافي لأي مجتمع عندما تكون نسبة السكان من فئة عمر العمل هي الأكبر في الهرم السكاني، وطبقًا لتعريف الأمم المتحدة يشترط لدخول مجتمع ما ظاهرة الهبة الديموغرافية أن تقل نسبة السكان دون سن 15عامًا عن 30% من إجمالي السكان، وألا تزيد نسبة كبار السن 65 عامًا فأكثر عن 15% من إجمالي عدد السكان، وعادةً ما تستمر النافذة الديموغرافية 30-40 عامًا بسبب الارتباط الميكانيكي بين مستويات الخصوبة والتراكيب العمرية. ويرتبط توقيت ومدة هذه الفترة ارتباطًا وثيقًا بتناقص الخصوبة، حيث تنخفض معدلات المواليد، وبالتالي يتقلص الهرم العمري أولاً بنسب منخفضة تدريجيًّا فتقل نسبة السكان (أقل من 15 عامًا)، ويترتب عليه انخفاض نسبة الإعالة، أي عدد الأشخاص أقل من عمر 15 عامًا، وعدد من هم أكثر من 65 عامًا الذين تقع مسؤولية إعالتهم على الأشخاص الذين هم في سن العمل.
وتمر اليمن، حاليًّا، بمرحلة الهبة أو النافذة الديمغرافية، ووفقًا لموقع المجلس الوطني للسكان، فإن هذه الفئة من المتوقع أن تصل نسبتها خلال عام 2025م 57.8%.
وتعتبر مرحلة النافذة الديمغرافية فرصة سانحة للتنمية فيما إذا تم بناء القدرات البشرية وتنميتها على أساس التفاعل بين كفاءتها على مستوى التعليم وتنمية المها ارت، وبين ما تتطلبه عملية النمو الاقتصادي والتنمية بشكل عام، إذ من الممكن أن تُمثل هذه المرحلة أفقًا لفرص تنموية متكاملة متمثلة ببناء قدرات رأس المال البشري وتعزيز مهاراته وتمكينه وتوفير فرص عمل مناسبة، فضلًا عن الاستثمار الأمثل للموارد المتاحة في ضوء معايير التنمية البشرية المستدامة، هذا طبعًا في حال الاستقرار ووجود الدولة وتبنّي سياسة سكانية واعية ومواكبة، ولكن في ظل ما يمر به اليمن من حرب وتدهور اقتصادي غير مسبوق، ووضع إنساني هو الأسوأ في العالم .. هل تُمثل هذه المرحلة فرصة أم مأزقًا؟
بعد سبع سنوات من الحرب تقع ضمن فترة هذه المرحلة تقل إمكانية الاستفادة من كون الفئة العمرية 15 إلى أقل من 65 عامًا هي الفئة الأكثر في السكان، وعلى الرغم من أنها فئة التعلم والتأهيل والعمل والإنتاج، إلا أن هذه الفئة معطلة جزئيًّا أو كليًّا، فلا الأفراد في مراحل التعليم والتأهيل يتلقون من التعليم والتأهيل ما يحتاجونه وما يحضرهم للمستقبل الذي يتطلب مهارة وتأهيلًا مستمرًّا، ولا الأفراد في سن العمل يعملون، وسوق العمل شبه متوقف ولا يقدم فرص عمل، ومن يعمل فهو يعمل بالحد الأدنى وقتًا وأجرًا.
القطاع الحكومي ومثله الخاص يعمل بالحد الأدنى من الإمكانيات والأجر أيضًا، وفرص العمل شحيحة أو معدومة، وإن وجدت فبِعائد لا يسد أدنى احتياجات الشخص، ومئات الآلاف يعملون في القطاع الحكومي في أغلب المحافظات الشمالية بلا مرتبات، وليس من الصعب أن نلاحظ ما تعانيه الفئة المعيلة في اليمن من تحديات وصعوبات فوق طاقتها.
أين موقع الشباب إذا في هذا المشهد؟ وما الأفق المتاح لهم؟
يصارع الأفراد الذين يعملون للحفاظ على أعمالهم ودخلهم القليل، ومن يعمل منهم يعمل دون أي ضمانات أو حقوق مكفولة كالتأمين الصحي، والتأهيل والتدريب، ويصارع أكثر من يبحثون عن فرص عمل في الداخل أو الخارج في تخصصهم أو في غير تخصصهم، يبحثون عن أي عمل متاح، قليل منهم يجدون عملاً، والغالبية العظمى يراوحون بين اليأس واستمرار البحث، وهكذا تنحصر الخيارات، وتنعدم بينما يتجه آخرون لأعمال لم يُعدوا لها أو يؤهلون لها كالانخراط في جبهات القتال، أو الانضمام للجماعات المسلحة، أو العصابات.
هذا هو حال الشباب ثروتنا الحقيقية، وقلب تركيبتنا السكانية: يتدهور التعليم فتقل الجودة، وينهار الاقتصاد فتنعدم الفرص، وتستمر الحرب فتزداد موجات النزوح، ويختل التوزيع السكاني، أما فرص الهجرة فهي محدودة ومكلفة أو محفوفة بالخطر، وخلال سنين الحرب هاجر الآلاف من ذوي الكفاءات العلمية والمهنية إلى دول الجوار، وإلى مختلف دول العالم، وفي الوقت نفسه ظل أغلب الشباب في حالة معاناة بين صعوبات وتحديات الواقع وضيق الأفق المتاح، لكن لا يجب أن يدفعنا كل ذلك لليأس أو التوقف، وإن كانت معطيات الواقع لا تدعو للتفاؤل، لكن معطيات التاريخ تؤكد أن كل حرب تنتهي، وأن دولاً نهضت بأبنائها بعد أن دمرتها الحرب أو الكوارث، لكن هذه الحقائق أمامها تحديات كبرى تجعل من النافذة الديمغرافية لليمن مأزقًا في الواقع بسبب تفاقم تأثير التحول الديموغرافي، والضغط على الموارد المتاحة، في ظل توقف شبه تام لجهود التنمية وانحصار كل الجهود في الإنفاق على الحرب التي أكلت الأخضر واليابس.
يرى بعض المنظرين أن المشكلة السكانية قد تتسبب في قيام الحروب الإقليمية أو الأهلية، لكن الأكيد أن توقف الحرب في اليمن هو بوابتنا لوقف استنزاف وتعطيل مقدراتنا الاقتصادية.. نعم وقف الحرب واستعادة الدولة وتحجيم الفساد وتحريك عجلة التنمية يمكن في المستقبل القريب أن يجعل من النافذة الديمغرافية فرصة لتسريع العبور إلى مستقبل نستحقه، بحسب موقع اليمني الأمريكي.